الرئيسية » غير مصنف » السوريات في لبنان… «ولادة من الخاصرة»

السوريات في لبنان… «ولادة من الخاصرة»

… تحت أشعة الشمس تقف، من نافذة سيارة إلى أخرى تنتقل، الى بضاعتها تدلّل. إنها «سميرة» اللاجئة السورية التي اتخذت من منطقة الصنائع في بيروت باباً لرزقها لتعيل طفلتها التي وُلدت في لبنان في «زمن النزوح» الذي بات يثقل على «بلاد الأرز» التي تتحمّل عبء نحو مليون ومئتي الف سوري مسجلين لدى مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين الى جانب نحو نصف مليون من غير المدرجين على لوائحها.

و«سميرة» هي مرآة لواقع مرير يتفرّع من ملف النازحين الذي يقرع لبنان «ناقوس الخطر« حياله ساعياً الى تنظيم وجود المنتشرين منهم على أرضه والحدّ من تدفق المزيد من اللاجئين في ضوء الثقل الكبير الذي بات هؤلاء يشكلونه على واقعه المالي والاقتصادي والاجتماعي (تجاوزت نسبتهم الى عدد سكان لبنان 35 في المئة)، لتأتي ظاهرة الولادات السورية بين اللاجئات والتي تفوق في نسبتها الى الضعف تقريباً المعدّل المسجّل بين اللبنانيات فتضع بيروت امام تحدٍ اضافي في ظلّ ما تنذر به هذه الظاهرة من ارتفاع مطرد وغير قابل للاحتواء في أعداد النازحين.

والواقع ان الأرقام التي طرحها وزير الخارجية جبران باسيل بإعلانه انه مقابل 40 ولادة لبنانية «تسجل المستشفيات 80 حالة ولادة سورية» وان «عدد الطلبة السوريين بلغ 88 ألفاً مقابل 85 ألف طالب لبناني»، تضع لبنان كما المنظمات الدولية التي تعنى بملف النازحين امام مشكلة حقيقية، كما تعبّر عن مأساة انسانية للاجئين الذين غالباً ما يجدون أنفسهم امام ولادات في ظروف صعبة في ظل عدم قدرة السواد الأعظم منهم على تحمل تكلفة المستشفيات في لبنان واضطرار آخرين الى اللجوء لخيارات قد تعرّض حياة النساء كما المواليد الجدد للخطر.

وهذا الواقع تعبّر عنه نازحات عشن ما يشبه «الولادة من الخاصرة» خارج الوطن الجريح، بعضهنّ وصلن الى لبنان وكنّ حوامل والبعض الآخر حمله استمرار الأزمة في سورية إلى إنجاب أكثر من طفل في «أرض اللجوء».

بضحكة لا تفارق وجهها وضعت «سميرة» علب المحارم التي تحاول بيعها في محلّة «الصنائع» جانباً وروت لـ«الراي» قصتها بأسلوب تشعرك معه وكأنك تستمع لفيلم لا يمت إلى الواقع. فكيف لامرأة مرّت بكل هذه الظروف أن تملك من القوة لتروي مشقات الحياة بفرح وابتسامة قائلة: «قدمتُ إلى لبنان مع ابنتيّ منذ سنة ونصف المتر. القدَر قادني من منطقة الاشرفية في حلب إلى منطقة الأوزاعي في لبنان، والآن أقف على الطريق لأحصل على قوت يومي بعدما اقترضت مبلغاً من المال لأغطي نفقات ولادة ابنتي التي رزقني بها الله («أسماء»). فتكاليف الولادة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي فاقت الـ700 ألف ليرة لبنانية (نحو 500 دولار). وقد ساعدني فاعلو خير بمبلغ من المال، لكن بقي مبلغ قمت باستدانته. لم تساعدنا الجمعيات لأننا لم نكن مسجلين كلاجئين، أما اليوم فقد سجلت اسمي وعائلتي، وبدأنا نحصل على مساعدات. الا انه أمام هذه الظروف الصعبة والحال الضيقة وكون لا معيل لي وللطفلة التي تحتاج إلى حليب وحفاضات لم أجد سبيلاً إلا أن «أشمّر عن اكمامي» وأواجه الحياة فإما تصرعني أو أغلبها».

وكما سميرة، كذلك لاجئة أخرى كانت تحمل طفلها في يد وفي اليد الأخرى رضّاعة حليبه، وعلى جانبها ولد لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات. تنتظر اشارة المرور الحمراء في شارع الطيونة على مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت كي تقترب من السيارات علُها تحصل على حفنة من النقود. هذه اللاجئة رفضت الحديث عن واقعها واكتفت بالقول: «الألم «كاويني»، كنا مستورين في بلادنا وها نحن «مرميين» على الطرق نشحذ لقمة العيش ونعيش في العراء. دعيني، لا أحتاج الى شفقة، وما فيني يكفيني».

وفي حي صبرا، وهو أحد أفقر الأحياء في بيروت، اللاجئات السوريات بالعشرات، منهن «سعدا» ذات الثامنة والعشرين ربيعاً. هي قدمت من درعا قبل سبعة أشهر، وقالت لـ«الراي»: «كنت حينها حاملاً ووضعت طفلي «علي» في مستشفى الزهراء، دفعتُ 100 دولار وهو فارق مساعدة الأمم المتحدة، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لنا كعائلة فقيرة، اذ لا أحد يقدم لنا مساعدات سواء حفاضات أو حليب». وعما إذا كانت ترغب بالمزيد من الأطفال قالت «كفاني الله بخمسة أبناء و«علي» زينتهم».

أما ألطاف إبراهيم، فلم تجد سوى لبنان منفذاً للهروب منذ بدء الأزمة السورية. «تتنزه» في الحي نفسه (صبرا) وهي تجرّ عربة ابنها مع قريبة لها وتقول لـ «الراي»: «رُزقتُ في لبنان بأول طفل لي وذلك بعد طول انتظار».

واذ شكت التكلفة المرتفعة للولادة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي والتي وصلت حسب قولها إلى 7 ملايين ليرة لبنانية (نحو 5 آلاف دولار) نتيجة خضوعها لولادة قيصرية بسبب ارتفاع نسبة السكر في دمها وحاجة طفلها حينها لمراقبة استمرت أسبوعاً، اشارت الى ان إحدى الجمعيات تكفّلت بدفع 3 ملايين ليرة «وقمتُ باستدانة المبلغ المتبقي».

ألطاف التي تسكن في منزل مهترئ لا تصله الماء ولا الكهرباء كما قالت «بل لا يوجد حتى فيه حنفيات للمياه»، تدفع شهرياً 500 دولار بدل إيجار، لكن زوجها العامل «دهان موبيليا» عاطل عن العمل حالياً وهي تخشى طردها من المنزل في الأيام المقبلة «وحينها سأجد نفسي في الشارع مع طفلي».

75 في المئة فقط نسبة تغطية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتكاليف الولادة لدى اللاجئات السوريات، وهي ترعى ستة مستشفيات في وادي البقاع حيث يمكن للنساء الحوامل قصدها، علماً ان المفوضية كانت تغطي النفقات كاملة قبل ان يتم تقليصها بسبب قلة مصادر التمويل المتاحة. لكن نسبة الـ 25 في المئة تبقى باهظة بالنسبة للاجئين، كما تقول هبة، الحامل بشهرها الثامن.

الخوف بادٍ على وجه هبة النحيل فكأن هموم العالم اجتمعت فيه «لا أعلم من أين سأتمكن من تأمين مبلغ 50 دولاراً إذا تمت ولادتي في شكل طبيعي و200 دولار إذا اضطررت للخضوع إلى عملية قيصرية لا سمح الله، زوجي عامل بناء دخله الأسبوعي لا يتجاوز 40 دولاراً أسبوعياً، وكل ما أخشاه هو ألا أستطيع تأمين المبلغ إلى حينه. حالتي النفسية منهارة فأنا أخشى على نفسي وعلى الطفل الذي في احشائي، فهو مولودي الأول الذي أتمنى أن يخرج إلى النور بصحة جيدة. وكل الخوف أن يحرمني الفقر منه». وعن متابعتها الصحية من قبل طبيب قالت «لا أتعاين لدى طبيب، فطعامنا اليومي لا نستطيع تأمينه، فمن أين لي أن أذهب إلى طبيب؟».

هذا الواقع المأسوي تعيه مؤسسة «كاريتاس لبنان» حيث تؤكد مديرة مركز الأجانب فيها نجلا شهدا لـ«الراي» ان «أعداد ولادات النازحات السوريات يفوق أعداد الولادات اللبنانية، فثقافة السوريين مشبعة بحب الأطفال ما يدفعهم إلى إنجاب العديد منهم، من دون ايلاء أي أهمية لأوضاعهم المادية والحياتية». وتقول: «بالرغم من أن العديد منهن يلدن في مستشفيات حكومية، لكن لا يمكن انكار الولادات على أيدي قابلات قانونيات والخطر الذي يرافق هذه الحالات لاسيما في خيم اللاجئين».

وعمن يتكفل بالطفل بعد الولادة من حليب وحفاضات قالت شهدا: «نحن نشجّع على الرضاعة الطبيعية كما نساهم وجمعيات أخرى بتوزيع الحفاضات مع توعية الأمهات على كيفية التعاطي مع أطفالهن، ولا سيما في ظل التشنجات والضغوط التي يعانينها، الأمر الذي أدى إلى ازدياد حدة العنف الممارس من قبلهن على أطفالهن، بالإضافة إلى انتشار حالة اللامبالاة لديهن، وإحدى مظاهرها عدم اهتمامهن بمخاطر الشرفات حيث يسكن البعض في طبقات مرتفعة شرفاتها مهترئة ولا يبدين أي اهتمام لما يمكن أن يحصل في حال سقوط الطفل».

مساعدات أخرى تقدمها «كاريتاس» للنازحين منها العينية والحقوقية والمدرسية بالإضافة لحلقات التوعية والارشاد والنشاطات الترفيهية. وعلى الصعيد الصحي تحديداً تقدم المؤسسة معاينات طبية مجانية للأطفال والنساء الحوامل والأدوية واللقاحات وذلك من خلال عيادة نقالة تجول على المخيمات ومراكز «كاريتاس لبنان».

ن. خ موظفة في جمعية تابعة للأمم المتحدة تعنى بشؤون اللاجئين السوريين. وقد وصفت في حديث لـ«الراي» معاناة اللاجئات السوريات اللواتي لا معيل لهن، ولاسيما مَن قدمن إلى لبنان وهن حوامل، راوية معاناة «أم هشام» الآتية من مخيم اليرموك مع أولادها العشرة والتي لم تجد مأوى لها سوى جسر الكولا في العاصمة بيروت «الى ان تكرمت عليها احدى الجمعيات الخاصة واستأجرت لها منزلاً في وادي الزينة جنوب لبنان. منزل جدرانه من طين وأرضه من باطون لا تدخله الشمس والرطوبة تعشش في كل ناحية منه. أما الذباب فضيف دائم لا يغادر المكان».

«أم هشام» التي وضعت طفلتها في لبنان تفتقد لأدنى مقومات الحياة، ومع ذلك تضيف، «أن العديد من النازحات يكذبن، ويدعين أنهن يقترضن لتأمين بدل ايجار السكن والحاجات اليومية لكن مَن سيقرض أشخاصاً لا يعملون؟! هنا السؤال، أنا لا اقول ان حياتهن سهلة، فهناك العديد منهن بحاجة إلى مساعدات، لكن البعض الآخر ينكرن تقديمات الجمعيات لهن سواء بحصص غذائية أم بحفاضات وحليب لأولادهن، كما أن البعض اعتدن الحصول على المساعدات وبيعها».

حالات اجهاض وولادة مبكرة

أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعة «ييل» الأميركية في شهر فبراير من هذا العام، أنه بين حالات الحمل لدى اللاجئات السوريات 23.7 في المئة منها كانت ولادة مبكرة، وأربعة تم الإجهاض فيها وان 10.5 في المئة كانت حالات إجهاض عمدي، و 36.8 في المئة عانين بعد الولادة من مضاعفات أكثرها شيوعاً كان النزيف الحاد، ومشاكل وهن وضعف مناعة وتعب وآلام شديدة بالبطن وحمى، حيث لم يتلقين أي رعاية مسبقة للولادة منذ وصولهن للبنان.

حديثو الولادة… بلا إثبات

الى جانب مشاكل الحمل والولادة فان مرحلة ما بعد الانجاب تطرح تحدياً عنوانه الواقع القانوني لحديثي الولادة. واذا كانت مؤسسة «كاريتاس» مثلاً وجمعيات أخرى تساعد من خلال فريق عمل متخصص على تسجيل الأطفال عند ولادتهم ليصار بعدها إلى انجاز أوراقهم الثبوتية في سورية حين تسمح الظروف، فان جهاز الأمن العام اللبناني أكد أن «الولادات الحديثة بين النازحات اللواتي لا يملكن وثيقة ولادة في لبنان استثنائية»، لافتاً إلى أن «حديثي الولادة الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية يمنحون بموجبها تسوية للمغادرة، يعود بصورة استثنائية للمدير العام للأمن العام منحهم جواز مرور للعودة إلى سورية بعد إجراء التحقيقات والاستقصاءات اللازمة»، ومشيراً إلى أن «الحالات غير المسجلة في سورية والتي تملك وثيقة الولادة في لبنان تتم تسوية أوضاعها في المديرية العامة للأمن العام بعد ضم وثيقة ولادة منفذة أو مصدقة من السفارة السورية».

«أطباء بلا حدود» على الخطّ

غالباً ما تجهل النساء السوريات الحوامل إلى أين يجدر بهن الذهاب للمعاينة والولادة، كما لا تحظى بعضهن بفرصة اختيار موانع الحمل بسبب نقص التوعية والفقر، لذلك افتتحت الفرق الطبية التابعة لمنظمة «أطباء بلا حدود» في لبنان في شهر ابريل من العام 2013، مشروعاً للرعاية الصحية الإنجابية من أجل الاستجابة للاحتياجات الكبرى التي تم تحديدها لدى اللاجئين في وادي البقاع، والذي يمثّل أهم نقطة دخول للسوريين الذين يعبرون الحدود إلى لبنان. بالاضافة إلى ذلك توفّر المنظمة خدمات رعاية صحية عامة للاجئات اللواتي يعانين من الالتهابات والأمراض المنقولة جنسياً وأي مشاكل صحية أخرى لها صلة بالنساء.

ظروف العيش المتردية تشكل خطراً على حالات الحمل والحاملات فلا فيتامينات ولا حديد يحصلن عليه أما الأطعمة الصحية فهي الأخرى غير مؤمنة سواء للحوامل أم للرضيع، من دون اغفال عدم توافر شروط النظافة ما يشكل خطراً حقيقياً على الحوامل، حيث يساهم في انتشار حالات الالتهابات أحد المسببات الرئيسية للولادة المبكرة.

أطفال المدارس

رسمت الممثلة الإقليمية لمكتب مفوض الأمم المتحدة للاجئين في لبنان نينت كيلي بالأرقام واقع النزوح المخيف في لبنان قائلة: «لا توجد دولة واحدة في العالم اليوم، لديها هذه النسبة الكبيرة من اللاجئين، قياساً إلى حجمها، مثلما هو الأمر في لبنان»، مضيفة «إذا لم يتم تقديم الدعم لهذا البلد، فإنه سينهار بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وإن امتداد الصراع في سورية إلى لبنان، يصبح مرجحاً بشكل أكبر»، وتابعت: «400 ألف طفل من اللاجئين السوريين في لبنان، يحتاجون إلى تعليم مدرسي، وهو ما يفوق الآن عدد الأطفال في المدارس العامة في لبنان، والذي يبلغ 300 ألف طفل».

“الراي” الكويتية

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.