في مقابلة أجرتها معه وكالة "تيلام" الأرجنتينية قال الأسد إنه لا ينوي الاستقالة من منصبه، ولا تسليم السلطة لحكومة انتقالية، فالشعب السوري كما قال، هو الذي يحدد من يبقى في السلطة أو يذهب عنها، من خلال صناديق الاقتراع. وأضاف: أن ربان السفينة لا يهرب عند وقوع العاصفة بل يستمر حتى يثبت السفينة وينقلها إلى مكان آمن ثم يفكر بقراراته، وأنا ،قال الأسد، لست الشخص الذي يتهرب من مسؤولياته.
كمقابلته مع الإخبارية السورية، أراد الأسد أن يظهر لمؤيديه أنه يمسك بزمام المبادرة وأنه يسيطر على الوضع الميداني في سورية.
ومع أن جيش النظام وشبيحته لا يسيطرون على ثلاثين بالمائة من الأرض السورية، إلا أن الأسد أراد أن يظهر نفسه واثقاً من قدراته، وقد لاحظنا ارتفاع نبرته وقلة فلسفته على غير العادة.
يبدو لي أن الرجل استفاد من التصريحات الصهيونية الأخيرة التي تريد بقائه بأي ثمن، فمن لهم بشخص حمى كيانهم لأربعين عاماً متواصلة، ومنع أي مقاومة ضدهم. كما إن الأسد يدرك أن الغرب والشرق يقف معه ويدعمه ليثبت دعائم حكمه، فالشيطان خير للغرب من إنسان يطلق لحيته.
قال الأسد في مقابلته إن هناك عوامل أطالت عمر الأزمة في سورية وعلى رأسها التدخل الخارجي، لكنه لم يقصد في حديثه التدخل الروسي والإيراني بل وتدخل ميلشيات المالكي وحزب الله، لكنه قصد على ما يبدو بالتدخل الخارجي الثورة السلمية التي انطلقت من درعا تطالب بالحرية والكرامة.
وفي مغالطة فاجرة تساءل عن العلاقة بين الإرهابيين الذين يقاتلون في سورية والمطالبة بالإصلاح، قائلاً: هل للشيشاني الذي يأتي لسورية أي علاقة بالإصلاح ولماذا يطالب به وبماذا يعنيه الإصلاح.
وقد تناسى كشبيحته أن المظاهرات بقيت سلمية دون سلاح لأكثر من ستة أشهر متواصلة وكانت في بداياتها تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتطالب بالحرية والكرامة. ولم يكن فيها أي تنظيمات مسلحة، لا داخلية ولا خارجية.
وقد شاء الله أن يفضح الرجل عندما قال في حديثه، وبالحرف " في البداية كانت المطالب إصلاحية" ثم استدرك وقال: ولو كان هذا بالمظهر فقط، ثم ابتعد أكثر فتحدث عن الإصلاح كقناع للتدخل الخارجي، بما يعنيه أن أهل درعا ثاروا على طغيانه بأوامر أمريكية على سبيل المثال.
ثم يخطئ مرة أخرى حيث أكد أن حكومته قامت بإصلاحات داخلية، ونحن نتساءل إذا لم تكن المطالب إصلاحية فلماذا قمت إذاً بالإصلاحات؟. ومن الإصلاحات التي عددها إلغاء قانون الطوارئ وتعديل الدستور، وكلنا يعلم أن الثمانين ألف شهيد قتلوا بعد إلغاء قانون الطوارئ وتعديل الدستور.
الفضيحة الأكبر في مقابلته أنه نفى بشكل قاطع أن يكون جيشه قد أطلق أي أسلحة كيماوية في سورية وقال إن تلك الأسلحة تقتل عشرات الآلاف من الناس في دقائق فكيف يخفي أحد ذلك، ثم قال " نحن لا نحاور الإرهابيين، كيف تحاور إرهابياً يقتل ويذبح ويضرب الغازات السامة وهي أسلحة كيماوية".
أخيرا تكلم الأسد عن صناديق الاقتراع وأشار إلى بقائه في السلطة، وأن الشعب السوري هم من سيحكم من خلال تلك الصناديق على وطنية المرشحين.
نتحدى بشار الأسد أن يجري استفتاء صحفيا ضيقاً في مخيمات اللاجئين في الأردن أو تركيا ويرينا شعبيته، بل نتحداه أن يكون على قدر كلامه فقطـ، فيزور اللاجئين في مخيم الزعتري على سبيل المثال، وليخرج من شاء من شبيحته فيهتفوا بحياته. إنني أراهن على أن الرجل لا يستطيع أن يخرج من مخدعه دون حماية إيرانية وأسلحة روسية.
ولا يزال الأسد منفصلا عن الواقع يعيش أضغاث أحلام، ولعله يعيش الواقع، لكن ذلك الواقع الذي يفضل السياج الأمني الأسدي للكيان الصهيوني على شعب ثائر متحمس قد يكون خطراً، وسيكون، على وجود ذلك الكيان.
د. عوض السليمان