حديث عن الطائفية.. والسنة

 

أضحكُ على نفسي، وأقهقهُ، حينما أجدُني مضطراً لإثبات (أو نفي) مسألة، أو قضية، أو معلومة كنت أصنفُها، طوال حياتي، مع البديهيات.. 
 
يعني.. ما أحلاني، بعد هذا العمر، وهذه (الشيبة) التي زعم وديع الصافي أنها (تنقط حسن وهيبة)، أن أجلس، وأضرب أخماساً بأسداس، وأفتل بأصابعي مثل مهابيل مدينة إدلب الظرفاء، عساي أن أهتدي إلى أفضل الجُمَل، والأقوال، والعبارات، لكي أُثبت، لمن يُماريني، بأنني لستُ طائفياً، ولست قومجياً عروبياً، وأن أكثر عبارة أعتزُّ بها هي أن أقول (أنا سوري)، وأؤكد، للقاصي والداني، أنني أخجل من أن تجمعني مواطنيتي نفسُها مع أي شخص شوفيني متعصب لدين، أو مذهب، أو عرق، أو عائلة، أو عشيرة، أو حزب، أو زريبة، أو مدجنة!..
 
ومع ذلك، فأنا ياما تعرضتُ لمثل هذه الاتهامات، وتلقيتُ إشارات ذكية (ذكية كتيــيـيــر..) من بعض الناس، تنص على أنني- حاشاكم- طائفي!
ولكنني كنت، دائماً، أَثْبُتُ (على مبدأ الله محيي الثابت!!)، وأتماسكُ، وأُخَشِّب، على حد تعبير الكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي، وأمتصُّ الصدمات، والكدمات، والرضوض النفسية، وأبقى محافظاً على رباطة (الجأش).. 
 
أتذكر، على سيرة رباطة (الجأش)، قصيدة لابراهيم طوقان كانت مقررة علينا في أحد الصفوف الابتدائية تقول:
عبس الخطبُ فابتسمْ وطغى الهولُ فاقتحمْ 
رابطَ الجأشِ والنُّهى ثابــــــــتَ القلبِ والقدمْ
وكنا، نحن الأولاد الهزليين، كلما وصلنا إلى عبارة (رابطَ الجأش) نلفظها (رابطَ الجحش)!!.. وننفلت بضحك طفولي أقل ما يقال فيه إنه رائق، صافٍ…
 
ولكن، على ما يبدو أن حسابات الولدنة شيء، وحسابات عمر الكهولة شيء آخر، فحين كبرتُ، وقرأت كتاب "موسوعة حلب المقارنة" لأستاذنا الكبير، الجليل، الرائع خير الدين الأسدي، اكتشفتُ أنه لا يوجد فارق كبير بين (رابط الجأش) و(الجحش)!! 
 
يقولُ الأسدي ما معناه:
ذات مرة، يا أخانا، يا أبا الشباب، يا مرحوم الوالدين، شب حريق في الطاحون الكائن وسط حارة حلبية قديمة، وبدأ الحارسُ الموجود بداخله يصرخ ويولول، غريزياً، عسى أن يَعْلَمَ الناسُ بأمره، فينقذوه، ويُخرجوه من الطاحون المحترق حياً.. 
 
وبالفعل، هبَّ الناس الأوادم لنجدته، من كل حدب وصوب: أبو قادوس، وأبو سطل، وأبو خلقين، وأبو طنجرة، وأبو رفش، وأبو جاروف،.. وشرعوا يطفئون الحريق، والحارس ما انفك يصرخ، ويولول، حتى تمكنوا، أخيراً، من إخماده.. 
ولكن الحارس مات.. 
واكتشف أهل الحارة، بعد ذلك، أن ثمة (جحشاً) كان مربوطاً داخل الطاحون، وهذا الجحش احترق ومات، ولكنه لم يقل شيئاً!!.. 
 
يعلق الأسدي على هذه الحادثة قائلاً إنه و(أنا، كاتب هذه الزاوية، مثله).. أشبه ما أكون بذلك الجحش!!!!.. فقد تعرضت، خلال هذا العمر، للكثير من المصائب والويلات والصروف، وحتى (بعض) أبناء مدينتي الذين أحببتهم، وضحيت في سبيلهم، وكتبت كرمى لخاطرهم، اضطهدوني، وتَقَوَّلوا علي، وخونوني، وحاولوا عزلي، وأكثر من مرة اعتدى علي الزعرانُ منهم بالضرب، ولكنني بقيتُ صابراً، رابط الجأش! 
 
إن ما يُعزينا، في الحقيقة، ويهدىء من روعنا، ويُثلجُ صدورنا، أن أولئك المختصين- اليومَ- بتوجيه الاتهامات للناس، لا يخصون شخصاً محدداً بافتراءاتهم، فحتى المفكر السوري الكبير صادق جلال العظم، ذو التاريخ الطويل الحافل بمعاداة الطائفية، لم يوفروه، بل اتهموه بالتعصب لأهل السنة، لمجرد أنه قال بأنه متفاجئ من قدرة المكوّن السنّي الذي يشكل غالبية المجتمع السوري على ضبط النفس.. وأن التدمير والخراب والمجازر لا تطاول سوى المناطق السنية، وأننا، مع ذلك لم نسمع عن خروج قرية سنيّة للانتقام من قرية علويّة خرج منها شبيحة.
 
قبل أن يصاب القائد، المناضل، الكبير، الفريق، الدكتور، رفعت الأسد، بمرض الازهايمر، وبالتحديد حينما كان يحكم سوريا بالحديد والنار، وفي جلسة ضمته ولفيفاً من أصدقائه، وصاحباته، وأزلامه، وأتباعه، وحاشيته، ومرافقيه، وحراسه، ومنافقيه.. سأله أحدهم بغتة:
 
شو رأيك سيدي بالطائفية؟
فأطلق سيادته رداً فجر عاصفة مدوية من الضحك ضمن المكان، إذ قال:
اعلم، ولاه حيوان، أنني ضد الطائفية.. والسنة!
خطيب بدلة

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث