الرئيسية » تقارير » دينيس روس: إسرائيل تصرفت بناء على الخط الأحمر الذي رسمته، وعلى أوباما أن يحذو حذوها الآن

دينيس روس: إسرائيل تصرفت بناء على الخط الأحمر الذي رسمته، وعلى أوباما أن يحذو حذوها الآن

 

هذا المقال نشره معهد واشنطن للسفير دينيس روس، تنشره (وطن) حرفيا كي يعرف القاريء كيف يفكر صناع القرار ومعاهد الفكر في العاصمة الأمريكية
 
برهنت إسرائيل مرة أخرى على أنها عندما تضع خطاً أحمر بينها وبين جيرانها فإنها تعني ما تقول. وبعد أن أوضح الإسرائيليون أنهم سيمنعون وصول أي أسلحةٍ جديدة نوعياً من سوريا إلى «حزب الله»، عملوا — دون أن يعترفوا علناً ​​بذلك — على فرض ذلك بالقوة.
 
وتبرز في تلك المسألة نقطتان: أولاً، أن إسرائيل أصبحت قادرة على القيام بذلك مع اعتبار ضئيل للدفاعات الجوية السورية. ثانياً، أن أهدافها وأغراضها كانت واضحة وبينة. فإسرائيل لا تتدخل إلى جانب المعارضة السورية. كما أن قادتها يعتمدون على انشغال الأسد و «حزب الله» بحرب البقاء للنظام السوري — مع إدراك هؤلاء الحليفَيْن أنهم لا يستطيعون أيضاً تحمل دخول إسرائيل في تلك الحرب. وربما تشعر إيران أيضاً، التي قدمت الكثير لبقاء الأسد، بأن أي رد فعل ينبغي أن يكون بشكل غير مباشر، لاسيما مع دولة تتصرف وفق خطوطها الحمراء.
 
هل يعطي التحرك الإسرائيلي درساً مجانياً لإدارة أوباما التي ما زالت تعصف ذهنها لاختيار طريقة للرد على الاستخدام السوري للأسلحة الكيميائية؟ ربما يجدي ذلك نفعاً لكن ينبغي أن يكون رد فعلها غير مبالغ فيه. أولاً، إن استخدام إسرائيل لصواريخ تعمل خارج نطاق الدفاعات الجوية قد أتاح لها الهجوم دون الدخول في المجال الجوي السوري. وبالتأكيد ربما تستفيد الولايات المتحدة من هذا الأمر، لكن الدرس الرئيسي هو أنه عليها أن تحدد هدفاً واضحاً، ذات أهمية ومغزى لضربه. لكن هل يمكن فرض منطقة حظر طيران بهذه الطريقة؟ ربما يتطلب الأمر بكل تأكيد إنشاء قوات جوية تكتيكية كبيرة في الدول القريبة (مثل تركيا والأردن) — أو تحرك مجموعتين من حاملات الطائرات لمنطقة شرق البحر المتوسط لضمان استمرار أي عملية عسكرية جارية. ويمكن تبني هذا الخيار، لكنه ليس الوحيد الذي يمكن أن يُستمد من النموذج الإسرائيلي باستثناء أنه قد يعتمد إلى حد ما على صواريخ جو- جو وأرض- جو تعمل خارج نطاق الدفاعات الجوية.
 
تتمثل إحدى الخيارات — التي قد تكون أكثر توافقاً مع النموذج الإسرائيلي — في إبراز أن الولايات المتحدة ستستهدف بكل وضوح القوات أو الوحدات السورية التي تستعمل الأسلحة الكيماوية، أو الخيار الأكثر طموحاً وهو استهدافها للقواعد الجوية السورية التي يتم استخدامها في الهجوم على المدن والقرى بالقنابل التقليدية.
 
لكن هذا يسير نحو مشكلة أكبر. فالإسرائيليون يعملون وفق خطوطهم الحمراء، وسيتحتم على الرئيس أوباما أن يقوم بذلك أيضاً. ويُعرف عنه بأنه يرغب في القول بأنه ليس مخادعاً. لكن السؤال الحقيقي الموجه للإدارة الأمريكية هو ليس ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة الرد على تجاوز الخط الأحمر. يجب عليها الرد على ذلك. إن السؤال الأصح هو: هل هي بصدد اتخاذ إجراء فريد من نوعه تبين فيه أن الانتهاك السوري لخط  واشنطن الأحمر لا بد له من ثمن، أم هل أنها بصدد استخدام بطاقة تغيير قواعد اللعبة السورية لتغيير اللعبة في سوريا؟
 
إن الإجابة ليست بديهية لأنه لا يستطيع أحد ضمان نتيجة جيدة في سوريا في هذه المرحلة. وقد قال ذات مرة وارن كريستوفر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق — عندما كان في منصبه — في تعبيره عن موقف الولايات المتحدة تجاه الصراع الدائر في البوسنة بأنه "مشكلة من الجحيم". ولسوء الحظ، فإن ما يحدث في سوريا اليوم يجعل ما حدث في الصراع البوسني أمراً بسيطاً بالمقارنة. كما أن المعارضة السورية لا زالت مفتتة، حيث بسطت الجماعات الإسلامية سيطرتها على مناطق واسعة ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الأسلحة والأموال الكثيرة التي انهالت عليها بقدر أكبر بكثير مما حصلت عليه القوات العلمانية. وربما يحظى بشار الأسد بجانب ضئيل من الحب من جانب الأقليات في سوريا، بيد تخشى هذه الأقليات مما ستفعله الأغلبية السنية في سوريا — والجماعات الإسلامية — بمجرد رحيل الأسد. هذا وقد تزايدت أعداد القتلى يومياً وتسببت في هروب الكثير من السوريين من منازلهم؛ وعلى المستوى الداخلي، تشرد ما يقرب من 3 إلى 4 ملايين سوري داخل البلاد، بينما على المستوى الخارجي، تم تسجيل نحو 1.4 مليون سوري بشكل رسمي كلاجئين — وهو رقم أقل بكثير من العدد الحقيقي لللاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان والعراق.
 
يشهد العالم كارثة إنسانية في سوريا تطرح أمام الولايات المتحدة تهديداً استراتيجياً. فلا تستطيع واشنطن تحمل مشاهدة الأسلحة الكيميائية تقع بين أيدي جماعات من نمط تنظيم «القاعدة» أو امتداد الحرب لتصل إلى الدول المجاورة — وإجبار الولايات المتحدة على التدخل في ظل ظروف سيئة للغاية.
 
ولا تتمثل المشكلة في عدم وجود خيارات للولايات المتحدة لمعالجة الوضع في سوريا، لكن واشنطن لا تعلم ما إذا كان أي من خياراتها سيحدث نتيجةً مقبولة نوعاً ما. غير أنه بكل أسف، ربما تأخر الوقت بالفعل للتأثير على الحقائق على أرض الواقع في هذه المرحلة نظراً لحجم أعمال القتل والانقسام الطائفي وفقدان السلطة المركزية التي يُمكن إنقاذها وتفتت الدولة واستحالة تعزيز الانتقال السياسي طالما أن الأسد لا يزال موجوداً في سدة الحكم. إن المبادرة الأمريكية- الروسية الحالية ربما تستحق المحاولة، حيث تهدف إلى جمع ممثلي النظام السوري مع المعارضة، لكن في حالة عدم حدوث أي تغيير — وانفصال روسيا عن الأسد قد يكون تغييراً لقواعد اللعبة السياسية — فسيكون من الصعب رؤية أي تقدم في المفاوضات.
 
وإذا قبلت الولايات المتحدة بصحة كل هذا، فإنه لن يُترك لها خياراً سوى اتباع إستراتيجية الاحتواء لمنع الحرب من الانتشار وزعزعة استقرار الدول المجاورة لسوريا. ولكن قبل أن تختار واشنطن استراتيجية الاحتواء، ينبغي أن تفكر ملياً بشأن ما إذا كان من الممكن تقديم الحماية للشعب السوري بإنشاء منطقة حظر جوي محددة أو ما إذا كان توفيرالولايات المتحدة للمساعدات القتالية قد يقلب توازن القوة داخل المعارضة وبينها وبين النظام. غير أن استعداد واشنطن للعمل على أي خيار قد يكون له تأثير على الروس لإنهاء دعمهم لنظام الأسد.
 
وفيما يتعلق بتقديم مساعدات قتالية، قد يكون هذا رد الولايات المتحدة على انتهاك سوريا لخط واشنطن الأحمر. وكبديل عن ذلك، يمكن أن تقرر الولايات المتحدة استخدام هذا الانتهاك لمحاولة التأثير على المشهد في سوريا. وإذا كانت واشنطن جادة تجاه هذا الهدف الأكبر، سيتحتم عليها إقناع الآخرين بأنها عازمة الآن على الخروج من المأزق في سوريا حتى وإن تفكر في "اليوم التالي" بعد رحيل الأسد. إن ذلك سيتطلب منها بذل جهود كبيرة لدعم أولئك في المعارضة الذين تعهدوا بقيام سوريا غير طائفية وشاملة لجميع الأطياف، وسيعني هذا تقديم أسلحة وأموال وتدريبات وتنسيق مكثف بين حلفاء واشنطن، لاسيما السعوديين والقطريين، لضمان وصول الأسلحة عن طريق قناة واحدة فقط.
 
ولكي يحدث ذلك، يتعين على الرئيس أوباما الحصول على موافقة القادة الآخرين ثم اختيار مسؤول رفيع المستوى يعمل فقط للإشراف على هذه الجهود. ولأول مرة، ينبغي على واشنطن ضمان وجود واجهة واحدة للمعارضة وآلية واحدة لمن يساعدوهم — وسيستغرق ذلك جهوداً حثيثة وصارمة لتنسيق جميع التحركات، بالإضافة إلى مركز لتبادل المعلومات من أجل مراقبة حركة الأموال والسلاح، وربما يتواجد عملاء المخابرات الأمريكية على الأرض لضمان حصول من تدعمهم واشنطن — وليس الآخرين — على الدعم المادي في الواقع واستخدامه كما هو متفق عليه.
 
إذا قضت واشنطن بصعوبة القيام بذلك، فسيكون من الأفضل للولايات المتحدة التركيز على استراتيجية الاحتواء وبناء حواجز داخل سوريا وحولها بالتنسيق مع حلفائها. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لكن يكون بسيطاً أو غير مكلف، إلا أنه سيكون في النهاية أقل تكلفة من فقدان السيطرة على الأسلحة الكيماوية أو السماح بزعزعة استقرار الدول المحيطة مثل الأردن.
 
 
 
السفير دينيس روس هو مستشار في معهد واشنطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.