الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » لقاء (تشبيحي) في أنقرة

لقاء (تشبيحي) في أنقرة

 

يمكن لما يجري على أرض الواقع أن يكون، في بعض الأحيان، أكثر غرابة وإضحاكاً مما يجري في الخيال الكاريكاتوري الهزلي.. 
حدث، على سبيل المثال، أنني، أنا، محسوبَ الطيبين وخادمهم، دعيتُ للمشاركة في ما يسمى أيام القصة القصيرة العالمية الذي يعقد سنوياً في العاصمة التركية أنقرة، في الدورة التي تحملُ الرقم (13)، وتمتد ما بين اليوم الأول واليوم الخامس من أيار 2013.. 
وقد سررتُ بالدعوة، حقيقة، لأن مثل هذه الدعوات التي تأتي للكتاب السوريين من مختلف أنحاء العالم، كانت، في سوريا قبل الثورة، تُمْنَحُ لكتاب ربما كانوا أفضل مني، أو لكتاب أنا أفضل منهم، ولكنها لم توجه إلي أو لأمثالي قط!!.. سببُ ذلك أنها كانت تمر عبر القنوات الرسمية، ومن ثم تُوَزَّعُ على الكتاب إما بحسب أهمية انتمائهم المذهبي! أو بحسب قرابتهم من الوزير، أو من المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب، أو من علي عقلة عرسان، أو بحسب أهمية (الفرع) الذي يكتب الواحدُ منهم تقاريره له (هذا بالنسبة للكتاب المُطَعَّمينَ على مُخْبِرين)!
وبينما أنا، خدام الطيبين، أرتب أموري من أجل السفر، إذ اتصل بي (عبر السكايب) صديقٌ عزيز جداً علي، وسألني، بارتياب خفي، عن الندوة، أو المهرجان، أو اللقاء، أو الأيام التي سأشارك فيها.. سألته، بدوري، وقد تسللت الرهبة إلى نفسي:
خير؟
قال: علمتُ، من صديق مشترك، يحبُّك ويحترمُك، أن هذا اللقاء هو عبارة عن لقاء (تشبيحي) لنظام الأسد!
على الفور، وبينما صديقي ما يزال معي على السكايب، شردتْ مخيلتي إلى المهرجانات الخطابية (التشبيحية) التي كانت تنعقد في سوريا أيام الديكتاتور حافظ الأسد، ثم في أيام وريثه، حيث كان الخطباء المفوهون، البعثيون أو الجبهويون، أو المستقلون المنافقون، يتتالون على منصة الخطابة، الواحد منهم ذقنه محلوقة بعناية، وشارباه مدوزنان (على الميلي)، و(كرافتُه) واصلة إلى خصيتيه، يستل ورقة أكبر من ملحفة اللحاف، ويباشر الخطابة والصياح بطريقة (العَصّ والكَبْس) المقتبسة من الدجاجة حينما تكون في اللحظة المصيرية المتعلقة بالتخلص من بيضة كبيرة، متحدثاً عن الصعوبات والتحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها قطرُنا، وعلى الحظ الذي يفلق الصخر الذي يمتلكُه شعبُنا المعطاء إذ قيض له حضرةُ الله تعالى (جل اسمه) قائداً تاريخياً فذاً، لا يكفي لمواجهة هذه الأخطاء الكبرى وحدها، وحسب، بل إنه (يزيدُ) و(يفيضُ) بما يكفي لقيادة دول وبلدان أخرى، والخروج بها من الأزمات والمحن والظروف الحالكة سالمة غانمة!!
أذكر، على سبيل الاستطراد، أن بعضاً من أعضاء اتحاد الكتاب العرب، في المؤتمر السنوي للاتحاد الذي عقد سنة 2005، تجرؤوا فقدموا مداخلات تحدثوا فيها عن ضرورة إجراء إصلاحات ديمقراطية في سوريا، فما كان من الرفيق عضو القيادة القطرية الذي يرعى المؤتمر، ويجلس، في العادة، مكان علي عقلة عرسان رقم 2، المختص بالأدب الحيواني، إلا أن تسلم دفة الحديث، وأعاد تذكيرنا نحن الكتاب، بضخامة الظروف التي تواجهها سوريا، ولا سيما بعد (تقليع) قواتها الباسلة من المزرعة اللبنانية، ومن ثم فإن الديكتاتورية والفساد الموجودين في البلاد الآن لا يكفيان لمواجهتها، بل إننا بحاجة إلى المزيد منهما!!.. 
ههنا حصل الأمر الأكثر غرابة، وهو أن أحد أعضاء الاتحاد، ويدعى (د. علي الشعيبي)، وقف، وألقى خطابة نارية مؤيدة للرفيق القطري، مشاكسة لجماعة الإصلاح، فضجت القاعة بالتصفيق، ثم قام آخر، فألقى أبياتاً شعرية.. وقتها شعرتُ وكأننا أصبحنا (أجلكم الله) في مجلس الشعب!.. 
***
ما حصل هو أنني لبيتُ الدعوة، وشاركتُ في أيام القصة القصيرة العالمية المذكورة.. رغم تحذير صديقي لي من المشاركة.. وهناك تبين لي أن (التشبيح)، و(المسخرة الإعلامية)، والخطابات الخنفشارية، و(أكل الهوا).. عبارة عن شؤون خاصة بالأنظمة الديكتاتورية الموشكة على السقوط.. ويمكن القول، من دون وجل، أن ما حصل هناك هو عكس ما كان يجري على زمان الأسدين، الأب والابن، وعلي عقلة عرسان 1، وعلي عقلة عرسان 2!!
 
خطيب بدلة

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.