الرئيسية » تقارير » بدأت بقتل شاطري مرورا بتدمير الصواريخ… صفقة بين النظام واسرائيل بـ4 مراحل

بدأت بقتل شاطري مرورا بتدمير الصواريخ… صفقة بين النظام واسرائيل بـ4 مراحل

 

بينما كان الشعب السوري المغدور غارقا في دمائه وأشلائه وإحصاء كوارثه ومشرديه، وكان بعض المعارضة غارقا في وعود الحلفاء وعهود الأصدقاء وبعضها غارقا في تفاصيل مناصب وهمية وكراسي افتراضية، وكان الجيش الحر غارقا في سبل تدارك نقص الذخيرة وتراجع داعميه عن التزامات الدعم.. بينما هؤلاء غارقون كل فيما يعنيه، كانت قوتا الاحتلال في كل من دمشق وتل أبيب غارقتان في رسم وتنفيذ واحدة من أخبث صفقات العصر في المنطقة، حتى لتكاد تكون أخبث من صفقتي سايكس بيكو وبلفور، كما سيتضح معنا لاحقاً بحسب معطيات عدة.
 
وكي لانطلق كلاماً في الهواء، سندلف من المعطيات والوقائع إلى النتائج، ليتبين لنا أن الغارات الإسرائيلية كان الدفعة الأهم في هذه الصفقة، التي قُدّمت ثمرتها المرّة للسوريين على طبق اتفاق روسي- أمريكي، تخيّله السطحيون ناجماً عن تقارب مباغت في مواقف موسكو وواشنطن، بينما كان يعد له منذ شهور.
 
وقبل أن نسرد تسلسل الصفقة وكيفية تنفيذها جزءاً جزءاً، فإن من الضروري أن نستفهم عن أمرين يتعلقان بالاتفاق الروسي الأمريكي، أولها لماذا حدث التقارب في الملف السوري في مثل هذا الوقت رغم غياب أي حدث مؤثر في المشهد السوري الداخلي؟، وما الذي جعل واشنطن وموسكو -اليوم فقط- متحمستين لتنفيذ ورقة بقيت ملقاة في الأدراج قرابة سنة؟، ونقصد بها اتفاق جنيف، ولن يكون مفاجئاً أن جواب هذين السؤالين الكبيرين مرتبطان بكلمة صغيرة واحدة هي: الغارة، كما سنرى تالياً.
 
لقد مرت صفقة نظامي الاحتلال الأسدي والإسرائيلي بالمراحل التالية، التي سنعرضها مختصرة، ثم نقوم بتحليلها واحدة إثر أخرى، وهي:
 
1- الغارات الإسرائيلية التي وقعت في يناير/كانون الثاني من هذا العام، حيث قصفت مقاتلات إسرائيلية قافلة أسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله، وقتلت من ضمن من قتلت قيادياً رفيعاً في الحرس الثوري الإيراني في لبنان، هو حسن شاطري.
2- سحبُ بشار الأسد لمعظم وحداته وجنوده المتمركزين على جبهة الجولان، أوائل نيسان الفائت.
3- الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مستودعات الصواريخ الباليستية في دمشق ومحيطها، والتي دمرت المخزونات الأخطر من هذه الصواريخ.
4- زيارة وزير خارجية أمريكا جون كيري ومباحثاته الماراثونية في موسكو، والتي توجت بمؤتمر صحفي أعلنت فيه الدولتان اتفاقهما بشأن "حل سياسي" للأزمة السورية، يقوم على تفعيل ورقة جنيف، ومؤتمر دولي عاجل يحضره ممثلون عن النظام والمعارضة.
 
المقدمة
أما بخصوص الغارات الإسرائيلية الأولى، فإن البيانات المتوفرة حولها توحي بأنها مقدمة مهمة كان نجاح بقية الصفقة الكبرى مرهوناً بها، حيث ضحّى قاتلان كبيران هما بشار وقاسم سليماني (بأمر من علي خامنئي) بقاتل صغير هو الجنرال حسن شاطري، وساقاه إلى قدره مصحوباً بشحنة صواريخ إلى حزب الله، تولت مخابرات بشار إبلاغ حكومة نتنياهو بتوقيتها وخط سيرها.
 
وإليكم الدلائل: رغم أهميته القصوى لإيران وحزب الله، فإن اعتراف تل أبيب باغتيال شاطري (أو حسام خوش نويس كما يحب أن يتستر عليه حزب الله) لم يثر أي رد فعل عملي لا من حزب الله ولا من طهران، وسواء كان القتيل هو المسؤول الإيراني عن ملف إعمار لبنان وتزويد المقاومة بالدعم المالي حسب رواية حزب الله، أو كان جنرالاً رفيعاً مسؤولاً عن شحن السلاح الإيراني إلى حزب الله، حسب روايتي إسرائيل وواشنطن، فإن مقتله كان ضربة قوية يفترض أن تكون متبوعة بفعل عملي لا بمجرد تصريحات رثاء وتعزية، حيث كان لافتاً أن حزب الله الذي نعى الفقيد بمنتهى الأسى، لم يطلق حتى رصاصة ثأر واحدة تجاه قاتله المعلوم، وهو هذه المرة ليس مجهولاً أو يجري تجاهله كما حدث مع القيادي عماد مغنية من قبل.
عماد مغنية هو دليل آخر على أن اغتيال شاطري كان بنداً من بنود الصفقة، حيث لم يستطع مسؤولو حزب الله أن يخفوا شكوكهم العميقة حول تورط مخابرات بشار في اغتيال مغنية وسط دمشق في 2008، وقد كشف تقرير محلل استخباراتي مرموق نشر أخيراً في "فورن بوليسي" أن مسؤولي حزب الله رفضوا بعد الاغتيال بشدة كل طلبات السوريين بمعاينة حثمان مغنية، ومنعوا ضباط أمن بشار من دخول الغرفة التي كانت توضع فيها الجثة.
 
وقد أرسلت إيران وزير خارجيتها إلى سوريا في غضون ساعات لتهدئة التوتر، لكن من دون جدوى، حيث لم يشهد تشييع مغنية حضور أي مسؤول سوري رفيع المستوى، بل إن "حزب الله" شعر بغضب عارم عندما عين بشار صهره آصف شوكت مسؤولاً عن التحقيق في مقتل مغنية، في حين كان "حزب الله" ينتقد التراخي الأمني الذي أظهره شوكت، والذي كان حينها مسؤولاً بشكل شخصي عن سلامة مغنية.
 
وتجلى موقف الحزب الشيعي من شوكت أكثر، عندما قتل الأخير في تفجير بدمشق خلال تموز 2012، ولم يكلف أي مسؤول في "حزب الله" نفسه عناء حضور جنازة شوكت.
 
ونقل تقرير "فورن بوليسي عن مسؤول إسرائيلي مرموق أمضى 3 عقود داخل مراكز القرار، أن تل أبيب نفذت مع سوريا صفقتين، الأولى تخلي دمشق عن طموحها النووي عبر السماح بقصف موقع الكبر في 2007، والثانية تخليها عن مغنية والسماح باغتياله.
 
وخلاصة القول أن من باع مغنية باعتراف أصدقاء مغنية، ليس بعيداً عنه أن يبيع شاطري.
 
كلب الحراسة
بعد أن تم تنفيذ المرحلة الأولى بنجاح، جاء دور المرحلة الثانية، التي تمثلت بسحب آلاف مؤلفة من قوات بشار التي كانت متمركزة على جبهة الجولان، وقد يرى البعض أن هذه خطوة رمزية لا تستحق حتى مجرد الإشارة إليها، على افتراض أن هذه القوات لم يكن لديها أي عمل في مجابهة إسرائيل، وبالتالي فإن سحبها تحصيل حاصل لا يحتاج كل هذا الضجيج، لكن العكس هو الصحيح.
 
وحتى نفهم أهمية سحب قوات بشار، علينا أن نتمعن في حقيقة مواصفات ودور "كلب الحراسة"، وأنا هنا لا أورد المصطلح لشتم النظام، بل أورده لتوصيف الحالة بدقة، فمن أهم مواصفات "كلب الحراسة" وداعته مع صاحبه ومن يحرسهم، مقابل شراسته ضد "الغرباء"، وكلما كان هذان السلوكان النقيضان بارزين في "الكلب" وكان تقييمه أعلى وأفضل، وعليه فإن سحب بشار لعشرة جنود من جبهة الجولان يجب أن يحظى بموافقة إسرائيل، تماماً كخطوة الزج بعشرة جنود في هذه الجبهة، فالانسحاب ليس أقل شأناً من التحشد، إن لم يكن الانسحاب أخطر.
 
فانسحاب جنود بشار يلقي على عاتق إسرائيل أعباء تأمين الحدود من المتسللين "الإرهابيين"، وهي مهمة تولى بشار وأبوه من قبله إنجازها وتسديد فاتورتها من جيوب السوريين، فلماذا تتحمل إسرائيل تكلفتها؟
ولكن إذا كان انسحاب قوات بشار يشكل خطراً ما على إسرائيل، فلماذا وافقت تل أبيب على انسحابها.. الجواب أن بشار كان وما زال يريد إعطاء ذريعة لتل أبيب في اجتياح الأرض السورية، فإذا انسحب فإنه سيترك المسرح خالياً للثوار، الذين ربما يتحمس بعضهم فيهاجم إسرائيل، فتقوم هذه باجتياح سوريا وملاحقة الثوار وضربهم أمنها كانوا، بحجة حماية أمنها، الذي لايجادل فيه شرق ولا غرب.
 
كما إن الانسحاب كان خياراً ملائماً لإسرائيل حتى تتدخل في اللحظة المناسبة، إذ ربما يصل الثوار إلى وسط دمشق ويحاصرون بشار، وعندها تدخل قوات إسرائيلية في المشهد بدعوى تأمين الأسلحة الاستراتيجية، في حين أن الهدف الحقيقي هو ضرب الثوار في ظهورهم.
 
احتمالان
أنجز بشار إذن المرحلة الثانية من الصفقة دونما ضجيج، ومع أنه لم يحصد كامل ثمارها فإن ذلك لا يمنعه من انتظار حصد تلك الثمار عاجلاً أو آجلاً، كما يخطط له قدامى وكبار السماسرة المحيطين به.
أما المرحلة الثالثة فهي التي استفاق السوريون على دويها قبل أيام، حيث وقعت انفجارات هائلة لم يرَ لها السوريون مثيلاً لها، ليخرج إعلام النظام قائلاً إنها مجرد غارات إسرائيلية على مركز "جمرايا" للأبحاث"، دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى، ثم لتسرب إسرائيل اعترافها بالغارات زاعمة أنها استهدفت ترسانة صواريخ إيرانية "كان يحتمل" وصولها إلى حزب الله!
 
وحتى نلقي مزيداً من الضوء على هذه المرحلة الحرجة من الخطة، والتي دمر فيها بشار قدرات سوريا الصاروخية بأيد إسرائيلية، لا بد أن نسرد جملة من البيانات والوقائع، أولها أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامن نتنياهو غادر إلى الصين في نفس اليوم الذي أغارت فيه طائراته على سوريا، وكأن شيئاً لم يكن.
إن هذا السلوك الاستثنائي والفاضح لـ"نتنياهو"، لم يكن كما يظن البعض مجرد استخفاف من نتنياهو بنظام سوريا وعدم قدرته على الرد، لكن جاء ضمن إطار الصفقة، فمن المعلوم أن أي رئيس حكومة لإسرائيل يقطع كل زياراته ويجمد كل أعماله إذا سقط صاروخ بدائي ضمن ساحة خالية في أي مستوطنة إسرائيلية، فكيف يدير نتنياهو ظهره وينطلق إلى الصين، لو كان هناك نسبة واحد في المليون من احتمال افتراضي بتعرض بلاده لطلقة من الجانب السوري؟!
 
ثاني البيانات والدلائل يفضحها إعلام النظام، الذي لم يذكر أي تفاصيل عن "شهداء العدوان الإسرائيلي"، رغم أن الغارات شكلت في الظاهر فرصة لاتعوض لتشييع وتلميع ضباط وجنود قضوا في مقارعة "العدو الصهيوني"، فهل يعقل أن لا يكون هناك حرس بالمئات من جنود النخبة لمستودعات الصواريخ التي ضربت، وهل يعقل أن لا يكون هناك تواجد على مدار الساعة لضباط رفيعي الرتب وشديدي الولاء في مثل هذه المواقع بالغة الحساسية؟، فعلاً إنه أمر مثير للريبة بشكل كبير، ولا يمكن أن يخرج عن احتمالين اثنين كلاهما مدبر ومدروس.
 
الاحتمال الأول وهو الأقرب للواقع، أن بشار بعد أن جمع الصواريخ المطلوب تدميرها إسرائيلياً في الأمكنة المحددة، وأعطى إحداثياتها لصديقه نتنياهو واتفق معه على ساعة الصفر، قام بسحب كل جنوده وضباطه الموالين العصبويين الطائفيين، وترك عشرات الحنود المساكين ليلاقوا مصيرهم الأسود احتراقاً بنيران وشظايا انفجارات أشبه بالبراكين.
 
والاحتمال الثاني، مستبعد نوعاً ما ولكنه قائم، ويتمثل في أن بشار أبقى بعض ضباطه شديدي الطموح ونادري التخصص ضمن هذه المواقع، ليُقضى عليهم وعلى طموحهم وتخصصاتهم وسط القصف، في خدمة إضافية لإسرائيل، على اعتبار أن تدمير الكفاءات ليس أقل شأناً في نظر تل أبيب من تدمير السلاح..
 
القذافي حاضراً
أما الدليل الثالث على أن الغارات الأخيرة كانت مدبرة بين سلطتي الاحتلال في دمشق وتل أبيب، فيتألف من معطيين، أولهما ادعاء إسرائيل الزائف بأنها قصفت صواريخ إيرانية "كان يحتمل" إيصالها لحزب الله، فهل كانت إسرائيل تعلم لأول مرة بأن لدى النظام السوري صواريخ إيرانية قد يسربها إلى حزب الله؟!، وهو أمر يكاد يدركه الطفل الصغير في المنطقة، إذ ليس سراً أن لدى نظام دمشق ترسانة من السلاح الإيراني الذي يخزن بعضه، ويمرر بعضه الآخر لحزب الله، حسب الأوامر والتعليمات، فأين الجديد في زعم إسرائيل؟
المعطى الثاني الذي يدل على أن تدمير الصواريخ كان صفقة، سابقة لنظام عربي ديكتاتوري يشابه نظام بشار في استبداده وإجرامه وتشبثه بالكرسي مقابل أي ثمن، لكنه يختلف عنه في مستوى الخبث، فقبل سنوات قدّم القذافي ما سمي ببرنامج ليبيا لأسلحة الدمار الشامل، على طبق من ذهب إلى الغرب، وفكك هذا البرنامج على مرأى ومسمع منهم، بل وفك طلاسمه أيضا ففضح بعض الشبكات العالمية التي كانت تمده بتكنولوجيا تلك الأسلحة.
 
لكن القذافي كان من المباشرة والغباء في هذه الخطوة إلى درجة نال فيها سخط شعبه، ولم يحظَ فيها برضى الغرب، الذي سارع للمساعدة على إسقاطه وإعدامه في أول فرصة سانحة.
 
أما بشار فاختار بدهاء وخبث بالغين، أن يضرب أكثر من عصفور بحجر الغارات، فمن جهة أوفى بالبند الثالث والأهم من الصفقة، فوضع الأسلحة مكشوفة للطيران الإسرائيلي حتى يدمرها، ومن جهة ثانية جدد صورة المقاوم الممانع الذي تريد إسرائيل إضعافه وهزيمته بمساعدة "الإرهابيين"، ومن جهة ثالثة أربك بعض الثوار والمعارضين الذين سارعوا للتعليق على الغارات بحماسة زائدة، ومن جهة رابعة غطى على مجازره الطائفية الفاقعة في بانياس وغيرها، ولفت أنظار العالم بل وحتى السوريين عنها، ولذا لم يكن غريباً على صحيفة كبرى مثل "فايننشال تايمز" أن تقول وبلا مواربة إن "غارات إسرائيل أسعدت قلب بشار".
كل هذه التجليات التي أحاطت بالمرحلة الثالثة، كانت مهمة للوصول بنا إلى المرحلة الرابعة من الصفقة، والمتمثلة بما دعي التقارب الروسي الأمريكي، واتفاق الدولتين على إيجاد حل سياسي عبر الضغط على النظام والمعارضة، للجلوس على مائدة واحدة للحوار.
 
وعند زيارة جون كيري إلى موسكو ومباحثاته مع فلاديمير بوتين، ومؤتمره الصحفي مع وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، يطول الوقوف وتكثر الملحوظات.
 
أول هذه الملحوظات تتعلق بتوقيت الزيارة، وهل حقاً أن واشنطن وموسكو كانتا متجهتين إلى التقارب، أم إن تل أبيب أخبرتهما بأن "المهمة أنجزت" فبات على كيري أن يسارع إلى موسكو، رغم أن كل المؤشرات كانت تدل على مزيد من التباعد في المواقف، فموسكو لم تتخلَّ عن موقفها المتعصب للنظام قيد أنملة، بينما كان هناك تزحزح في موقف واشنطن باتجاه تسليح المعارضة وملفات أخرى كالتحقيق في تورط بشار باستخدام الكيماوي، وهو ما يستدعي تلقائياً توتراً بين واشنطن وموسكو، لا تقارباً كالذي حدث.
الملحوظة الثانية: لم تستطع موسكو ولا واشنطن أن تقنعا أحداً بحماسهما المفاجئ نحو ضرورة تطبيق اتفاق جنيف، وهو الاتفاق الذي بقي موضوعاً في الثلاجة قرابة سنة، بل هو الاتفاق الذي خضع لتأويلات متناقضة من واشنطن وموسكو، لاسيما فيما يخص بقاء بشار في السلطة من عدمه، فما الذي دفع واشنطن لتتفهم روسيا في جلسة مباحثات واحدة، وهما اللتان لم تتفاهما طيلة جلسات مارثوانية سابقة؟!
الملحوظة الثالثة: المظهر الباهت والبائس الذي بدا عليه وزير خارجية أمريكا، مقابل المظهر المنتفش والمنتشي لنظيره الروسي، الذي تولى إدراة المؤتمر الصحفي وسرد مقررات الاتفاق بين البلدين، حيث لم يكن كيري سوى خيال وزير خارجية، ووعاء خاوياً تدخل في جوفه تصريحات لافروف، فيخرج صداها من فم كيري!
 
واللافت أكثر أن أول ما صرح به لافروف أن موسكو وواشنطن حزمتا أمرهما باتجاه الضغط على النظام والمعارضة، وهكذا يكون لافروف قد حدد مسبقاً أن موسكو تمثل النظام وواشنطن ستمثل المعارضة، وعلى هذا الأساس بدأ وزير خارجية روسيا بالدفاع عن النظام السوري بل والإجابة بدلاً عنه، فجزم أن نظام بشار مستعد لتطبيق اتفاق جنيف، وقد سمى ممثليه، وهاجم المعارضة بشكل فج وخطير متهماً إياها -أمام كيري وعلى الملأ- بأنها متطرفة ومحذراً من تسلمها السلطة، فيما لم يكد كيري ينبس ببنت شفة في الدفاع عن الطرف الذي نصبه لافروف ممثلاً عنه، أي عن المعارضة.
 
ولنا أن نسأل هنا إذا كانت روسيا تعارض بل تقاتل بشراسة لأجل عدم تسلم المعارضة السورية السلطة، خوفاً من "تطرفها" وإلغائها "للتنوع والتعايش السوري"، فعن أي انتقال للسلطة يتم الحديث، وما الذي سيتمخض عنه المؤتمر الدولي من نتائج، إذا كانت هذه مقدمات من يرعونه من روس وأمريكان؟؟؟
وبالعودة إلى الصفقة، فقد كان من الواضح أن الاتفاق الأمريكي الروسي كان السلسلة الأخيرة فيها، وإكمالاً لظروف "التسليم والاستلام" اشترط نظاما الاحتلال في كل من دمشق وتل أبيب أن يذهب كيري إلى موسكو، وأن يتم الإعلان عن الاتفاق في موسكو، لإعطاء جرعة إنعاش كبيرة للنظام ومواليه، وجرعة تثبيط وإحباط لكل مناهضيه، بأن واشنطن "لحست" كل وعودها (وقد فعلت)، وأن محور موسكو طهران دمشق قد فاز، والحقيقة أن الفائز الأول والأخير هو محور تل أبيب.
 
وعلى مبدأ العصابات المافيوية القائم على مقولة "سلم واستلم"، "سلم" بشار ما تبقى من مقدرات تسليحية قد تهدد إسرائيل أو تقلقها في يوم من الأيام، وكان على نظيره في تل أبيب أن يجعل بشار "يستلم" التعويض ودونما إبطاء، فعقد لقاء موسكو، وانفرجت وبشكل فجائي أزمة كانت من أعقد أزمات العالم، وانفرجت معها أسارير بشار ونتنياهو وبوتين وأوباما… ولكن إلى حين.
 
ومن الطبيعي أن لا نتطرق للمؤتمر الدولي المخطط حول سوريا، ولا أن نصنفه ضمن بنود الخطة، حيث إن هذا المؤتمر تحصيل حاصل لما سبق أن أمضى عليه نظاما دمشق وتل أبيب، ووقعت عليه واشنطن وموسكو شاهدتين مباركتين، ولم يبق إلا أن يوقع عليه كما هو، ودون مناقشة، من يرضى من المعارضة أو الجيش الحر، أو الدول المحيطة والمعنية بالشأن السوري.
 
وأخيراً
فإن هذا المقال التحليلي هو لعرض الوقائع وتوضيح الصور التي التبست على الكثيرين، وهو ليس موجهاً بأي شكل لذوي العزائم الخائرة والهمم الفاترة، الذين لا تزيدهم مثل هذه التحليلات إلا خوراً وضعفاً، بل هو موجه للثوار الثابتين، والأهالي المصابرين، والمعارضين المخلصين المحنكين، حتى يعلموا ويعملوا معاً على اتباع شعار يقول إن "سوريا التي اختطفتها مافيا الأسد بالدهاء والقوة، لا تسترد إلا بالدهاء والقوة"، وكل ما عدا هذا قد يكون أضغاث أوهام.
 
 
إيثار عبدالحق – زمان الوصل

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.