وصف الكاتبان دانيال بايمان وناتان ساكس في تقرير لهما بمجلة فورين بوليسي الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا بأنّها تطور دراماتيكي في الصراع الذي يتزايد انفلاته عن السيطرة شيئاً فشيئاً.
ويرى التقرير ان استهداف الطائرات الإسرائيلية لصواريخ أرض -أرض الايرانية المتجهة إلى حزب الله ، فضلا عن قاعدة الصواريخ السورية في ضواحي دمشق. يُظهر مرة أخرى، قدرة أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية على الاختراق و الوصول لمسار شحنة الأسلحة الايرانية الى لبنان كذلك يعكس المهارة العسكرية في ضرب الخصوم مع الإفلات من العقاب كما يبدو.
ويقول إنّه بالرغم من ذلك فإنّ إسرائيل خاطرت بإمكانية تعرضها لضربات انتقامية، فضلا عن تسببها في مزيد من زعزعة الاستقرار في جوارها الخاص بطرق قد تعود لكي تطاردها هي نفسها و تضر بمصالحها وأمنها .
كما أنّ المساحات التي يفقدها النظام السوري لصالح معارضيه تقلق إسرائيل بشكل خاص من امكانية وقوع الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة التقليدية المتقدمة في الأيدي الخطأ، سواء كانت الجماعات المتطرفة السنية المعارضة مثل جبهه النصرة، أو كان حزب الله حليف الأسد وإيران. ففي الهجوم الإسرائيلي الاول، سعت مقاتلاتها لضرب حمولة كبيرة من صواريخ ذات دقة اكثر، ومدى أطول مما تملكه الجماعة الشيعية اللبنانية في ترسانتها الحالية. وخلافا لادعاءات نظام الأسد فان الضربات الإسرائيلية لا تدعم المعارضة، وان إسرائيل لم ترم بثقلها ضد الأسد. لكن في الواقع، فإن الغارات الإسرائيلية تمثل فضحا لسياسة طويلة الأمد من إنكار نقل الأسلحة والذي يمكن أن يغير ميزان القوى بين إسرائيل وحزب الله، فنظم أسلحة مثل صواريخ أرض جو الروسية المتطورة، وصواريخ فاتح 110 أرض أرض إيرانية الصنع من شأنها أن تزيد بشكل كبير خطر حزب الله على المدن الإسرائيلية الشمالية؛ كذلك فإنّ وصول صواريخ ارض- بحر لحزب الله يمثل خطرا على البحرية الإسرائيلية، وقد سبق لحزب الله استخدامها بنجاح ضد السفن إلإسرائيلية في حرب تموز (يوليو) 2006.
ويقول التقرير إنّ ملخص تأثير الغارات الإسرائيلية على سوريا، يكمن في تعطيل تحالف ايران وسوريا وحزب الله. فعلى مدى سنوات وفرت إيران لحزب الله مئات الملايين من الدولارات ومجموعة واسعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ بعيدة المدى. ومنذ ولادة حزب الله في أوائل الثمانينيات، كانت سوريا وسيطا، سمح للقوات الإيرانية بالانتشار داخل لبنان وخدمت كنقطة عبور للأسلحة الإيرانية الى حزب الله.
ويحذر التقرير من أن الضربات الإسرائيلية لسوريا تراهن فيها تل أبيب 3 رهانات كالتالي:
الرهان الأول: هو أن سوريا لن تستجيب، فمنذ فترة طويلة تعد إسرائيل كبش الفداء للأنظمة العربية وعاملا لتحقيق المصداقية المحلية، فليس من الصعب في هذا الجزء من العالم ان يوسم المعارضون بأنهم عملاء للصهيونية، والاسد مثل والده حافظ الأسد من قبله، يدعم حزب الله وحماس وغيرها من الجماعات باسم "المقاومة"، متمنيا كسب نقاط في الداخل وجميع أنحاء العالم العربي ، لتشتيت الانتباه عن استبداده وفشله الاقتصادي. فعلياً وفي وقت مبكر من الانتفاضة السورية، حاول نظام الأسد خلق أزمة لاجئين بالضغط على الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا للعودة إلى إسرائيل لصرف الأنظار عما يحدث في الداخل عنده، لكنه فشل في تحقيق هذا، ولكن الآن يمكن ان تكون الضربة الإسرائيلية فرصة لإعادة المحاولة. وفي حين يعتقد قادة إسرائيل، ان هذه قواعد اللعبة التي يمارسونها منذ زمن، فقد سبق ان ضربت إسرائيل المفاعل النووي السوري عام 2008، ولم ينتقم الأسد .
واليوم يراهن الإستراتيجيون الإسرائيليون بأن الأسد المحاصر في الداخل لن يصعد الموقف ، فقواته العسكرية ضعيفة ومنهكة بالفعل، ويواجه معارضة داخلية شرسة مع عدم وجود القوة الجوية الفعالة. ومزيد من الخسائر لصالح إسرائيل سيحرم الأسد من قوات النخبة التي هو في حاجة ماسة لها، كذلك فانه يخاطر بمزيد من الخسائر، والتي ستكون مهينة سياسيا ويحتمل أن تكون ضارة للغاية بنظامه .
أما مجلس المعارضة السورية، وهو تجمع سياسي قيادي للمعارضة، فيحاول اللعب بورقة إسرائيل ايضا فهو "يحمل نظام الأسد المسؤولية كاملة عن إضعاف الجيش السوري واستنفاذ قوته في معركة خاسرة ضد الشعب السوري".. وفي الوقت نفسه، هناك القوميين المتبقين داخل الجيش السوري المستائين من هذا الحرج، ويخاطر الأسد بمزيد من الانشقاقات والهروب من الجيش. وكما يقول خبير الشرق الاوسط كينيث بولاك، فالأسد لا يزال يعتقد انه يمكن كسب هذا القتال ولكن إذا أصبح يائسا، فسيفعل كل ما بوسعه وذلك باستخدام كل ما في ترسانته لمنع هزيمته ولذلك قد يكون ضرب إسرائيل خطوة يائسة .
الرهان الثاني: تقامر إسرائيل بأن حزب الله لن ينتقم. فمنذ الحرب الدامية عام 2006، اصبحت الحدود الإسرائيلية مع لبنان هادئة إلى حد كبير ، بل أهدأ مما كانت عليه منذ أجيال. وتوقف سلاح حزب الله، خوفا من أن استفزاز إسرائيل والذي من شأنه أن يؤدي إلى اشتباك دموي آخر يلام بشأنه . لكن الآن، اصبح حزب الله داخل الصندوق ، وقواته تقاتل جنبا إلى جنب مع الأسد، ولقد فقدوا شعبيتهم في لبنان وجميع أنحاء العالم العربي بعد ان كان يشاد بهم كأبطال لوقوفهم في وجه إسرائيل. وفي الوقت نفسه، داخل لبنان، فان الحرب السورية تؤجج التوتر الطائفي، مما يجعل السنة المتشددين يدينون حزب الله والشيعة بشكل عام، لذا فقد يسعى حزب الله، لاستعاده شعبيته و مصداقيته وإغراء استعادة سمعته قد يكون بمثابة الهاءيحول اهتمام إسرائيل عن دمشق .
الرهان الثالث: تقامر إسرائيل ايضا وتشاركها في هذا كل من قطر، المملكة العربية السعودية، وتركيا، وربما الولايات المتحدة ، بان زيادة التدخل من قبل الدول المجاورة سيؤدي إلى انهيار سوريا. وفي عيون الإسرائيليين، فإن الشيء الوحيد الأسوأ من نظام الأسد في سوريا، هو انتشار الفوضى ، وحصول حزب الله أو الجماعات الجهادية المتحالفة مع تنظيم القاعدة على ترسانات الاسلحة السورية والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية. في هذا السيناريو، فإن سوريا ستصبح عندئذ حاضنة للجهاد على حدود إسرائيل . على الأقل، فان حزب الله، يمكن ردعه، ولكن جماعات تنظيم القاعدة المتجولين ليس لديهم عنوان ثابت ولديهم اهتمام اقل بحماية السوريين العاديين من الانتقام الإسرائيلي، مما يجعلهم ردعهم عملية صعبة. والجهاديون قد يستخدمون صواريخ سوريا البالستية وترسانات الأسلحة الكيميائية ضد إسرائيل، مما قد يتسبب في غزو إسرائيلي ردا على ذلك، أو على الأقل تكرار الهجمات على حدود إسرائيل السورية، لتتحول المنطقة لساحة حرب مرة اخرى.