الرئيسية » تقارير » التحقيق في الاستخدام المزعوم لأسلحة كيميائية في سوريا: التحديات الفنية والسياسية

التحقيق في الاستخدام المزعوم لأسلحة كيميائية في سوريا: التحديات الفنية والسياسية

 

في رسالة نشرها البيت الأبيض في 25 نيسان/أبريل، أبلغت إدارة أوباما الكونغرس الأمريكي عن تقييمات المخابرات الأمريكية بأن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيميائية على "نطاق محدود"، وتحديداً غاز السارين المهيج للأعصاب. وأضافت الرسالة بأن الحكومة "يجب أن تبني على" هذه التقييمات من أجل إقامة "وقائع مدعومة وذات مصداقية".
 
ويتزامن ما تقوم به الولايات المتحدة الآن بما أعلنه العديد من حلفائها الرئيسيين (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)، حيث خلصت أجهزتهم الاستخباراتية مؤخراً إلى أن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيميائية. بيد، كما هو واضح من رسالة الخامس والعشرين من نيسان/أبريل، تحتاج الإدارة الأمريكية إلى قيام أدلة أقوى قبل أن تخلص إلى نتيجة مؤدّاها أن النظام قد تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية — وهو تطور وصفه الرئيس أوباما في وقت سابق بأنه "يغير من مجريات" سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. لهذا السبب، تطالب واشنطن بالسماح لفريق الأمم المتحدة المختص بالتحقيق في هذه الادعاءات بدخول سوريا.
 
آلية الأمين العام للأمم المتحدة
 
منذ أوائل الثمانينات، أجرت الأمم المتحدة تحقيقات بشأن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية من قبل لاوس، وكمبوتشيا، والسوفيت في أفغانستان في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، ومن قبل العراق أثناء حربها مع إيران في الثمانينات، ومن قبل المتمردين في موزمبيق والحكومة الأرمينية في أوائل التسعينات. وفي البداية، اعتمدت الأمم المتحدة على الترتيبات والإجراءات المخصصة لإجراء مثل هذه التحقيقات، بيد أنه وفقاً لقرار الجمعية العامة رقم A/RES/45/57، قامت الأمم المتحدة في عام 1990 بوضع "آلية الأمين العام للتحقيق في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية والبيولوجية" [SGM] .
 
واليوم، يتم استخدام "آلية الأمين العام حول استعمال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية" [SGM] للتحقيق في الادعاءات التي تتعلق بالدول التي لم توقع على "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية"، والتي تمتلك الهيئة المنفذة لها ("منظمة حظر الأسلحة الكيميائية") القدرة على إجراء التحقيقات الخاصة التي يمكن استخدامها لمساعدة "آلية الأمين العام" [SGM] إذا لزم الأمر. وعند إجراء التحقيقات، يمكن لـ "آلية الأمين العام" [SGM] الاعتماد على أكثر من 300 خبيراً في مواد الحرب الكيميائية والبيولوجية وأكثر من أربعين مختبراً من المختبرات التحليلية من جميع أنحاء العالم، التي تعمل جميعها وفقاً للإجراءات المتبعة، معتمدة في ذلك على ثلاثة عقود من الخبرة في هذا المجال. ويمكن لـ "آلية الأمين العام" [SGM] أيضاً التحقيق في الدعاوى المزعومة حول الحرب البيولوجية، حيث تفتقر "اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية" لذراع التحقيق.
 
وفي آذار/مارس، وبعد الادعاء بأن قوى المعارضة قد استخدمت الأسلحة الكيميائية، طلبت دمشق من الأمم المتحدة التحقيق في هذه الادعاءات. ورداً على ذلك قام الأمين العام بان كي مون بنشر "آلية التحقيق في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية والبيولوجية" [SGM] للمرة الأولى منذ عام 1992، وكوّن بسرعة فريق من الخبراء للنظر في تلك الدعوى. وفي البداية، أصرت دمشق على اقتصار التحقيق على استخدام المعارضة المزعوم لتلك الأسلحة، ولكن بريطانيا وفرنسا رفضتا ذلك الطلب، بقولهما أن الفريق ينبغي أن ينظر في جميع حوادث الأسلحة الكيميائية المزعومة. إلا أن نظام الأسد رفض عندئذ دخول الفريق إلى سوريا؛ ويتواجد المحققون الآن في قبرص، في انتظار المزيد من التوجيهات.
 
العقبات المحتملة
 
قد تتكون "آلية تحقيقات الأمين العام" [SGM] من عدة عناصر:
 
·         إجراء مقابلات مع الضحايا والشهود والمسؤولين الحكوميين للوقوف على ما حدث.
 
·     إجراء الفحوص الطبية والمسوحات الوبائية للضحايا (سواء في المواقع المصابة أم في الدول المجاورة) لتحديد الأعراض المرتبطة بالأسلحة الكيميائية. ويلزم القيام بذلك على وجه السرعة، حيث تتلاحق الأحداث وتتلاشى الذاكرة وتلتئم الجروح.
 
·     تحليل الطب الشرعي للتربة أوالنباتات أو الحياة البرية أوالملابس أو شظايا الأسلحة المستخدمة لتحديد البقايا الناتجة عن العوامل الكيميائية أو منتجات التحلل. يجب إجراء هذا التحليل بسرعة وفي الموقع المحدد، قبل ظهور الآثار السلبية للعناصر (على الرغم من وجود بعض العوامل الكيميائية والعديد من منتجات التحلل التي أثبتت استمرارها بصورة تدعو إلى الدهشة). إن إنشاء تسلسل لا لبس فيه من الإشراف على العينات التي تم أخذها هو دليل آخر على مصداقية التحقيق.
 
على الرغم من التحديات التي تشكلها التحقيقات المناسبة حول استعمال الأسلحة الكيميائية وعدم سهولتها، إلا أن الأساليب والوسائل الفنية المستخدمة قد أثبتت فعاليتها مراراً وتكراراً. ووفقاً لجيز ليتلوود من جامعة كارلتون، ففي آخر تسعة تحقيقات من اثنا عشر تحقيقاً أجرته الأمم المتحدة تمكنت السلطات من الاستنتاج بشكل قاطع باستخدام الأسلحة الكيميائية (العراق) أو عدم كفاية الأدلة لإثبات استخدام تلك الأسلحة (موزمبيق وأرمينيا). وفي الحالات الأخرى (لاوس/كمبوتشيا وأفغانستان)، حال حرمان الوصول إلى أماكن استخدام الأسلحة ومرور الزمن منذ ذلك الحين، إلى عدم التوصل إلى استنتاجات نهائية (وإن كان قد تبين لاحقاً في الحالة الأولى، أن عامل الأسلحة الكيميائية المزعوم — ما يسمى بـ "المطر الأصفر" — كان في الواقع براز النحل).
 
وبالفعل، غالباً ما تكون السياسة هي العائق الرئيسي للتحقيقات الفعالة والإجراءات الدولية على الرغم من النتائج القاطعة. فخلال الحرب التي دارت بين إيران والعراق، على سبيل المثال، تجنب محققو الأمم المتحدة في البداية إدانة بغداد وفضحها حول استخدام الأسلحة الكيميائية. وبعد أن فعلوا ذلك أخيراً في عام 1986، لم يكن مجلس الأمن الدولي مستعداً لإدانة العراق بالإسم، وعوضاً عن ذلك أشار إلى تورط كلا الجانبين في الاستخدام المستمر للأسلحة الكيميائية في الحرب.
 
وقد حاول محققون مستقلون أحياناً (على سبيل المثال، المنظمات غير الحكومية والصحفيين) سد الفجوة عندما مُنعت الأمم المتحدة من العمل — على سبيل المثال، عندما رفضت بغداد وتركيا جهود الأمم المتحدة في آب/أغسطس 1988 للتحقيق في استخدام العراق للأسلحة الكيميائية ضد سكانها الأكراد. وعلى الرغم من أن جهوداً كهذه تسفر في بعض الأحيان عن نتائج مفيدة، إلا أنها تفتقر إلى إمكانات ومصداقية "آلية الأمين العام للتحقيق في الاستخدام المزعوم للأسلحةالكيميائية والبيولوجية" [SGM].
 
التداعيات على سوريا
 
إن واقع تقييم الاستخبارات الأمريكية حالياً — وبدرجة من الثقة — بأن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيميائية يعتبر تطوراً هاماً، ولكنه لا يشكل حتى الآن نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. وهنا يلقي التاريخ بظلاله على الأحداث:  فالمزاعم السابقة باستخدام الأسلحة الكيميائية التي ثبت عدم صحتها (على سبيل المثال، "المطر الأصفر")، إلى جانب فشل الاستخبارات الأمريكية ما بعد 11 أيلول/سبتمبر حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، قد جعل إدارة أوباما تصر على توافر مستوى عال من الأدلة القاطعة في حالة سوريا. وطالما ترفض دمشق السماح للأمم المتحدة بالتحقيق في جميع الادعاءات، وما دامت روسيا توفر الغطاء السياسي للنظام السوري في مجلس الأمن، فقد يستحيل على واشنطن تلبية هذه المعايير أو العمل في إطار الأمم المتحدة إذا ظهر دليلاً كافياً على ذلك.
 
بيد، أن هذا لا ينبغي أن يوقف الولايات المتحدة وحلفائها عن الاستمرار في إجراء تحقيقاتهم الخاصلة حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا مع نشر النتائج التي توصلوا إليها — حتى وإن كان السبب الوحيد لذلك هو أن معلومات كهذه يرجح أن تخلق بيئة أكثر ملاءمة، داخل البلاد وخارجها، لأي استجابة تختارها واشنطن في النهاية. وبالمثل، إذا استمرت دمشق في منع فريق الأمم المتحدة من دخول البلاد أو عرقلة إجراء تحقيقات كاملة، فعلى الأمين العام أن يأذن للفريق الحصول على الأدلة في مكان آخر (على سبيل المثال، من بين الضحايا الذين هم الآن في الدول المجاورة)، على النحو الذي يسمح به تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم A/44/561، الذي يحدد المبادئ التوجيهية لتحقيقات "استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية" [SGM]. على واشنطن تشجيع الأمين العام أيضاً على إعداد تقرير يُقيّم كافة المعلومات المتوفرة حالياً لدى الأمم المتحدة، بما في ذلك تلك التي توفرها الدول الأعضاء. وهذا من شأنه أن يزيد الضغط على دمشق، ويضمن دفع نظام الأسد ثمن عرقلته لتلك التحقيقات.
 
وأخيراً، إن الامتناع عن الرد على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية إلا بعد الحصول على دليل قاطع على ذلك سيزيد من احتمالية استخدامه لمثل هذه الأسلحة على نطاق أوسع. ووفقاً لذلك، يجب على واشنطن أن تعلن أنها سوف توسع تدريجياً من دعمها للشعب السوري رداً على تقارير موثوق بها حول استخدام النظام لأسلحة كيميائية وعرقلته تحقيقات الأمم المتحدة — بدءاً من توفير الأسلحة للمعارضة واستخدام بطاريات باتريوت في تركيا لمنع شن المزيد من الغارات الجوية، وإذا أمكن، منع شن هجمات صاروخية على أهداف مدنية وقوات الثوار. كما يتعين أن تكون الإدارة الأمريكية مستعدة أيضاً لدعم جهود التحالف في إنشاء ملاذات إنسانية آمنة أو مناطق حظر جوي فوق سوريا. والأمل منعقد أن يؤدي هذا النهج المدروس ليس فقط إلى ردع النظام عن استخدام الأسلحة الكيميائية في المستقبل، بل أيضاً إلى تغيير البيئة النفسية في سوريا من خلال الإشارة إلى زيادة الدعم الأمريكي للمعارضة. ومن خلال استعادة مصداقية الولايات المتحدة، يمكن لهذا النهج أن يعزز من سيطرة واشنطن على الأزمات التي تسير بخطى بطيئة مع كل من إيران وكوريا الشمالية.
 
 
 
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.