الرئيسية » تقارير » معهد واشنطن: محاكمة جماعة (الإخوان المسلمين) في الإمارات ستخلف تداعيات هامة.. وولي العهد يقف خلفها

معهد واشنطن: محاكمة جماعة (الإخوان المسلمين) في الإمارات ستخلف تداعيات هامة.. وولي العهد يقف خلفها

 

في 16 نيسان/أبريل، سيلتقي ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان — الذي من المتوقع أن يصبح الرئيس القادم لدولة الإمارات العربية المتحدة — مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض لمناقشة "العلاقات القوية والدائمة" بين البلدين و "المصالح الاستراتيجية المشتركة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط الأوسع". ومن بين المواضيع التي من المؤكد أنها ستكون في طليعة مباحثاتهما هي الإجراءات الأمنية الأخيرة التي اتخذتها الإمارات العربية المتحدة لاستهداف جماعة «الإخوان المسلمين» المحلية المعروفة باسم دعوة "الإصلاح" [أو جماعة "الإصلاح"]. وتجري محاكمة أربعة وتسعين شخصاً — معظمهم من أعضاء "الإصلاح" كانوا قد اعتقلوا خلال العام الماضي — بتهمة التنسيق مع جماعات أجنبية والتآمر للاستيلاء على السلطة، من بين تهم أخرى، وهناك توقعات واسعة النطاق بأن ولي العهد هو العقل المدبر وراء فرض تلك القيود الصارمة.
 
علاقة طويلة الأمد ومعقدة
 
بقيت جماعة "الإصلاح" مشتبكة لفترة طويلة في الشؤون الداخلية لدولة الإمارات، ويعود تواجد «الإخوان» في البلاد إلى عقد من الزمان قبل أن تصبح الإمارات دولة مستقلة. ففي أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وصل أعضاء من جماعة «الإخوان» المصرية الهاربين من قمع نظام جمال عبد عبد الناصر إلى دول الخليج حيث فتحت لهم تلك البلدان أحضانها. وقد اعتبرهم حكام المنطقة ثقل موازنة مريح لمشاعر القومية العربية، التي اعتبروها تهديداً متنامياً لهم في ذلك الوقت. وقد قام المصريون أصحاب التأثير بتجنيد محليين بانتظام، وفي عام 1974 — بعد ثلاث سنوات من استقلال الإمارات العربية المتحدة عن بريطانيا — أسس الإماراتيون جماعة "الإصلاح" بموافقة حاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.
 
وقد حظي أعضاء دعوة "الإصلاح" بنفوذ هائل في الدولة الجديدة، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مع تولي العديد منهم مناصب رفيعة في قطاعات التعليم والعدل — بما في ذلك منصب وزير التربية والتعليم — وصياغة المناهج الدراسية في البلاد. وبحلول عقد التسعينات، وفقاً لأحد المحللين المحليين البارزين، هيمن أولئك الأعضاء من جماعة "الإصلاح" على الاتحادات الطلابية وجمعية المعلمين وجمعية الحقوقيين واستخدموا تلك المنظمات كسبل لتحقيق مصالح "الجماعة". وقد ازدهر نفوذ "الإصلاح" وأصبحت السلطات الإماراتية تنظر إلى «الإخوان» على أنهم يمثلون تهديداً إسلامياً خطيراً يناقض وجهة نظر الحكومة الأكثر تسامحاً للإسلام ودوره في الدولة. وفي بداية التسعينات، توصل تحقيق مصري أُجري بموافقة أبوظبي إلى أن إحدى لجان "الجماعة" الإماراتية قدمت إسهامات إلى أفراد ينتمون إلى منظمة إرهابية مصرية.
 
ومنذ ذلك الحين، بذلت الحكومة جهوداً كبيرة وإن متقطعة للحد من نمو جماعة "الإصلاح" ونقل أفكارها وصلاتها الخارجية إلى غيرها من خلال سبل كثيرة من بينها التواصل المباشر مع أعضائها. فعلى سبيل المثال، في عام 2003، تقابل ولي العهد المرتقب مع موظفين محليين من قطاع التعليم من المنتمين إلى «الإخوان»، وتحدثت التقارير بأنه حثهم على الاختيار بين التخلي عن عقيدتهم الإسلامية، أو وقف الدعوة العامة لأفكارهم، أو البقاء منتمين لـ «الإخوان» لكن مع نقلهم من قطاع التعليم. وقد انتهت الاجتماعات دون التوصل إلى اتفاق، وقامت الحكومة في النهاية بنقل العديد من أولئك الأفراد إلى وظائف بوزارات أخرى لتقليل تأثيرهم على الشباب الإماراتي.
 
أعمال القمع الحالية
 
ترتبط مخاوف الإمارات من جماعة "الإصلاح" في هذه الأيام بصعود الإسلاميين عبر أنحاء الشرق الأوسط في أعقاب الانتفاضات العربية، ولا سيما فيما يتعلق بمصر، مسقط رأس «الإخوان المسلمين» ونواتها. وتشعر أبوظبي بالقلق من أن تسعى دعوة "الإصلاح" إلى تحقيق نفس الهدف السياسي الذي حققه «الإخوان» في مصر — بتوليها السلطة بعد الإطاحة بالحكومة. وفي الأسبوع الماضي ألمح قائد شرطة دبي اللواء ضاحي خلفان المعروف بصراحته إلى وجود أدلة لدى الحكومة بأن "الجماعة" تخطط للإطاحة بحكام الخليج، وأن الأفراد الذين يحاكمون حالياً قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة في خططهم المثيرة للفتن قبل أن يتم اعتقالهم.
 
ومن بين المشتبه بهم البالغ عددهم أربعة وتسعين عضواً من أعضاء دعوة "الإصلاح" هناك أفراد طالبوا بالإفراج عن أعضاء جماعة "الإمارات 7" — وهم مجموعة من أعضاء "الإصلاح" جُردوا من جنسيتهم في كانون الأول/ديسمبر 2011 بسبب ما زُعم بأنهم يشكلون تهديداً أمنياً، وتم اعتقالهم في نيسان/ أبريل/ 2012 — إلى جانب مؤيديهم وأفراد أسرهم وآخرين أعربوا عن وجهات نظر انشقاقية، وأعضاء جماعة "الإمارات 7" أنفسهم. وهناك العديد من الشخصيات البارزة في صفوف المعتقلين من بينهم: حمد رقيط، أحد مؤسسي "جماعة الإصلاح" من الشارقة؛ وعيسى السويدي، المدير السابق لمنطقة أبوظبي التعليمية؛ وأحمد بن غيث السويدي، موظف مدني رفيع المستوى واقتصادي معروف؛ والمدونون خليفة النعيمي وراشد الشامسي وعمران رضوان. وينتمي السويدي والشامسي والنعيمي إلى بعض أكبر القبائل في دولة الإمارات وأكثرها نفوذاً. كما تجري محاكمة المحامين محمد المنصوري ومحمد الركن وسالم الشحي. والركن هو أحد أبرز المحامين في البلاد في مجال حقوق الإنسان، وكان قد ساعد في الدفاع عن اثنين من أعضاء جماعة "الإمارات 5" (اتُهما في عام 2011 بإهانة السلطات علناً ​​ولكن تم الإعفاء عنهما في النهاية)، وكذلك أعضاء جماعة "الإمارات 7". وتم اعتقال الشحي لدى وصوله إلى مكتب نيابة أمن الدولة لتمثيل الركن.
 
تكمن القاعدة الشعبية لـ دعوة "الإصلاح" في رأس الخيمة والشارقة وغيرها من المناطق الأكثر فقراً شمال الإمارات. وقد تلقت "الجماعة" — التي قد يصل عدد أعضاؤها إلى20,000  شخص من بين السكان الذي يزيد عددهم عن مليون مواطن فقط من الذين يحملون الجنسية الإماراتية — معاملة خاصة من قبل القادة المحليين هناك، وينحدر العديد ممن يخضعون للمحاكمة من تلك المناطق. ويشكو سكان الشمال من ارتفاع معدلات البطالة وسوء الخدمات العامة والبنية التحتية وانعدام الفرص — وهي ظروف كانت تشكل جانباً هاماً من الفوران الثوري في دول عربية أخرى. كما ينظرون أيضاً إلى الاختلافات الصارخة بين ظروفهم المعيشية وحالة البهرجة التي يعيشها سكان أبوظبي ودبي في الجنوب. وبعيداً عن التهديدات المحددة، قد يمثل استهداف الحكومة لـ جماعة "الإصلاح" في هذه المناطق جهداً أكثر عمومية لوأد أي تعبير عن السخط في مهده. ولا توفر الصفة الملكية حتى حماية في تلك الحالات — فقد تم اعتقال رئيس دعوة "إلإصلاح" الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، ابن عم حاكم رأس الخيمة، في نيسان/أبريل 2012 وهو يواجه المحاكمة أيضاً.
 
تقييم التهديد
 
لقد شاب المحاكمة حتى الآن مناخ من السرية والتخويف. فقد مُنع المراقبون القانونيون الدوليون ووسائل الاعلام الأجنبية من المشاركة ورفع تقارير مباشرة عن إجراءات القضية — ولم يُسمح بحضور سوى وسائل الإعلام المحلية التي وافقت عليها الحكومة. وفي الشهر الماضي، تم اعتقال إماراتي، والده من بين المتهمين بسبب نشره "أكاذيب" عن المحاكمة من خلال تغريداته على موقع "تويتر"، وذلك في انتهاك لقانون جديد يحظر مثل هذا النشاط؛ وفي 8 نيسان/أبريل، حكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر بسبب الأعمال التي قام بها. كما أن المعلومات العامة حول التهم محدودة هي الأخرى. فوفقاً لتقرير صادر عن أربعة مجموعات لحقوق الإنسان، يشكل اعتراف أحمد بن غيث السويدي الذي تم الحصول عليه من خلال التعذيب أثناء الحبس الانفرادي الذي قضاه في مكان سري لمدة عام، الدليل الجوهري لتلك التهم.
 
وفي هذا المناخ، من المستحيل تقييم الأوضاع المتعلقة بالتهم، وفيما إذا كانت الحكومة تواجه تهديداً حقيقياً حول قيام المتهمين بالتآمر ضدها، وإذا كان الأمر كذلك، ما مداه. ويوفر الأسلوب الذي تتبعه فروع «الإخوان» الأخرى في المنطقة بعض الدروس بشأن أنشطة جماعة "الإصلاح". فمن ناحية، تقبل معظم الفروع القيادة المشتركة للمرشد العام لـ جماعة «الإخوان المسلمين». ومن ناحية أخرى، تعمل المواثيق الوطنية عموماً بطريقة تتناسب مع الظروف المحلية الخاصة بكل بلد، وهي تختلف أحياناً في وجهات نظرها السياسية. وعلى الرغم من أن الفروع تتشاور مع بعضها البعض وتتعاون أحياناً في جمع الأموال، إلا أنها تبقى ضعيفة الارتباط.
 
التداعيات السياسية
 
ستكون هناك تداعيات هامة لنتيجة المحاكمة، لا سيما إذا تمخض عنها إدانة المدعى عليهم بتهمة التحريض وإثارة الفتنة. إن صدور حكم بالإدانة يشمل عرض أدلة مُقنعة سوف يسيء لسمعة دعوة "الإصلاح" على الصعيد المحلي والدولي، ويجرئ الحكومة على اتخاذ إجراءات إضافية مستقبلية ضد "الجماعة" بدعم خارجي قوي. ومع ذلك، فدون قيام مثل هذه الأدلة، فإن الإدانة سوف تترك أبوظبي عرضة لاتهامات دولية بأنها تقوم بقمع الدعوات السلمية من أجل الإصلاح. وكان بعض الخاضعين للمحاكمة من بين أكثر من 100 إماراتي وقّعوا على عريضة لم يسبق لها مثيل إلى الشيخ الرئيس خليفة بن زايد آل نهيان و"المجلس الأعلى الاتحادي" في البلاد في 9 آذار/مارس 2011، عندما بدأت الانتفاضات العربية تكتسح المنطقة. وتدعو العريضة إلى إجراء انتخابات شاملة ومنح سلطة تشريعية كاملة إلى "المجلس الوطني الاتحادي"، وهو حالياً هيئة استشارية يتم انتخابها جزئياً من قائمة مختارة توافق عليها الحكومة. كما يخضع للمحاكمة أنصار للموقعين على العريضة وبعض أفراد عائلاتهم.
 
ومهما يكون قرار الحكم، من المرجح أن تقوم جماعة "الإصلاح" بتكثيف أنشطتها السياسية. وبناءً عليه، ينبغي على واشنطن أن تشجع أبوظبي على تعزيز مكانتها في الداخل والخارج من خلال تقديم أدلة للجمهور حول الجرائم المزعومة.
 
 
 
لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.