مصر التى عادت للوراء خمسمائة سنة

 

الحقيقة أن الثورة المباركة التى أبهرت العام مازالت تبهرنا وتنشر بركاتها ورقيها وتحضرها على الشعوب العربية جمعاء وعلى مصر بالخصوص فقد أصبح الآن وبعد عامين كاملين للمرأة والرجل والشاب والطفل والقرود مكانة سامية فى المجتمع لم نصل إلى ذروتها فى أى مرحلة تاريخية خلال السبعة آلاف عام ومنها خمسة آلاف عام حضارة متعفنة مثلما قال مشايخنا الكرام.. أما الأمريكان أصحاب صيحات حقوق الإنسان والمرأة والصحافة والإعلام فقد كفوا عن الغناء والصياح والولولة التى كانوا يصدعون بها رءوسنا منذ زمن وخاصة فى الستة عشر يوماً الأمجاد لثورة يناير التى سمعنا خلالها عن حرية النشطاء وحرية التعبير والمرأة والفتاة، إلى أن تنحى مبارك فأصابهم الخرس وفقدوا النطق، وأكيد العيب فينا لأننا لم نعرف أن للإنسان حقوقاً موسمية تظهر عند اللزوم وتختفى بعد تنفيذ المعلوم.
 
فى شهر 11 عام 2009 كتبت مقالاً شديد اللهجة فى جريدة «الوفد» وكان بعنوان «وزارة القوى العاملة – فرع المخدماتية» هاجمت فيه السيدة عائشة عبدالهادى الوزيرة السابقة على قرار إرسال عاملات نظافة إلى الكويت من خلال وزارة القوى العاملة.. ورغم أن السيدة الوزيرة كانت من النظام البائد الفاسد إلا أنها – ويا سبحان الله – بحثت عن تليفونى وحدثتنى وناقشتنى فى أنها تحاول إخراجهن للعمل بشكل رسمى ليكون ضماناً لهن وحماية من عدم الانحراف إلى أعمال أخرى، فقلت لها إن التى تسافر وحدها مسئولة عن نفسها ولن يمنع هذا القرار أى فتاة أو سيدة من التحول من عمل النظافة إلى أعمال أخرى.. ولكن ذهاب نسائنا الآن لهذه الوظائف بشكل رسمى من خلال وزارتك هو العار بنفسه ونحن الذين كنا نرسل لهم فى عام 1942، وفى أوج الأزمة الاقتصادية للحرب العالمية الثانية مدرسات وناظرات وكتباً وأقلاماً وكانت الحكومة المصرية تدفع نصف الأجور والحكومة الكويتية تتحمل النصف الآخر.. واستمعت السيدة الفاضلة لكلماتى جيداً وأمام اعتراضى واعتراض الآخرين تم إلغاء القرار.
 
أما الآن فقد عاد القرار المشين مرة أخرى فى العهد الجديد ولكن تم تحويل الخط إلى السعودية بكل فخر.. والتى اتهمت فى العهد الفاسد بأنها فتحت عندنا أسواق نخاسة لشراء فتيات الريف الصغيرات للزواج المؤقت من أثريائها فى فترة الصيف لزوم الفرفشة فى الإجازة واتهم معها من كانوا فى النظام وأدينوا من الجميع وتكللت حرية المرأة وحقوقها التى كانت معدومة فى العصور البائدة كلها بحريات أخرى مبتكرة، منها جهاد النكاح، لأن المجاهدين يعانون من ضائقة جنسية تعوق حماسة الذبح والسلخ والتفجير ووجب على الفتيات الصغيرات الذهاب إليهم لإشباعهم حتى تعلو راية الجهاد وكل هذا بفتاوى المشايخ الذين يعملون بلا كلل فى سبيل زيادة نسبة الإلحاد لدى الشباب ويتخذون الفتاوى معبراً لمشروعية الدعارة للصبيات الصغيرات، وقد رأيت فيديو لم أتحمله إلى آخره لعائلة الصبية الصغيرة «رحمة» التونسية وهم يصرخون ويذرفون الدمع ويتوسلون للطفلة أن تعود لرشدها ولأهلها بعد أن دمر هؤلاء المشايخ عقلها الصغير بالفتاوى القبيحة اللا أخلاقية.. وفيديو آخر مرعباً عن اغتصاب النساء والفتيات المصريات فى ليبيا والمريب هو تعمد تصوير هذه الحوادث وإرسالها لنا لنتعذب ونترحم على أيام الفساد وأيام تهورات القذافى رحمه الله، بينما حكومة الثورة ورجال الجماعة يغطون فى نوم عميق لا يقلق ضمائرهم وخذ ولا تزعجهم خطيئة فى حق القرود المحكومين ولكنهم سيظلون رعاة الأخلاق وتطبيق الشريعة ورواد تكفير المجتمع بأسره بفرق النهى عن المعروف.
 
لا أدرى أين ذهبت النشاطات والثائرات والصحفيات المصريات اللاتى كن يوجهن لى أنا شخصيا السباب المسف بسبب اعتراضى على تمثيلية الفتاة المسحولة «أم عباية» التى مازلت مصممة أنها حادثة مفتعلة كان القصد منها أيامها الإساءة الأخلاقية للجيش المصرى فى مؤامرة ساذجة لا يصدقها طفل صغير.. وأين ذهب أصحاب دعوة: شرف البنت أهم من حرق المجمع العلمى والشرف قبل الكتاب؟ أين ذهبوا وذهبن من أطلقوا على هذه الفتاة «ست البنات» لمجرد أنها تعرت وتم تصويرها عمداً؟ وماذا يمكن أن نطلق من ألقاب على «جميلة بوحريد» إذن؟ أين ذهبت هذه الأصوات عندما تم التحرش بالنساء الصغيرات والمسنات والفتيات فى ميدان التحرير وبالآلات الحادة فى الأماكن الحساسة؟ وأين ذهبوا عندما نزعت ملابسهن تماماً وهتكت أعراضهن بوحشية مقززة وسط الزحام؟ وكيف يتم تقييم هذه الثورة الشوهاء وسط هذه الفجاجة والسفالة التى تفضح المدعين الذين سكتت حناجرهم عن الصياح؟..
 
أين السيدة النائبة المحترمة التى كانت تروج للختان لأنه سترة للفتاة وتؤكد أنه فى كل الأحاديث والآيات لم تجد ما ينهى عن هذا الفعل والمنطق يقول إنه لا يوجد أيضا ما يوجب أو يفرض هذه العادة الإفريقية المتخلفة؟ أين هى التى كانت تدعو إلى عدم سفر المرأة بمفردها لأنها تختلط بالرجال؟ وأين هى التى شاهدت بأم عينيها متظاهرى الاتحادية يمارسون الجنس فى الخيام ثم تدعى أن الشارع المصرى تم تجريفه من القيم والأخلاق والدين فى عهد النظام البائد وكأننا نعانى من البلاهة ولم نقض أيامنا فى ظل النظام البائد ولم نر على أيام نظامها أفظع مما فى خيال المرضى من أحداث.. وأين السيدة مساعدة الرئيس للشئون السياسية التى ادعت فى الدورة 57 للجنة المرأة فى الأمم المتحدة أن دستورها الجديد يعطى المرأة حقوقاً وحريات لم يشهدها العالم.. مما دعى السيدات المحترمات والوزيرة ميرفت التلاوى إلى الانسحاب من المؤتمر نظراً لزيادة جرعة الكذب والادعاء وترويج المفاخر عن هذا الدستور الذى يدعو لوأد الفتيات الصغيرات بالزواج فى عمر الثانية عشرة؟
 
أين كل هؤلاء من اغتصاب بنات الوطن وسيداته فى ليبيا ومن تسفير نساء الوطن كخادمات إلى أسواق العرب ومن فتوى زواج المصريين باللاجئات السوريات الجائعات بدلاً من إيجاد فرص عمل أو جمع آعانات لهن؟ وأين هن من فتوى جهاد النكاح؟
 
فلينعم الشعب المصرى بالعصر الثورى الذهبى للرجال والنساء على السواء، حيث أصبح الشعب المصرى كله ملك يمين الإخوان.. ضمن غنائم الحرب للإخوان والمجاهدين وحماس وقطر.. الرجال هم العبيد الجدد، حيث يواجهون بالابتزاز وتلفيق القضايا وتفصيل القوانين والإرغام على البيع والدفع والنساء هن سبايا وجوارى يتم بيعهن وشراؤهن فى أسواق النخاسة التى تعددت فى دول العرب مع قدوم الربيع المخزى.
 
لقد زالت الأصباغ عن الوجوه القبيحة وسقطت أقنعة المؤامرة وأصبحت واضحة للعيان ومازال الببغاوات تردد عبارات حنجورية عن الثورة والثوار والاستمرار وأهداف الثورة وحق الشهداء الذين مازالوا يتساقطون كالعصافير.. المجتمع المصرى أصيب بكل أمراض الأخلاق.. انهارت القيم وأصبحت أخبار القتل والسحل والذبح والتحرش والاغتصاب وبيع النساء والفتيات أخباراً معتادة لا تكاد تثير القرف ولا القلق.
 
إذا فتح أحد كتب التاريخ لن يرى هذه الكوارث إلا أيام نهاية المماليك والانكشارية والفوضى والفتنة.. عندما استبيحت أعراض النساء والفتيات والصبيان وعندما أهدرت كرامة الرجال وسرقت ثروات مصر واهترأت أركان الدولة وانقسمت إلى مقاطعات تحت ألوية المماليك ينهبونها ويسرقون إنتاجها ويخطفون نساءها وفتياتها وكانت مصر هكذا منذ الغزو العثمانى الذى ترك فى مصر ثلاثة مراكز قوى للسلطة حتى تعم الفوضى ويسود الشجار ولا تسقط مصر فى يد أحد ولكنها حتما كانت فى سقوط.
 
عادت بنا آلة الزمن لهذه الأيام حتى بتنا نقول: ليت العمر لم يمتد بنا إلى أن نرى مصر قد عادت للوراء أكثر من خمسمائة عام.
 
د. لميس جابر 

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث