الرئيسية » تقارير » أن تصبح رجلا أو امرأة هذا قرارك.. هكذا يتعلم أطفال لبنان

أن تصبح رجلا أو امرأة هذا قرارك.. هكذا يتعلم أطفال لبنان

 

نشر موقع (النشرة) اللبناني هذا التقرير (الخطير) لكاتبه مارسيل عيراني: 
 
"لا نولد رجلاً ولا امرأة بل نصبح كذلك… فالهوية الجنسية لا تستند في تحديدها إلى الجنس البيولوجي بل إلى ميول الشخص الذاتية": هذا ما يتعلّمه أطفالنا اليوم في كتب علوم الأحياء المدرسية التي تتبع المنهاج الفرنسي، وهذا ما يدخل إلى مجتمعنا اليوم أكثر فأكثر عبر العولمة كنظريات نكتسبها من خلال الكتب والأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية والشبكة العنكبوتية حتى باتت هذه الأفكار الغربية غير بعيدة تماماً عنّا.
 
نظريات تتناقض مع القانون الطبيعي
رغم كون هذه النظرية موضع جدل حتى بين مطلقيها الذين ينقسمون إلى عدّة تيارات، فها إنها تتوسع أكثر فأكثر وبات متعارفا عليها تحت اسم "نظرية الجندر" فيما يرفض البعض تسميتها "جندر" ويختارون تسمية "الكوير"، التي تعتبر أنه "من الأفضل ألا يرتكز المجتمع في تحديده للهوية الجنسية على التمايزات بين الرجل والمرأة بل على تعددية الأشكال، وهذا يؤدي إلى اعتبار العائلة المؤسسة على الثنائي (الرجل والمرأة) شكلاً من الأشكال الأخرى لا أكثر". وبالإضافة إلى ذلك، فبالنسبة لمن يؤمن بها، فإن "هويتنا الجنسية يجب أن ترتكز على ميولنا الجنسي الخاص الذي نتقبله بحريّة والذي يأخذ أشكالاً متنوّعة ويتطوّر مع الزمن ليبلغ، بحسب البعض، ستّة أنواع جندر وهي: المختلف الذكر، المختلف الأثني، المثلي، ذووا الميل المزدوج، السحاقيّ وغير المحدد (لا رجل ولا مرأة)".
خطورة هذه النظرية، وفق ما تؤكد لـ"النشرة" عضو جمعية "نعم للحياة" جوسلين خويري، تكمن في اعتبار "أن لا شيء سابقا لتفكير الإنسان ولا أساس في الدنيا وما من قانون طبيعي أعطي لنا في الخلق. وأصحاب هذه النظرية لا يعترفون بأية حقيقة خارجة عما يراه الإنسان: فكل إنسان بالنسبة لهم له حقيقة معيّنة". وتشرح أنها "انطلقت من أميركا الشمالية، وتطورت بكندا، وتبنوها في أوروبا فأوصلت إلى الزواج المثلي وباتت اليوم تدرّس في المدارس وفي الجامعات".
وتنطلق فلسفة هذه النظرية التي حددتها الفيلسوفة الأميركية جوديت باتلر في ثمانينات القرن الماضي من حركتين: "الحركة النسوية الراديكالية التي تعتبر أن النساء مظلومات من قبل الرجال رغم انتفاء ما يميز بينهما، وحركة المثليين التي لا تعترف بالتمايز الجنسي بين الرجل والمرأة كمعيار، لأن لا فرق بينهما غير قابل للتغيير".
 
"الجندر" في لبنان: بين كتب المدارس ومخططات بعض الجمعيات
دقّ البعض ناقوس الخطر في لبنان بعد ان وصلت هذه الأفكار إلى المدارس والجامعات، بحسب الدكتورة حُسن عبّود، الباحثة في الدراسات الإسلامية وقضايا المرأة. وتشير عبّود إلى أن "احتواء كتب تدريس علوم الحياة في البكالوريا الفرنسية على هذه النظريات يجب أن يدفع المعنيين إلى مراجعة مرجعياتهم"، ولكنها تنفي أن تكون هذه النظريات "منتشرة في كل لبنان"، معتبرة أن "هذا الأمر غير صحيح".
إلاّ أن خويري تؤكد أن وجود هذه النظرية لا يقتصر فقط على هذه المناهج إنما أيضاً على بعض الجمعيات التي تدعمها وتسعى لنشرها، "رغم وجود سدّ مهم في مجتمعنا وهو الإسلام والمسيحية كدينين لهما وزنهما"، مشيرة إلى أن "شريحة كبيرة من الشبيبة تقبلها باسم العلم وحضارة اليوم والإنفتاح". وتعتبر أن "كل الجمعيات النسائية معرّضة للوصول إلى الدفاع عنها"، وتقول: "نحن ضدّ العنف ضدّ المرأة، ومع القضايا المحقّة، ولكن يجب الإنتباه وأخذ العبر مما جرى في الخارج. فنحن مع حقوق المرأة ولكننا ضد أن تكون النساء ضد الطبيعة وضد حقوق الإنسان".
وعلمت "النشرة" ان بعض الجمعيات اللبنانية التي تعمل بدعم وتمويل من قبل الجمعيات الدولية تجد نفسها ملزمة بإدخال هذه النظرية ضمن مخطط عملها كشرط لتمويل نشاطاتها، مما يساهم بتوسّع انتشارها أكثر فأكثر.
ولكن، بما ان المدارس التي تعلّم البكالوريا الفرنسية هي اليوم المعني الأول بهذا الأمر، كون تلامذتها ملزمون بتقديم امتحاناتهم بهذه المواد وبالمضمون المحدد في فرنسا، فلا بد من الإطلاع على ما تقوم به هذه المدارس اليوم كردّة فعل على المضمون الجديد. وفي هذا الإطار، توضح مديرة مدرسة الناصرة في الأشرفية، ثريّا بشعلاني المتابعة لهذا الملف ضمن المدارس الكاثوليكية، أن "موضوع "الجندر" ليس النقطة الوحيدة التي تتنافى مع مبادئ المدارس الكاثوليكية والموجودة في إطار البرنامج الفرنسي. فالتحديات كبيرة وليس فقط في إطار علوم الأحياء إنما في الفلسفة والأدب أيضاً"، معتبرة أنه "من السهل التحدث عن هذه الإشكاليات المطروحة اليوم ولكن حلّها صعب، وبالتالي، على المدارس أولاً أن تعي خطورة هذه المشاكل وأن تسمّيها باسمها، ومن ثم، عليها أن تثقّف أساتذتها مسيحياً وأخلاقياً لكي تسعى لحل تأثير المسألة على التلامذة". وتقول: "طلبنا من الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار أن يعالج الموضوع ضمن الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية لأن عدداً كبيراً من هذه المدارس تعلّم وفقاً للمنهاج الفرنسي، وطلبنا أيضاً أن يتم التعاون بين الأمانة العامة في لبنان وبين الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في فرنسا لأنها تقدّمت أكثر بالبحث في هذا الملف. فيجب الوعي والتثقيف أولاً كوسيلة للبدء بالحل".
أما المعالجة النفسية الدكتورة سهى نصر الدين فتدعو إلى "نفضة" في الكتب المدرسية ولا سيما كتب التربية في لبنان "لأنها لا تؤدي دورها"، وإلى إدخال كتب التربية الجنسية السليمة، "فهي غائبة عن المدارس بسبب الكبت الموجود"، مشيرة إلى "أننا معرضون أكثر لأن يتأثر أطفالنا بهذا البرنامج الفرنسي بسبب هذا الكبت، وبالتالي، فلإنقاذ مجتمعنا يجب تصحيح أخطائنا أولاً، وأن نعمل على تحسين ما هو موجود بين يدينا".
 
"الجندر" مفهوم إيجابي تم تحويل معناه
 
ولكن، ليس كل من يتحدّث بـ"الجندر" يتحدّث بالضرورة عن هذه النظريات المذكورة آنفاً. ففي لبنان غالباً ما يتحدثون عن "الجندر" كوسيلة لإكتساب حقوق المرأة، وفق ما تؤكد خويري، مشيرة إلى أنهم "ينطلقون من الفرق بين الهوية الجنسية والدور الإجتماعي: فليس على كل مرأة أن تبقى في المنزل وأن تكون خاضغة فقط لكونها امرأة…إلخ… فالأمور تظهر أولاً على أنها إيجابية".
وفي هذا الإطار، تدعو الدكتورة حُسن عبّود إلى التمييز بين نظرية "الجندر" التي تنظر إلى المساواة بين الرجل والمرأة وبين ترجمة هذه النظرية من قبل البعض ولا سيما في أميركا الشمالية، في الإطار الجنسي تحت عنوان نظرية "الكوير" التي تسلّح بها المثليون ليقولوا: "المجتمع هو الذي يقرّر الجنس". وتقول: "أنا لست ضدّ المثليين ولكنهم يبقون إستثناء، ومن هذا المنطلق، لا يمكن تعميم الإستثناء على أنه قاعدة".
وبالنسبة لها، فـ"الجندر هو الإعتراف الثقافي والإجتماعي بالنساء، وبالتالي، فلا يعني إدماج المثلية في البرامج الدراسية بل هو مفهوم واسع، أما الـ"كوير" فهو استغلال لمعيار "الجندر" الثقافي والإجتماعي وتطبيقه على الجسدي".
وتشدد على أن "الجندر أخلاق! وهو كناية عن الوعي بالعلاقة بين الرجل والمرأة الذي يرتكز على الثقافة.. لا علاقة له بالجنس"، مشيرة إلى أن "مفهوم الجندر يأخذ في الإعتبار التشكيل الثقافي والإجتماعي للعلاقة بين الرجال والنساء، وذلك من أجل المشاركة في تشكيل خطاب ثقافي بديل يؤكد أهمية وتنوع دور المرأة بين الماضي والحاضر، ويعزّز موقفها في السعي لتغيير النظرة السلبية تجاهها في المجتمع المعاصر".
وهذا ما تؤكده أيضاً الدكتورة نصر الدين، التي تشير إلى أن "مفهوم الجندر بالأصل مفهوم عادل، تم استخدامه بطريقة معيّنة. وهو يأخذ بعين الإعتبار الإختلاف بين الرجل والمرأة ككيانين يكملان بعضهما البعض، وهو مفهوم ساعدنا للتحدث بلياقة في موضوع المساواة"، داعية إلى عدم أخذه إلى حيث لا يجب.
وتشرح أنه "في النصوص الدراسية يتم عزله بخانة واحدة: فهم يقولون أن الشخص يولد وجنسه الإجتماعي غير محدد وعليه أن يقرر أن يكون رجلاً أو امرأة وهذا أمر غير صحيح". وتتوجه إلى من يحضّر هذه البرامج بالقول: "ما تزرعولنا بدماغنا بطاطا"…
إذاً، فإن نظرية "الجندر" في الغرب استخدمت وأسقطت على الواقع الجنسي إلى جانب الواقعين الإجتماعي والثقافي فسمّيت في الولايات المتحدة بالـ"كوير" فيما حافظت على اسم "الجندر" في بعض دول أوروبا… وفي هذا الإطار، تدعو خويري إلى عدم التداول بهذا الإسم وإلى المطالبة بحقوق المرأة دون التحدث عن "الجندر" لأنه مصطلح يحمل في طيّاته معانٍ كثيرة قد لا يقصدها صاحب المصطلح بحدّ ذاته".
 
الغرب اختار هذه النظريات بسبب انتشار المثلية ولا يعرف اليوم ضرب المكابح
وتنتقد عبّود هذا الاسقاط لـ"الجندر" على الزواج المثلي فقط، وتقول: "هذا لا يعني أنني ضد المثليين لأن مجموعة عوامل قد تكون ساهمت في وصولهم إلى هذه الميول ولكن أهم أسس العائلة هي الزوجية، فإذا سوّقت لمجتمع لا يتوالد أكون ضدّ سنّة الكون وسنّة الله".
أما خويري فتشرح أنه "بعد انتشار المثلية في أرض الواقع في البلدان الغربية، أصبح المثليون بحاجة إلى ان يُعترف بهم كما هم، كأشخاص مختلفين ولا يعودوا معتبرين خارج الإطار الطبيعي. وهذا أدى إلى أبحاث أوصلت إلى اعتبار الهوية الجنسية لا تحددها طبيعة خارج عن إرادة الإنسان بل التربية والتصنيف الإجتماعي والتعريف الذي يعطيه المجتمع لهذه الهوية".
وهنا، تشدد نصر الدين على أن هذا ليس صحيحاً فـ"الهوية الجنسية تحدد منذ الولادة بحسب علم النفس"، وتطمئن إلى عدم تخوّفها من انتشار هذه النظرية في المجتمع اللبناني بشكل كبير لأن "مجتمعنا أكثر وعياً من المجتمعات الغربية لأن نواة العائلة ما زالت موجودة، أكثر مما هي موجودة في أوروبا وأميركا. فالغرب يجرّب، ويشعر بالفشل، ولكنه يخطو خطوات إلى الأمام… هو اليوم يعاني من هذه النظرية ولا يعرف ضرب المكابح". وتقول: "خصوصية مجتمعنا هو الجماعة. فأوروبا أصبحت مجتمعاً فردياً ولهذا الأمر حسنات كثيرة ولكن أبناءها خسروا دعم الجماعة. أما الشرق فيعاني اليوم من الحياة في الجماعة ولكن ما نحن فيه اليوم "أرحم بكثير"، فنحن "نرى ما يمكن أن نصل إليه إذا أكملنا طريقنا باتجاه ما يجري في الغرب، ولدينا في الوقت نفسه ضمانة القديم".
نصر الدين، التي أمضت سنوات عدّة في أوروبا، توضح أن "في الغرب اتجهوا نحو هذه النظريات لأن عدد المثليين أصبح كبيراً، ففي أميركا مثلاً، يعتبر غير المثليين في بعض المدن استثناءً، وذلك بسبب معاناة الإنسان والصعوبات في العلاقات بين الناس، وبسبب تهميش المرأة لوقت طويل"، لافتة إلى أن "هذه النظرية خرجت لكي يرتاح المجتمع لأن قسماً كبيراً منه أصبح مثلياً".
ولكنها دعت إلى التفريق بين الطبيعي وغير الطبيعي، مشددة على أنها ليست ضد المثليين ولا تحكم عليهم بأي شكل "ولكن لا يجب تغيير قوانيين الطبيعة تحت شعار القبول بهم".
 
عدد كبير من الإنتهاكات ترتكب اليوم باسم الحرية المطلقة، وقد وصلت هذه الإنتهاكات إلى المسّ بأسس تركيبة المجتمع بحدّ ذاته، غير آبهة بأن لا حريّة حقيقية إلا في إطار حقيقة الإنسان والقانون الطبيعي. فإنسان اليوم لا يريد أن يكون مسيّراً بأي شيء، ولا حتّى بجسنه، فبات يريد أن يختاره هو… ولكن مجرّد التحدث عن "الحقيقة" بات بحدّ ذاته "خطيئة" في عالم يسيطر عليه أصحاب النظريات النسبية.
وإلى حين تأخذ المدارس اللبنانية قراراً واضحاً تجاه هذه البرامج التي تدخل إلى لبنان وتتحرك قبل فوات الأوان، يبقى التعويل الأكبر على تماسك العائلات اللبنانية لحماية مجتمعنا من هذه النظريات الغريبة عنه. فليس كل ما يأتي من الغرب "متطوّرا" و"عصريّا"… ويبقى الإختيار بيدنا نحن لنقرّر أي مجتمع نريد!
 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.