الرئيسية » تقارير » أخطر رواية واقعية: كيف يتخذ حزب الله قرارات الاغتيال

أخطر رواية واقعية: كيف يتخذ حزب الله قرارات الاغتيال

 

"تحت المياه الخضراء" وفق مؤلفه رامي عليق "قصة حقيقية تستند احداثها والمعلومات الواردة فيها الى المشاهدات الشخصية وما سواها من طريق الاثبات. تمت اعادة صياغة بعض احداث الرواية بأسلوب أدبي مع الحفاظ على أقصى قدر ممكن من محاكاة الواقع. كذلك تم – لاعتبارات السلامة والخصوصية الفردية – تبديل بعض الأسماء والتفاصيل الشخصية درءاً للأخطار المحتملة عن اصحابها، دون أي تغيير للحقائق.
جرت أحداثها في عام 2008، مع ما سبقه من وقائع ذات صلة. هي تكملة لقصة "طريق النحل" تداعيات الرواية، وقعها عل المؤلف، تأثيرها في الناس. وزن كلمات المؤلف في حرب الايديولوجيات كان ثقيلاً. ماذا كانت ردة فعل "حزب الله" على "تجديفه". من كان يستمع الى رسالته، اين كان يكمن انتماءه في النهاية؟ قصة عمل تخريبي بارع. رواية من الترهيب، الطعن بالظهر، السياسة الخطرة، تأخذ بنا الى اعماق الدوائر الغامضة في السياسة اللبنانية الفاسدة، وتتبع حياة المؤلف من نشره لـ طريق النحل الى تأسيسه لـ لبنان غداً فمحاولاته الفاشلة في تشييد جسر عبر المشهد السياسي اللبناني، هي ايضا قصة حب وخيانة وخوف وأمل وقلب مفطور. مزاوجة ما بين سيرة ورواية قلما تجد كتابا واحداً يجسّدها بنجاح.
وعليق ترعرع تحت جناح "حزب الله". نما ليصبح رجلاً، ثم انتفض. خائن لـ"حزب الله" ارهابي مشتبه به للولايات المتحدة، استاذ في تربية النحل ومؤلف لطريق النحل. اين هو رامي عليق؟ اين أدت به دربه المتعرجة؟ وربما الأهم من ذلك، من كان يراقبه؟
تفاصيل كثيرة يرويها عليق في كتابه الصادر حديثاً عن "منشورات طريق النحل" ننشر منه اجزاء .
(…) في حي من احياء الضاحية، في مكان ما تحت ظلال الرايات الصفراء المرفرفة والجدران المستغلظة بصور الشهداء من الشباب اليافع، تقدمت سيارة المرسيدس السوداء منزلقة على طول الاسفلت المتصدع. كانت السيارة تتحرك مندفعة دون اي اعتبار للتوقف امام حركة المرور. أطلقت السيارة العنان لعجلاتها لتدور بتناغم مستمر مع وميض اضواء الفرامل الحمراء. جابت الشوارع بطيف من قوة هادئة، وهالة من السلطة.
على المقعد الخلفي للسيارة وداخل قمرة مربعة من الصلب الاسود ومن وراء نوافذ بنفسجية داكنة، استوى شيخ في عقده الخامس بعمامته البيضاء وعباءته التقليدية التي تدلّت فوق جسده في طيات من ابيض فضفاض يحاكي بياض لحيته الطويلة التي غطت وجنتيه وطرفاً من عنقه. كان الشيخ يحدق الى المقعد الفارغ بجانبه ويتنهد. نزع نظارته السميكة ذات الاطار الأسود بيده، وأخذ يمسح بالأخرى حاجبيه الرماديين الغليظين. عندما وضع نظارته مرة أخرى دفعها بيده الى أعلى أنفه، ثم القى نظرة متعبة على المقعد المجاور: رزمة سميكة من الورق تقبع بهدوء على جلد فحمي اللون والمظهر. تناول الرزمة وأخذ يقلب صفحاتها، مسترسلاً في قراءة بعضها، فيما كان يدفع نظارته بإصبعه الوسطى لتجاور عينيه البنيتين المرهقتين. تنهد الشيخ ثانية، بشدة هذه المرة، ثم القى بالأوراق في حضنه. اشاح بنظره عما حوله، الى الضاحية. توقفت السيارة السوداء اخيراً أمام مبنى كبير من الاسمنت ذي نوافذ صغيرة وواجهة متقشفة خلت من كل مظاهر الدفء.
"لقد وصلنا، مولانا" قال السائق بتؤدة واحترام، قبل ان يترجّل ومرافقيه لفتح باب السيارة ومعاونة الشيخ في الخروج منها والانتقال الى المبنى.
دخل الشيخ غرفة صغيرة موزعاً ابتسامة ودودة على من فيها من رجال. كان يعرفهم جيداً، جميعهم. اربعة منهم كانوا يرتدون زياً متشابهاً: عباءات بيضاء او رمادية تدلّت فوقها لحى متواضعة، باستثناء رجلين غطّت رأسيهما عمامتان سوداوان. جميعهم جالسون في الغرفة بهدوء، احتل الشيخ مقعده بينهم، ثم نظر ملياً في وجوه سائر اعضاء مجلس شورى القرار في حزب الله. أتوا من كل المناطق الرئيسة في لبنان: الجنوب والبقاع وبيروت. احد الرجلين اللذين لا يعرفهما شخصياً بشكل وثيق همس في اذن رئيس المجلس التنفيذي في المقعد المجاور له. كانت لغته العربية ثقيلة، تصارع لكنة ايرانية جاهدة لتفصح عن معنى مبين. انه باقر، قائد في الحرس الثوري الايراني وعضو في المجلس الجهادي للحزب. الآخر كان السفير الايراني. اما البقية فكانا رجلين أكملا حلقة الحاضرين: رئيس جهاز الامن (أو المخابرات) في الحزب، الحاج رضوان (عماد)، ورئيس الجهاز العسكري (والمقاومة) السابق، ذو الفقار (مصطفى). كانا وباقر في زيّهم العسكري.
كانت الغرفة صغيرة وجدرانها بيضاء غير متباهية، قد ارتدت أشعة خافتة من ضوء اصفر دخل اليها عبر نافذة ضيقة في أعلى الغرفة تطل على الخارج، ولكن لمعان الضوء سرعان ما انكسر بعضه على قماشة عجمية معلّقة، فتناثر وأضفى على الغرفة توهجاً برتقالياً ظلل وجوه الرجال. خلف الطاولة الخشبية الطويلة حيث كانوا يجلسون تدلى بساط شرقي متواضع، خيطت عليه آية من القرآن الكريم "فإن تولَّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم".
بالقرب من البساط، عُلِّق رسمان لآيتي الله الخميني والخامنئي. بدت الغرفة رطبة قليلاً، وشعر كل الجالسين بأنها معلقة في الهواء في عالم خاص بها. وحدها ابواق السيارات في الخارج اجتاحت جدران الغرفة السميكة لتكسر عزلة من بداخلها. كلّ من الحاضرين كان ملتزماً بالهدوء، وبخاصة الشيخ الذي كان يحبس انفاسه متحفزاً مترقباً.
فتح باب الغرفة على مصراعيه ليدخل آخر اعضاء مجلس الشورى. وقف جميع الرجال. السيد حسن نصرالله. خيوط لحيته البيضاء الكثيفة قد غزت سوادها فاستحالت رمادية. زادت نظارة الرجل السميكة تميّز وجهه المستدير هيبة ووقاراً، لكن خديه المنتفخين كانا كخدي صبي يغريان بالقرص. بدا اصغر الحاضرين. جلس فجلس الرجال. توسط رأس الطاولة. الصور خلفه بدت متواضعة. رمى السيد مطبوعة سميكة على الطاولة، محدثاً دوياً استباح الصمت المطبق. وضع بقية أعضاء الشورى أمامهم النسخ الخاصة بهم. افتتح السيد الجلسة بتلاوة من القرآن ودعاء. الجميع صامت. خرجت من فمه قحَّة لتؤذن لحنجرته بالكلام.
"أيها الإخوة، كما تعلمون جميعاً، قد دعوتُ الى هذا الاجتماع لمناقشة المسألة"، قال الرجل بهدوء مشيراً الى الكتاب. "أخ ذو الفقار، لربما كنت في الواقع الأكثر صخباً بيننا في المرة السابقة. هل تعمَّقتَ في موقفك؟"
"قد فعلتُ، سماحتك. لا زلتُ على موقفي. لا نستطيع أن ندع هذا الأمر يفلت من أيدينا، وافضل طريقة لضمان ذلك هي العمل بسرعة والانتهاء من القضية برمَّتها، مرة واحدة وإلى الأبد".
"وماذا حول التحضيرات اللوجستية لمثل هذا العمل؟"
"في الواقع، سيد، ونظراً لموقعنا الحالي في لبنان، ولارتباطنا المباشر بهذه القضية بالذات، فإن أمامنا خيارات عديدة بشأن كيفية التنفيذ".
"وضِّح أكثر لو سمحت".
"أعني نستطيع الوصول اليه بكل سهولة ويسر! وبالتالي يمكن تنفيذ الامر بهدوء تام. رصاصة واحدة، إذا فضَّلتم ذلك. في سريره على سبيل المثال؛ ضربة هادئة حين ينام. ليس من الضروري أن تثار أي ضجة. يمكن تولي هذه المسألة في الظلام بضربة واحدة سريعة".
أومأ نصرالله برأسه.
"لكن إذا كنتم تودّون سماع رأيي الخاص"، أضاف ذو الفقار منقياً حنجرته، "أعتقد أن هذه المسألة هي أكبر بكثير مما تبدو. على ضوء نقاشاتنا السابقة ولا أستطيع الجزم بأن الجميع يوافقني الرأي – فإن هذه القضية تشكّل تهديداً مباشراً لكثير مما أنجزناه معاً حتى الآن!" رفع الرجل نسخته من المطبوعة وأكمل، "هذا أمر غير مسبوق، وآخر ما نحتاج اليه هو أن تُثار مجموعة مماثلة لقضايا كهذه. لا يمكننا أن ندع الناس تعتاد على معرفة أمور حميمة بالنسبة الينا، أناسنا على الأخصّ، لا بل كل الناس في لبنان، دون أن نضع حداً لذلك. على الجميع أن يعرف أننا لا نتسامح مع هذا النوع من القضايا". ركّز الرجل نظره على نصرالله وتابع، "ما يصوّرك به هذا العمل، سماحتك، هو بحد ذاته فعل مُدان يستتبع إنزال أقصى عقوبة بمن قام به. الموت! إنه تجديفّ".
كان الشيخ ينصت بانتباه شديد الى كلمات ذو الفقار، وكان يراقب تعابير وجهه عندما يشتدّ خطابه ويزداد حماسه. شَعرٌ جاف، قصير داكن، يعلو وجهاً مستدقاً، كالح الملمح ذا خدين نحيلين طُرّزا بلحية رمادية خشنة، خطوط من الأسود والأبيض تصل الى الرقبة؛ وجه زاد من قساوته عنف سنوات طويلة قاد فيها عمليات حزب الله العسكرية. كان الرجل يتحدث بصوت عربي أجشّ يزداد خشونة حتى لكأنه زعيق يتردد صداه في الغرفة البيضاء المتواضعة.
"ما الذي تقترحه" سأله نصرالله.
"شيء ابلغ، سيد، شيء يأخذ به شعب لبنان علماً ولا ينساه. متفجرات، إخواني. دراما!" رفع قبضة يده التي كان يمسك بها رأس عصاً غليظة يتوكّأ عليها حين يسير إثر إصابته بقذيفة هاون مزّقت بطّة قدمه أثناء غزو الجيش الاسرائيلي لبيروت وضرب بها الطاولة البنية، فاهتزّ سطحها اهتزازاً سَرَى دبيبه في أوصال يدي الشيخ المشبوكتين عليها. شعر الشيخ بشيء من الخوف والهلع الصامتين. "علينا أن نجعل الأمر أنموذجاً لمن يعتبر. علينا أن نري الناس أن هذا النوع من التصرف، هذا النوع من التفكير، غير مسموح به في لبنان. علينا أن نُسكت هكذا تفكير قبل أن ينمو ويتكاثر، ويقوّض كل شيء حاربنا من أجل إنجازه. هذا ما أعتقد، إخواني. إن هذه المسألة لا تعتبر تهديداً لنا فحسب، لا، بل فرصة. خطوة واحدة صغيرة من جانبنا، عبوة مزروعة بإحكام، كفيلة بإنهاء هذه الحالة وسواها من حالات محتملة" أخذ المطبوعة بيده مرة أخرى وأكمل، "أؤكد لكم، أيها الإخوة، أنه إذا خرج هذا الامر عن سيطرتنا فسوف تنشأ حالات مماثلة في المستقبل".
أطرق نصرالله برأسه متفكراً، ثم خاطب رجلاً آخر الى جواره.
"وأنت يا حاج رضوان، ماذا تقول؟"
"أشارك الأخ ذو الفقار وجهة نظره، وأوافقه الرأي في أن الامر برمته جدّ بسيط من الناحية التنفيذية. أيضاً فإن مثل هذا العمل من وجهة نظري، أعني أمنياً، لا يحتاج الى التفكير كثيراً. كما قال ذو الفقار، عبوة صغيرة تكفي. يمكننا زرعها دون ترك أي أثر يذكر، وننأى بأنفسنا عن تحمّل أي مسؤولية جرّاء ذلك. لكن في نهاية المطاف، سيعرف الناس بدون أدنى شك أننا من قمنا بهذا العمل، وبإذن الله، سيُدركون ثمن إهانة حزب الله. غير أن مزيداً من التمحيص قد يرشدنا الى سبل أخرى"، قال رضوان بهدوء معهود.
تنحنح الشيخ في كرسيّه. تصبّب عرقاً، وتقطّر جبينه وحاجباه. تفحّص بقية أعضاء مجلس الشورى ملتمساً بترقب بالغ أن يبادر أحد منهم الى الكلام. عضّ بأسنان مرتجفة أسفل شفته.
"أخ باقر، هل راجعت الإخوة في طهران بخصوص هذه المسألة؟".
"لقد فعلتُ، سيد"، قال باقر بلكنة بدت وكأنها تكفَّلت بتدوير زوايا كلماته. 
"طهران تؤيّد تماماً كل ما يراه المجلس مناسباً حيال هذا الامر. بملء الثقة".
أومأ نصرالله برأسه ثم قال، "حسناً، على ضوء ما سمعنا أراني متفهماً لما يراه الأخ ذو الفقار والحاج رضوان اللذان سيعملان على تحديد تفاصيل الموضوع. إذا لم يكن هناك أي رأي آخر، فإنه على ما يبدو قد تمّت تسوية هذه المسألة".
ثنى الشيخ حاجبيه، وحرّك رقبته يميناً ثم شمالاً وعيناه تحدّقان في أوجه الحاضرين. كان لا يزال ينتظر أن يتكلم أحدهم، لكن أحداً لم ينطق بحرف. العرق حوّل جبينه الى مرآة تسرّب اليها الضوء البرتقالي المتسلل من النافذة. تأمل الوجوه ثانية ثم أطلق لفمه العنان.
"إخواني، من فضلكم، انتظروا". ساد الغرفة صمت متوجس. "لعلنا بحاجة الى أخذ المزيد من الوقت، ربما لدراسة تداعيات فعل كهذا من قِبلنا، على ضوء الآثار المحتملة المترتبة عليه".
تبع كلمات الشيخ هذه وجوم ثقيل.
"الأخ الشيخ، هل ترى المسألة برمتها بشكل مختلف عمّا رآه الرجال؟"، سأل نصرالله.
"ليس هذا ما عنيته، سماحتك، ولكنني أعتقد أننا بحاجة الى أن نتذكر دوماً أننا حزب الله، حزب الأمة، وأن لا نغفل عن أن الله غفور رحيم". ألقى الشيخ كلماته وشعر بأن أعين كل الحاضرين كانت تنظر اليه شزراً، وكأنها تقطّعه إرباً بحدتها، حنقاً عليه أو اندهاشاً مما يقول. ركّز ناظريه على نصرالله في وسط الغرفة، لكن طرفي عينيه كانا مشدودين باتجاه وجه لم يرَ منه إلا قساوة ازدادت بعد إطالة في التفكير. ذو الفقار. تسللت ابتسامة مقتضبة الى وجه نصرالله.
"هذا مثير للاهتمام، الأخ الشيخ، هل يمكنك أن تشرح أكثر؟"
تنفّس الشيخ ثم أضاف، "بكل تأكيد، ولكن أرجو ألاّ يُفهم ذلك وكأنه تقليل من شأن القضية المطروحة أمامنا". التفت بنظره هنيهةً باتجاه ذو الفقار وأكمل، "أنا لا أقول أن مثل هذا العمل، هذه الاهانة، ينبغي ألا يمرّ دون عقاب".
"أرجوك تابع"، أشار نصرالله.
"أشعر فقط أننا بحاجة الى توخي الحذر. الى استعمال عقولنا التي وهبنا إياها الخالق عزّ وجلّ عند التفكير في أمر كهذا. معظمنا هنا واكب الحزب منذ تأسيسه، ولقد مررنا بمحطات عديدة، تارة صعوداً وأخرى هبوطاً، كل ذلك بإذن الله. ما أود قوله هنا هو أننا أصبحنا أكثر من مجرد حركة جهادية مقاومة. لقد تجاوزنا حتى الحدود الاولى التي رسمناها لأنفسنا. نحن نصنع التاريخ الآن، وأعتقد أنه علينا التخلص من بعض التصرفات الخشنة التي تماشت بانسجام مع عقلية العسكر البحتة. في ظل حكمتكم الوافرة، سيد، وحكمة الذين سبقونا، أصبحنا قوة لا يمكن لأحد الاستهانة بها، لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً". نظر الشيخ الى المطبوعة أمامه وقلّب بيده بعض صفحاتها ثم أكمل، "من خلال دعمنا للمستضعفين استمرت مقاومتنا، وكان معها صمودنا وانتصارنا على الصهاينة في العام 2000 و2006، وحزب الله الآن هو على عتبة انتصارات أخرى، سياسية كبرى، على عتبة الفوز بأغلبية برلمانية في انتخابات العام المقبل، وعلينا أن نأخذ في الحسبان كل ما سوف يعنيه ذلك بالنسبة للحزب، ما سيعنيه ذلك بالنسبة الى جدول أعمالنا الحافل. كل ذلك كان وسيبقى بعين الله. بقليل من التأمل في موقف الأخ ذو الفقار على ضوء ما ذكرتُ، سنرى أنه من الأفضل التمعّن في التداعيات المحتملة لهكذا قرار دموي".
"سماحتك!" هزّ ذو الفقار برأسه معترضاً، باعتداد ظاهر بالنفس. "مع فائق الاحترام لكل الحاضرين، هذا هو اجتماع الشورى الثالث الذي عُقد لمناقشة هذه القضية! أعتقد أن وقت النقاش الفكري قد انتهى! كلما صرفنا مزيداً من الوقت في دراسة وتمحيص هذه المسألة كلما اقتربنا أكثر من فقدان السيطرة على الموضوع. لا نستطيع أن ندع هذا الامر يفلت من أيدينا!"
رفع نصرالله كفّه موحياً بضرورة الصمت.
"أيّ مسارٍ بديل تقترح لمعالجة هذه المسألة، الأخ الشيخ؟"
"حسناً، أنا أتفق مع الأخ ذو الفقار بأن القضية المطروحة أمامنا هي ليست مجرد تهديد بالنسبة الينا، لا بل فرصة. ولكنها على وجه التحديد فرصة لحزبنا للتميّز في نظر العامة عشية صعوده الى المجد، بإذن الله، ليس في نظر جمهورنا الشيعي فقط، فهم قلباً وقالباً الى جانبنا، وفي قبضتنا، بل في نظر الآخرين من مؤيدينا الذين رفعوا رايات نصرنا الإلهي في تموز من العام 2006، مسلمين ومسيحيين على حد سواء. إننا بأمسّ الحاجة الى أن نقدّر هذه المظلة الواسعة من الدعم، والى تحديد مدى أهميتها في قراراتنا، وبالأخص الصارمة منها".
"الأخ الشيخ، آسف للمقاطعة"، قال أحد الحاضرين. "أرى وجهة نظركم هذه، ولكنني لربما لست من دعاة القول ببساطة بأن الشيعة هم كلهم في قبضتنا. فلا يمكننا تناسي أن ما تم تحقيقه على مستوى الساحة الشيعية أتى ثمرة للجهود المتواصلة وانجازات المقاومة العظيمة. إن مثابرتنا في العمل، وخصوصاً عندما اقتسمنا هذه الساحة مع حركة أمل، هي التي آتت أكُلها، لنصبح المسيطرين بلا منازع. ناهيك عن أن كل ذلك لم يكن ليتحقق بين عشية وضحاها، بل تطلّب يقظة مستمرة وتضحيات ودماء. صحيح أنه كتاب في نهاية المطاف، ولكنه كأي مرجع يحمل أفكاراً تجعله سلاحاً ذا حدين. لذلك لا يمكننا توقّع كل ما سيخلّفه هذا الكتاب الصغير من أثر سلبي علينا".
الجميع كان آذاناً صاغية.
تابع الرجل، "ما أعنيه، الأخ الشيخ، هو أننا لسنا نتعامل مع الجمهور الشيعي نفسه الذي كان في الثمانينات وقت تأسيس الحزب. إن جمهور هذا الكتاب، الجمهور الذي يدعونا للشعور بالقلق، هو بالتحديد الجمهور الشيعي. كما لاحظتم أيها الإخوة، إن هذه الجرأة البالغة في التهجم على الحزب، هذا النوع من الاهانة لم يسبق أن شهدناه على الاطلاق، ولا يمكن لأحد منا التنبؤ بردة فعل الناس، مباشرة أو بعد حين". ركّز الرجل نظره على الشيخ وأكمل، "لقد كنتم أيها الشيخ موضع تقدير دائم بالنسبة إليّ، وأنا شخصياً شهدتُ على ما وفّرت لنا حكمتكم من تصويب للعديد من قراراتنا، وإنني أؤكد لكم بأنني أتفهم قلقكم بشأن الدعم الذي تؤمنه قاعدتنا العريضة. لكنني أؤكد أيضاً أن آخر ما نحتاج اليه هو افتعال ضجة في قاعدتنا الأكثر واقعية، عنيت الشيعة. ببساطة، أشعر بالعجز عن التفكير في أي وسيلة نرى من خلالها جماعتنا بأننا لا يمكن أن نتسامح مع هذا النوع من التفكير. ليس لدينا خيار إلا الوقوف بوجه هكذا جريمة وإسكات مرتكبيها. اعذرني إذ لا أرى نفسي إلا على توافق مع ما اقترحه الأخ ذو الفقار. إنها فرصتنا لجعل الامر برمته مثالاً يحتذى به وعبرة لمن يعتبر!"
"مثالاً وعبرة"، قال الشيخ بشيء من التأمل في معنى هذه العبارة. نظر الى الرجل بعينين ملؤهما اتهام صامت له بمحاباة ذو الفقار، مرّت به لحظة وجيزة تمنّى لو انه لم يتكلّم على الاطلاق. ماذا لو التزم الهدوء ولم يفتح فاه أبداً، كما هي العادة بالنسبة إليه، وإلى الكثيرين أمثاله، فتُسوّى المسألة وهي خارجة عن يده تماماً؟ ألقى الشيخ نظرة الى المخطوطة السميكة أمامه فصعّد زفرة ملؤها الأسى. “مثالاً على ماذا؟ على ماذا بالتحديد يا إخواني؟ ألا ترون ان الحزب يخطو خطوات مهمة إلى الأمام، خصوصاً عشية الانتخابات القادمة وهل يعني اننا هنا في لبنان قد فقدنا كل وسائل الإسكات، أو الاحتواء تجاه حالة كهذه ولم يبقَ لدينا سوى تجارة الموت؟!".
غرقت الغرفة في هدوء تام. لم يجرؤ أحد على التلفظ بكلمة. "لعلّكم يا اخواني قد أسأتم فهمي ايضاً، فأنا أيضاً أدعو إلى احتواء القضية وإسكات صاحبها. فليكن ذلك واضحاً للجميع. ولكني أتحدّث هنا بالذات عن التعامل مع المسألة خارج إطار سياسة القتل. أنا أنشد قتلاً أكثر نظافةً، وفاة أكثر هدوءاً. الموت الذي يتطلّب رصاصاً أو متفجرات، أو أياً من هذه الأعمال الصاخبة على الإطلاق. قتلاً للمصداقية، إذا أراد إخواني الاستماع".
"تابع، من فضلك"، أشار نصر الله.
واصل الشيخ حديثه، "ما عنيته، سيّد، هو اللجوء إلى إسكات الرجل وفقاً لخطة مدروسة، تبيّن للجميع، جمهورنا الشيعي وسواه، ان حزب الله يمكن ان يتسامح مع سلوك كهذا. لماذا لا نري مؤيدينا، وحلفاءنا الجدد، اننا على الأقل منفتحون على الحوار والاختلاف في الرأي". صمت الشيخ لبرهة كي يقلّب بيده صفحات المطبوعة. "لو افترضنا جدلاً انه ليس في مقدورنا وقف هذا الأمر باسلوب مدني، لم لا ندعه يحدث. نعم، لندعه يحدث كي نظهر للناس ليس فقط اننا نتقبّل مثل هذه الانتقادات، لا بل ان الحزب هو كلياً فوق مثل هذه الاداعاءات. أخشى ان المسار الآخر لن يكون إلا كوضع الوقود على النار لإخمادها. إذا كنتم تريدون ان تكون هذه القصة على كل منضدة وفي كل مكتب في لبنان، فإن كل ما نحتاجه هو قنبلة واحدة موضوعة بإتقان".
"سماحتك!" كلمح البصر ضرب ذو الفقار بقبضته على الطاولة. ابتلع الشيخ ما في فمه من ريق متحسباً. "أخشى ان يكون الأخ الشيخ قد ترك حياته الشخصية وصداقاته تؤثر في رأيه. ما يدعو إليه الشيخ كردّ من قبلنا هو، فعلاً، أن لا يكون لدينا أي ردّة فعل على الإطلاق! لا يمكننا تقبّل هذا النوع من التفكير، خصوصاً اذا أتى من أحدنا. علينا، وبسرعة، اسكات هذه القضية برمّتها. سماحتك، لا يسعنا ان ندع الأمر يفلت من أيدينا!".
ما ان رفع نصر الله يده حتى استدرك ذو الفقار نفسه، فعضّ على شفته واستعاد رباطة جأشه وخفّ احتقان وجهه.
"الأخ الشيخ، لزميلك وجهة نظر في ما قال. يبدو انك تركّز على الجانب الذي نظهر به في علاقاتنا العامة أكثر من غيره. لا شك اننا ممتنّون لحكمتكم ومستأنسون برأيكم في هذه المسألة، لكنني أشعر بشيء من التهاون فيما تطرحه من معالجات، أو في طريقة التعاطي مع الأمر. كما تعلم، وكما قال بعض الأخوة، فإننا لم نر قط من قبل شيئاً من هذا القبيل. لا أحد. وليس بقلم من أقلامنا. وليس في مقدورنا أيضاً توقّع ما قد ينتج عن هذه القضية. شخصياً، أفضّل أن نتوخّى الحذر، وأن لا ندع الأمر يخرج عن أيدينا. ما تقترحه أيها الأخ الشيخ يحمل في الأفق اشياء مهمة لحزبنا، وإن شاء الله، فإننا سوف نصل إليها في الوقت المناسب. لكن في الوقت الراهن، علينا الحفاظ على كل ما انجزناه، ودون أية خسارة".
في كرسيه، دفع الشيخ بقامته الى الخلف، وقد كان على وشك أن يترك الأمور تسير في مسارها، لكنه اختار ان يضع حداً لإغواء نفسه له بالصمت عندما هزّ برأسه وشبك يديه بلطفٍ على الطاولة.
"إخواني، أرى أنكم أسأتم فهمي، وكأنني دعوت إلى عدم التصدي لهذه القضية المهمة بكل ما تتطلبه من تركيز، فأنا لا أقول البتة اننا يجب ألا نفعل شيئاً. إنكم على صواب، سماحتك، وكذلك أنتم، الأخ ذو الفقار، فنحن بدون أدنى شك بحاجة الى احتواء هذا الوضع وبقدر ما نستطيع، وإلى إسكات مصدر هذا الاضطراب. سؤالي الوحيد هو متى أصبح هذا الاسكات مرادفاً فقط لأخذ قرار بإراقة الدم؟" نظر الشيخ الى رضوان وواصل، "بالتأكيد يتفق معي الحاج رضوان بأننا نمتلك وسائل اكثر لطفاً، واكثر هدوءاً لإسكات أحدهم. طرقاً بديلة، إذا صح التعبير. أليس كذلك يا حاج رضوان؟"
"بالتأكيد". أومأ رضوان برأسه. حكّ الرجل بإصبعه لحيته المشذّبة بعناية، وكأنه يزن كلام الشيخ بشيء من التفكّر. ركّز الشيخ نظره على رجل ممتلئ الجسم، مدركاً ما آل إليه من الخبرة والحكمة. لفتت عيني الشيخ رقعت من شعر رمادي كثيف كان تتدلّى أسفل ذقن رضوان، وكأنه يراها لأول مرة. أمام الشيخ كان يجلس رأس الجهاز الأمني في الحزب، لم يكد الشيخ نفسه يعرفه بحلّته الجديدة. عندما أكمل الرجل حديثه بصوت عذب مصقول وهدوء تام، تراءى للشيخ، بشيء من المفارقة، كيف ان الرجل، رضوان، كان الشخص الوحيد الذي تفهّم موقفه، ولعله كان المستمع الوحيد.
"ان انتصاراتنا الأخيرة وجهودنا المستمرة قد أوجدت لنا العديد من الأصدقاء داخل لبنان". نقر رضوان بأصابع يده على الطاولة البنيّة، ليضيف شيئاً من النغم إلى صوته الصادح في أرجاء الغرفة. "في الحقيقة، لدينا مجموعة متنوعة من الوسائل والوكلاء والأجهزة لتحقيق الأمر. وجود اصدقائنا، القدامى والجدد، يقدّم لنا فرصة لسيناريو جيّد. نوع من السيناريوهات التي لا تتطلب أي تعقيدات أو عنف". توقّف عن قرع أصابعه، وتبع ذلك لحظة طويلة من الهدوء. "هذا السلوك الصامت سيعود علينا بنفع كبير وهو غاية في اللطف، وهو لا يقل فعاليةً عن أي عبوة ناسفة".
أومأ نصر الله برأسه استحساناً.
"سيّد، لو سمحت لي بالحديث. إذا لم يكن العنف المباشر، كما يشير الحاج رضوان، ضرورياً لهذا النوع من الاحتواء، فقد يكون من الحكمة الالتفات الى الصورة المثلى التي سوف نظهر بها أمام الجميع. أقولها مرة اخرى، إننا نقف قاب قوسين أو أدنى من الفوز بأغلبية برلمانية بعد سنة من الآن تقريباً. هل كنا نتخيّل ان ينعم الله علينا بما هو أبعد مما كان لأي منّا أن يتصوّره أو يحلم به؟ أليس من قلّة الدراية أن نلقي بأي من ذلك بعيداً عنا، عبر الإساءة إلى ما في حوزتنا؟ إذا كنّا نملك إسكات معارضينا بوسائل شتى، فلماذا التأثير على صورتنا عبر اتّباع الوسيلة الأعنف فقط؟"
"لقد عرضتم وجهة نظركم، الأخ الشيخ، بشكل جيّد وحكيم. حاج رضوان، أنا على ثقة تامة بأنك قادر على وضع خطة عمل بشأن هذه المسألة عبر وسائلك البديلة، أليس كذلك؟"
"نعم. بالطبع، سيّد."
"على ضوء ذلك، فإن هذه المسألة قد سُويّت"، قال نصر الله بحزم.
تنفّس الشيخ الصعداء. أصبح الضوء البرتقالي المتسلل إلى الغرفة داكناً لبرهة أحس بشيء من الارتياح في فضاء الغرفة الثقيل.
لم يرق الأمر لذو الفقار. "هكذا إذاً"؟ هز الرجل برأسه. "في خضمّ كل ما حققنا معاً، لقد نسينا كيف وصلنا إلى القمة. بالله عليكم، هل سلكنا طريق الضعف واللين؟ هل هذا هو سبيلنا، نحن في حزب الله؟ هل كان هذا سبيل المقاومة؟ّ!"
"الأخ ذو الفقار، لا تحسبن هذا ضعفاً على الاطلاق. بل هو تواضع (ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً، ان الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك، ان أنكر الأصوات لصوت الحمير). الأفضل لنا أن نتجنب كل فائض في استعمال سلطتنا، وخصوصاً عندما لا يخدم ذلك رزنامة أعمالنا"، رد نصر الله.
"سيّد…"
"الأخ ذو الفقار، دع المسألة تقف عند هذا الحد. لكنني اؤكد لك، ولجميع الحاضرين، أننا سنأخذ اقتراحك بعين الاعتبار في حال لم تفلح وسيلة الإسكات السلمية بلطف. في حال،" رفع نصر الله بيده المطبوعة، "خرج هذا الصوت أو صداه عن حده، فإنه عندها، وأنا أعدكم أياه الإخوة، لن نتردد في القيام بإسكات مدو".
لم يأت أحد بكلمة بعدها. مرة أخرى، كسر صوت أبواق السيارات جدار الصمت المخيم في الغرفة. نظر الجميع الى نصر الله الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة قصيرة. أخذ الشيخ نفساً عميقاً.
ختم نصر الله: "إذاً لقد تمت تسوية هذه المسألة".
 
 النهار
 
 
 
 
 
من هو رامي عليّق؟
 
 رامي عليق قيادي طلابي سابق في حزب الله، وصل إلى مستوى الصف الأول والمسؤول الأول عن طلاب الحزب في الجامعة الأميركية في بيروت.
 
مقتطفات من كتابه الأول موضوع غضب "حزب الله" يوضح فيه طريقة دخوله الى الحزب وما حصل معه : 
"إذا نظرنا إلى التاريخ القريب، نجد أننا في الجنوب، وفي لبنان كله، كنا وما زلنا وقوداً لكل الحروب الدائرة على أرضنا؟ ألم تضع الحروب والنـزاعات مجتمعنا في وضع غير مستقر، يتعرض أهله للاستغلال والتشرد والقتل،وكأن ذلك هو مصيرهم الموروث؟"
لماذا نضطر عند كل حرب ومأساة إلى الاصطفاف وراء ساسة لا يجروننا إلا إلى مزيد من الانغلاق والعزلة، في وقت نتوق فيه إلى الانفتاح والتواصل مع الآخر، كما عودنا على ذلك آباؤنا وأجدادنا؟ لماذا جرى إحلال التطرف والانعزال اللذين غذتهما سياسات المحاور الإقليمية محل لغة الاعتدال والانفتاح الديني التي كانت سائدة، فبتنا نشعر بأننا لسنا سوى ضحايا عمليات التآمر علينا، المفبركة بإتقان والمربوطة زوراً بتاريخنا الديني)).
((بعد الفرص والموارد التي أتيحت لنا للعلم والثقافة والإبداع لماذا لا نستغل ذلك كله في سبيل تحقيق قدر اكبر من الرخاء الاجتماعي والاقتصادي؟ لماذا يلازمنا شعور بالانكفاء عن كوننا جزءاً لا يتجزأ من بنية هذا الوطن ومؤسساته على الرغم من توافر كم كبير من الطاقات البشرية الجديدة بيننا؟؟ ولماذا بقيت مقاليد أمورنا بيد حفنة من الأزلام الفاسدين الذين قدموا أسوأ النماذج في تمثيلنا في السلطة؟ ألم نكن نعاني، نحن الجنوبيين كغيرنا من اللبنانيين من سطوة الوجود السوري وطغيانه قبل الانسحاب الأخير؟
((ألم يكن وجود العمال السوريين بشكل غير منظم عبئاً يومياً على اليد العاملة اللبنانية يتردد صداه بين أفراد أسرنا؟ لماذا نختار أن نصطف وراء هؤلاء الذين يجروننا إلى المزيد من التطرف في مواقفهم عبر إطلاق شعارات رنانة تدغدغ عواطفنا؟ لماذا صرنا نتحرك وفق خطاب يحاكي لغة العصور البائدة، فيتم تكريس مقدسات ليست مقدسة، ويحل جو من الإرهاب الفكري محل أجواء النقد الفعال)).
((هذه التساؤلات وغيرها الكثير طغت على أحاديثنا التي امتدت لشهور، وما تزال، وقد أعادتني بالذاكرة إلى لحظات مؤثرة مررت بها إبان الانخراط في العمل الحزبي)).
((لا أنسى لحظة التقيت احد الأصدقاء المسؤولين في حزب الله، منذ أكثر من عقد خلا، بعد عودته من دمشق ساخطاً، إذ قال بأسى: ((وكأننا لم نوجد إلا لنموت في الجنوب))، تعبيراً عن تأففه من طبيعية الدور الذي يقوم به الحزب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي)).
((كذلك لا أنسى حديث مسؤول آخر حينذاك عن ضرورة وضع سلاح الحزب في إطار مؤسساتي حزبي واضح، وعدم تركه تحت سيطرة أفراد من العسكر يمكنهم التفرد بقرار استعماله)).
((ولا أنسى كيف رفع مسؤول آخر صوته معترضاً على التحالف مع المسؤولين السوريين، الذين لا يؤمن جانبهم، ولا يتمتعون حتى بالحد الأدنى من الأخلاقية والاحترام في التعامل مع الآخرين، ولا ينفكون ينهبون ثرواتنا،وغير ذلك مما يصب في الخانة نفسها)).
((كفانا ذوباناً في أولويات الآخرين ومصالحهم بعيداً عن اعتباراتنا الوطنية والاجتماعية، والتي لا يصح إلا أن تأتي من كوننا امتداداً لبعضنا البعض)).
ملخص الكتاب : 
رامي علّيق من بلدة الخيام في قضاء مرجعيون في الجنوب، والده من بلدة يحمر في النبطية من أسرة تعمل في الزراعة، والده تخرج من المعهد التابع لوزارة الزراعة درس في معهد الهندسة الزراعية في جامعة دمشق، أرسلته وزارة الزراعة اللبنانية بعد تقديره العلمي الممتاز إلى مصر ليحصل على تقدير ممتاز كاختصاصي في تنمية المجتمع.. اهتم ضمن اختصاصه عملياً بتربية النحل وتلقى مساعدة مهمة من زوجه في هذا الحقل.
أما والدته فقد ولدت في بلدة كفر تبنيت المحاذية ليحمر وهي أيضًا من أسرة ريفية، تزوجت وهي على وشك إنهاء دراستها الثانوية، وعاشت مع بعلها بعد الزواج في بلدة مرجعيون المسيحية.
أبصر رامي النور في مرجعيون، لكنه كان في الرابعة من عمره حين هجرت عائلته البلدة المسيحية بسبب قربها من فلسطين حيث الاعتداءات اليومية للكيان الصهيوني على الجنوب وأهله.. فضلاً عن انفجار الحرب الأهلية في تلك الفترة مع ما صحبها من فرز سكاني بين المسلمين والمسحيين أولاً.. وبسبب هذه الحرب تنقلت عائلة رامي بين بلدات يحمر وكفرتبنيت والنبطية وزفتا، وتعددت المعارف والجيران مما لم يترك له ((صحبة طفولة)).
 
 
 
أول صدمة:
 
 
 
أول صدمة تلقاها رامي في الطريق إلى المدرسة عندما تعرض مع والده لحاجز لحركة فتح بين قريتي جباع حيث استقر لفترة وعين بوسوار، نتج عن تلاسن حصل بين الأب وعناصر الحاجز وتم اقتياده إلى مركز مجاور ليعود ويعلم الجميع أن الوالد اشبع ضرباً من المسلحين الفلسطينيين.
 
 
 
أول درس:
 
 
 
درس رامي في صيدا وتلقى دروساً دينية خلال دراسته الحديثة وتعلم أداء الصلاة والشعائر الدينية كما يقول على الطريقة ((السنية)) ولما كان والده يصلي مسدل اليدين سأله لماذا لا يضم يداً فوق الأخرى كما علمته مدرّسته التي كانت ترتدي غطاء الرأس في مدرسة صيدا، أعطاه والده أول درس في عدم التفرقة: ليس مهماً كيف تصلي لأن الله يقبل الصلاة بأي من الطريقتين.
الاجتياح والأرز والحلوى:
خلال إقامة أسرة رامي في عين بوسوار حصل الاجتياح الصهيوني عام 1982 وشعر الطفل والسكان يتفرجون على الطائرات الصهيونية تقصف القرى ومراكز المنظمات الفلسطينية أن الجميع كان يتوق إلى رؤية المسلحين الفلسطينيين يرحلون عنهم بعد أن عاثوا في الأرض فساداً عبر الاعتداء على حريات الناس، وفرض الاتاوات واحتلال البيوت، وإقامة الحواجز المسلحة على الطرقات،والتجول بالسيارات العسكرية للمسلحين وإطلاقهم الرصاص بين الناس، ناهيك عن التحكم بمقدرات البلد وسلب استقلاله وثروته، وهذا ما يفسر حسبما كتب رامي علّيق ربما مشهد بعض الأهالي ينثرون الأرز على الدبابات الإسرائيلية لدى مرورها بمحاذاة بيوتهم.. وكان الأطفال يتقدمون باتجاه هذه الدبابات ليحصلوا على قطع اللبان والحلوى من الجنود الإسرائيليين.
امل ثم حزب الله:
بعد مرور سنة على الاجتياح عادت أسرة رامي إلى النبطية ليستأجر والده مسكناً في حارة المسيحيين القريبة من المدرسة، فكان معظم أصدقائه من أهل الحارة، عام 1983 كانت حركة أمل تسلمت زمام المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد أفول نجم المنظمات اليسارية اثر إخراج المنظمات الفلسطينية، وفي الفترة نفسها ظهر حزب الله إلى العلن للمرة الأولى في تظاهرات جرت في بلدة جبشيت وفي ضاحية بيروت الجنوبية.
يقول رامي:
شاهدت صور التظاهرات في الصحف ومنها صورة لامرأة تغطي نفسها بالكامل بعباءة سوداء، علقت الصورة في ذهني لأنني لم أكن قد شاهدت شيئاً مماثلاً من قبل، وكان لافتاً في تلك التظاهرات وجود نساء بالشادور الأسود، وشعارات تشيد بالثورة الإسلامية في إيران، الأمر الذي اعتبره معظم الناس ظاهرة غريبة عن مجتمعنا اللبناني في الجنوب في تلك الفترة، كما فهمت من كلام جيراننا وبعض الأساتذة في المدرسة، وبعض رفاقي الذين رددوا ما تناقله أهاليهم.
التفرقة :
يكتب رامي ((أثناء اللعب مع أولاد اسر شيعية مقربة من حركة أمل، كنت اسمع عبارات تفيد بأن المسيحيين عملاء للإسرائيليين، كان قسم من هؤلاء الأولاد رفاق صفي في المدرسة)).
((وكان لهذا الجو الإعلامي المشحون بالتوتر وأعمال العنف والقتل والتصفية الجسدية للمتعاملين مع إسرائيل، والتي تناقلتها الألسن، ومن تظاهرات ومظاهر مسلحة لعناصر حركة أمل، أن دفع بنا إلى إظهار حماسة لما تمثله الحركة على الساحة الشيعية، أدت بنا عام 1984 إلى اعتبار إدارة المدرسة الإنجيلية وأساتذتها المسيحيين عملاء لإسرائيل)).
انعكست هذه الثقافة البدائية على حماس دفع رامي ورفاقه عند نهاية العام الدراسي إلى رشق زجاج المدرسة بالحجارة لتهشيمه وإرعاب من كان داخلها، والهرب بعد ذلك لتقييم ما حدث ثم لحضور شريط عن المستضعفين يتناول حياة الإمام الخميني.
كذبة :
يعترف رامي بعد أن جاء مدير المدرسة منذر انطوان إلى والده يشكو له ما فعله غير مصدق، انه كذب وانه ظل يعاني عقدة الذنب تجاه هذه الكذبة حتى الآن، ومع هذا بعد أن علم والدي بالأمر وضربني صممت على تمسكي بموقفي يومها كان والداي شديدي الاعتدال، وكنت أنا مشدوداً إلى ما يجري من أعمال عسكرية وعنف وأصوات دوي الانفجارات والمدافع وتشنجات كلامية وفعلية ومفردات لغة الحرب والعنف، ومع هذا حافظ رامي على صداقاته مع المسيحيين.. إلا أن مظاهر التزامه الديني في الملبس وطريقة التعاطي مع الآخرين والتحدث معهم دفعت إدارة المدرسة إلى طرده بعد انتهاء امتحانات آخر السنة.
بلغ رامي 13 عاماً من عمره فبدأ يقضي أوقاتًا متزايدة في الجامع تأثر ببعض الأصدقاء دون أن يمنعه هذا من المحافظة على صداقته مع أهل الحارة من المسيحيين. وبدأ نفوره من ممارسات حركة أمل وتجاوزات عناصرها ومنها إطلاق أحدهم النار على شاب آخر على مسبح الغازية حيث كان رامي مع أهله.
بدأ رامي التشدد داخل منـزله بمنع المسكرات والاستماع إلى الموسيقى والأغاني بحضوره، وضرب شقيقته ابنة العاشرة بسبب ارتدائها سروالاً من ((الجينـز)).
تقليد الخميني:
باكراً قلد رامي عليق الإمام الخميني كمبدأ شيعي في تطبيق نظرية ولاية الفقيه وكان يراجع المشايخ في أصغر التفاصيل وأدقها.
تعلم رامي في المسجد أن أهل الكتاب، مسيحيين ويهوداً، هم نجسون ويجب تطهير الجسد حالة ملامسة أحدهم.. ومع استمراره في اللعب مع زملاء مسيحيين فإنه طلب منهم مرة أن يبعدوا عنه بعد أن لمسه أحدهم وأن يلعبا معه بلا ملامسة.
إلى هذا تلقى رامي في المسجد أن أموال المسيحيين واليهود وأعراضهم مباحة لنا لكونهم من غير المسلمين، فغزا أشجار الاكي دنيا لأنها في أرض المسيحيين.
زواج المتعة:
اقترب رامي من صبايا مسيحيات بقصد زواج المتعة.. مع أي واحدة منهن تنفيساً عن كبت جنسي، ويقول إن ما تعلمه من الجامع أن زواج المتعة هو زواج مؤقت تحدد مدته قبل إجرائه.. وأن المتعة حلال للرجل المسلم مع الفتيات من أهل الكتاب ومع المسلمات الأرامل أو المطلقات.. لكن هامش زواج المتعة أخذ بالاتساع شيئاً فشيئاً من أجل إشباع غريزة الجنس عند الشبان والفتيات كما شاهده رامي من تصرفات العديد من الشباب، وكان المشايخ يوسعون دائرة هذا الزواج حتى طال الفتيات المسلمات من غير الأرامل أو المطلقات أو أهل الكتاب.
تعلم رامي أيضاً من المشايخ أن تغليب المصلحة السياسية على القيم الأخلاقية ممكن في إطار ولاية الحاكم الشرعي.. وشرط الحصول على ((فتوى)) أو إجازة من هؤلاء المشايخ ومنهم مسؤولون في الحزب.
عاشوراء:
كانت عاشوراء في رأي رامي كما مارسها مشايخ حزب الله أساساً لاعتقاد لدى الشيعة بابتعاد المسلمين السنة عن طريق الإسلام الصحيح. فكان يتم شتم الخليفتين الراشدين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب لسلبهما الخلافة من الإمام علي كما يروج مشايخ الحزب.
الالتزام بحزب الله:
في مسجد حي السراي في النبطية تعرف رامي إلى مسؤول التعبئة الطلابية لحزب الله، الذي كان بدأ ينتشر في الجنوب نتيجة عملياته العسكرية ضد الاحتلال الصهيوني،ونشر مبادئ الحزب التي يقوم بها مشايخه فتم تكريس رامي مسؤول التعبئة في مدرسته بالرغم من صغر سنه (14 سنة) علماً بأن طموحه كان الالتحاق بمجموعة التعبئة العسكرية.
((أول الغيث)) تهديد مدير المدرسة
في مدرسة حبوش الدولية كان أول نشاط علني حزبي لرامي ضد مدير المدرسة الذي رفض الموافقة على معرض صور للخميني في داخلها. فأنبه رامي لأن زوجه تلبس الجينـز وهي غير محتشمة، طرد المدير رامي فلجأ إلى الحزب الذي وعده بإعادته، فكان تهديد للمدير بالسلاح دفعه إلى إقفال المدرسة لثلاثة أيام، ثم لجأ إلى حركة أمل لإنقاذه من تهديدات حزب الله، ونتج عن هذا اعتقال أمل لرامي ووالده، الذي عاد إلى منـزله بعد فترة تاركاً رامي في سجن الحركة في النبطية.
ارتفعت أسهم رامي في الحزب حتى حصل على وعد من رئيس مجلس شورى الجنوب السيد عباس الموسوي بأن يتكفل الحزب بمصاريفه حتى إنهاء دراسته الجامعية.
كاد رامي أن يصبح شيخاً لولا رغبته بالدراسة العلمية وحاجة الحزب إلى متعلمين وليس إلى مشايخ..
يكشف رامي عليق في طريق النحل أن حزب الله الذي كان يدافع عن المنظمات الفلسطينية أثناء حرب المخيمات مع أمل، ويسرب لهم الأسلحة إلى داخل مخيمات الضاحية كان يرسل مقاتليه للقتال إلى جانب حركة أمل في الجنوب ضد الفلسطينيين أنفسهم.
ويكشف أيضاً مشاهدته لجموع في الحزب تتخذ من جامع السراي في النبطية مركزاً للانطلاق للقتال ضد الجيش العراقي خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988).
ويكشف رامي كيف كان الحزب يقفل جامع التعمير في النبطية في وجه المصلين كي يجروا دورات على السلاح داخله.
وكشف رامي ارتفاع شعبيته في الحزب بسبب إبلائه بلاء حسناً في مقاتلة عناصر أمل أثناء المواجهات بينها وبين حزب الله حتى أصبح بالنسبة للحزب رامبو خاصة بعد اعتقاله في منـزله في النبطية ولم يكن تجاوز الـ15 من عمره..
في معتقله تلقى رامي توكيداً من مدير عام مؤسسة الشهيد المعتقل معه أيضاً بالتكفل بمصاريفه حتى إنهاء دراسته الجامعية ليصبح لديه وعدان منفصلان من الحزب ومؤسساته.
ويكشف رامي أخيراً انه لم يكن يعرف أن شقيقه وداخل منـزل الأهل كان يعمل متخفياً في حزب الله دون أن يكتشف أمره.. لكن هذا الأمر لم يمر دون آثار على الأهل بعد اعتقال الشقيق ونسف سيارة الوالد وإلقاء قنابل صوتية على شرفة المنـزل العائلي ثم حصول تطورات اجتماعية وثقافية دفعت الأم والشقيقة إلى وضع غطاء الرأس واتجاه الوالد نحو التدين.
إن حرص رامي وصموده أمام التعذيب في سجن أمل كان طريق الإعجاب الشديد به في الحزب حتى فتح له باب العمل في الجهاز الأمني بعيداً عن الجهاز العسكري وبشكل متخف ليحفظ له حياته ودوره.
الضاحية الجنوبية والجامعة الأميركية:
بعد اشتداد المعارك بين حزب الله وحركة أمل طلب الحزب من رامي التوجه إلى الضاحية الجنوبية لتبدأ فيها مرحلة جديدة في حياته.. مع بدء المعارك في إقليم التفاح ضد حركة أمل التي شارك فيها رامي وأصيب في رأسه ومع هذا ورغم تغيبه عن المدرسة امتحن لصف البكالوريا وكان الناجح الوحيد على مدرسته.
ويروي رامي انه أثناء تواجده في قرية جب جنين في زيارة لعمه طلب من ابنة الجيران وكانت تجاوزت التاسعة من عمرها أن يعقد معها زواج متعة كي يتمكن من مصافحتها وملامستها.
نصرالله يرفض وعد الموسوي:
بعد نجاحه في البكالوريا توجه رامي لدراسة الزراعة في الجامعة الأميركية سنة 1991 وواجهته عقبة القسط المرتفع فيها فطلب تنفيذ وعد أمين مجلس شورى الجنوب الذي أصبح أميناً عاماً للحزب السيد عباس الموسوي، لكن إسرائيل قتلت الموسوي وتولى حسن نصرالله الأمانة العامة فرفض تنفيذ وعد الموسوي لأنه على حد قوله كان وعداً شخصياً وليس قراراًحزبياً، بما جعله يكتشف أن هناك خلافات عميقة بين السيدين نصرالله والموسوي.
تذكر وعد رئيس مؤسسة الشهيد فذهب إليه فكان الرد شبيهاً بالآخر فتحمل أهل رامي نفقات دراسته في الجامعة الأميركية.
إيران – سوريا:
يقول رامي عليق تحت عنوان شهداء في كل مكان في الصفحة 51: ((انتهت الحرب بين أمل وحزب الله بترتيبات سياسية جاء على أثرها وزير خارجية إيران علي أكبر ولايتي ليقرأ العزاء على أرواح ضحايا الحزب والحركة)).
((كان الحديث يدور داخل الحزب حول أن الحرب التي حصلت ما هي إلا محاولة إيرانية للتأثير على الساحة اللبنانية بشكل مباشر من خلال حزب الله، من دون المرور بسوريا، مما دفع سوريا إلى استخدام أمل للوقوف في وجه هذه المحاولة)) لكن في النهاية تشكلت قناعة لدى إيران بأن دخول لبنان والتأثير الفاعل فيه لا يمكن أن يتم إلا من خلال البوابة السورية. وقد التحق رامي عليق بالجامعة الأمريكية – كلية الزراعة وشجع إخوته على الالتحاق بها، رغم العقبات المادية التي جرى تذليلها من خلال أمرين: الأمر الأول: هو اعتبار والدي رامي أن التعليم من أولى أولوياتهما. الأمر الثاني: هو حصول شقيقته رلى على منحة دراسية من مؤسسة الحريري «وهى المؤسسة التي أنشأها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومكنت عشرات آلاف الطلاب من كل مناطق وطوائف لبنان من إكمال دراستهم الجامعية في أرقى جامعات العالم.. دون أي مقابل». في الجامعة الأمريكية تكونت لدى رامي قناعة بأن بيئة الجامعة فاسدة لكونها تشكل نموذجًا أمريكيًا للحياة ولوجود المنكرات ومن ضمنها قيام الشباب والصبايا بجلسات العشق الحميمة.. رغم أنه كان مرتبطاً بعقد متعة مع فتاة اسمها فاطمة. هنا يقول رامي: كنت أرفض ما كان يحدث في العلن في حرم الجامعة وأسعى وراءه في السر لطالما سألت نفسي فيما بعد، ولو بصمت: أي نفاق هذا، ومن أين أتى، وكيف دخل إلى حياتنا ليصبح نمطًا؟ 
التعبئة التربوية:
تم تعيين رامي ممثلاً للتعبئة التربوية للحزب في الجامعة الأمريكية مكتشفًا أن حزبه لا يعير اهتمامًا كافيًا لها كأن الأمر ناتج عن شعور بالنقص لديهم تجاه كونها أمريكية.. ربما ساعد على ذلك إعلان الحرب على كل ما هو أمريكي بعد وصف الإمام الخمينى لأمريكا بالشيطان الأكبر. لتغيير هذه النظرة سعى رامي للقاء أمين عام الحزب حسن نصر الله، لكن الأخير كان مسافرًا إلى إيران فالتقى نائبه نعيم قاسم عارضًا مخططًا للتحكم بأهم المفاصل الرئيسية في الجامعة المتعلقة بالطلاب والأساتذة والإدارة قائلاً له: أستطيع أن أجعل الجامعة في قبضة يدنا.. شارحًا ضعف بنيتنا التنظيمية للتعبئة التربوية بسبب تفوق الأجهزة الأمنية والعسكرية عليها. 
كان رامي يسعى لإطلاق يده في الجامعة متحررًا من سيطرة الحزبيين المطلقة معتمدًا رفاقًا قدماء، وكان أول امتحانين نجح فيهما وأنهاهما. 
1- منع إقفال نادي التراث العربي الذي كان محسوبًا على الحزب. 
2- دعوة السيد محمد حسين فضل الله إلى محاضرة كانت ممنوعة سابقا.. لكن هذه الدعوة الناجحة طبعت في ذهن كثيرين في الحزب أن رامي محسوب على السيد محمد حسين فضل الله الذي بدأ الحزب يبتعد عنه شيئًا فشيئًا حتى وصل الأمر إلى حد منع الصلاة خلفه، وطرد من يقلده من الحزب بعد حرمانه من كل المزايا المالية والخدماتية والصحية والتربوية.. كان السيد فضل الله حريصًا على الاستقلالية بخصوص العلاقة مع السلطات الإيرانية.. على عكس الحزب. 
التكليف الشرعي :
تنظيم صفوف الحزب في الجامعة اعتمد التكليف الشرعي كامتداد لولاية الفقيه الممثل بولي آمر المسلمين في إيران، في اعتقاد أنها تستمد حجيتها من الله، إلى درجة مصادرة هامش المناقشة والنقد في سبيل تنفيذ الأوامر بشكل صارم. أول مظاهره إلغاء البيت المفتوح.. (Open House) وهو تقليد سنوي يسمح بزيارات متبادلة في يوم محدد بين الطلاب والطالبات.. حضر طلاب حزب الله إلى «كير هول» ومنعوا بالقوة هذا النشاط رغم حضور 300 عنصر من قوى الأمن الداخلي وأمن الجامعة. انتشرت شعارات الحزب الدينية في الجامعة في المناسبات خاصة في عاشوراء ما دفع إذاعة «مونت كارلو» إلى وصف حرم الجامعة بأنه متشح بالسواد. سير الحزب دوريات لمنع جلوس الطلاب والطالبات بشكل حميم على المقاعد، وقمنا برش العشب بالمبيدات لحرقه لمنع الجلوس عليه، في وقت كان فيه شبابه وفتياته يسعون سرًا إلى الجنس والعاطفة.. كنا نعيش ازدواجية في معايير النضج لدينا كما قال رامي. 
يقول رامي عليق: «رأى طلاب الحزب أن حرصي على مصالحهم كان في مقدمة أولوياتى، وكنت مستعدًا لفعل ما يمنع تعرضهم لأي أذى، وقد ترجم هذا أفعالاً وتهديدات طالت عددًا من الأساتذة والإداريين عندما وقعت أيديهم على تجاوزات لأنظمة الجامعة قام بها طلاب الحزب». «اعتقادًا منا بأن الشيعة هم في تعرض مستمر لمؤامرة تهميشهم» قمنا بمحاولات اختراق أنظمة امتحانات الدخول وملفاتهم من أجل تمكين أكبر عدد ممكن من الطلاب من الشيعة من الانتساب إلى الجامعة، وعندما انكشفت بعض تلك المحاولات طلبت بلغة لم تخل من الترهيب إلى الإداريين المسئولين عن ملفات الالتحاق عدم إثارة هذا الموضوع فلم يفعلوا». يتابع رامي عليق كتابته فيقول: 
«من المهام التي أوكلت إلى كإرث أسلافي الحزبيين، ولم يكن لي شرف السبق في ابتداعها، مهمة الطلب إلى الأساتذة في نهاية كل فصل دراسي زيادة علامات طلاب الحزب، الذين كانوا بحاجة إلى رفع معدلاتهم.. مضطرًا إلى تهديد الأساتذة لتحقيقها في بعض الأحيان». «قمنا بتأمين خدمة التخابر الدولي وبيعها للطلاب عبر جهاز الهاتف النقال قبل اعتماد الهاتف الخلوي في لبنان واستطعنا التأثير بشكل كبير على قرارات إعطاء المنح الدراسية من قبل مكتب شئون الطلاب، والتحكم بتوزيع عدد من الغرف في مباني السكن، وفيما عجزت النائبة بهية الحريري عن توفير غرفة لأحد الطلاب الجنوبيين نجحنا نحن في توفير هذه الغرفة». 
الصندوق السري: 
«بلغت قوتنا داخل الجامعة حد تزويد إداريين وأساتذة لي بمعلومات لم تكن معروفة، ومنها «صندوق الحريري السري لمساعدة الطلاب المحتاجين». «وأصبحت مرجعًا داخل الجامعة لحل خلافات الأساتذة الشيعة، وكان التذرع في التدخل أن هناك محاولات لإقصاء الشيعة عن الساحة الجامعية». برغم كل الإنجازات التي حققها رامي عليق للحزب في الجامعة.. وانطلاقًا من حسابات شخصية ضيقة وادعاءات بأني محسوب على السيد فضل الله تارة، وبأنني لا أقوم بتنفيذ العديد من التكاليف الشرعية الموجهة إلى من قبل جهاز التعبئة تارة أخرى، أوعز هؤلاء إلى أعضاء جهازي شورى القرار والتنفيذ في الحزب، افتراءً بأنني لست من أتباع الخط الأصيل في الحزب، الخط النابع من التقيد الكامل بولاية الفقيه، عملوا على حبك الموضوع بشكل متواصل، مما أدى في النهاية إلى نجاحهم في تحقيق هدفهم عن طريق فتح قنوات اتصال تنظيمية مع طلاب الحزب، في الجامعة دون علمي، وتسللاً بسرقة الإنجازات وإضافتها إلى أرصدتهم لدى القياديين في الحزب بعد معرفتي بما كان يحصل قادني انفعالي، وبمرارة كبيرة، إلى تقديم استقالتي من العمل ضمن جهاز التعبئة منتصف عام 1994 استقلت بعد أن نجحوا في مخطط الإحراج للإخراج، دون أن يسربوا خبر الاستقالة حتى لا يتأثر الوضع الحزبي والمؤيد لي وسط الجامعة. 
تساؤلات عابرة:
أثر جو الجامعة المنفتح على منهج رامي لجهة التحفيز على الاختلاط بين أصحاب المشارب المختلفة، مع المحافظة على الالتزام الديني متسائلا عن جدوى هذا التعصب والانغلاق الديني. كانت هذه التساؤلات المقدمة الطبيعية لعمل ديموقراطى بين الطلاب بعيدا عن الحزبية والتعصب الديني.. ولإطلاق تحرك طلابي واسع مستغلين قرار الجامعة بزيادة على الأقساط السنوية. بعد اعتقال أحد الطلاب إثر خطبة ضد الزيادة دعوت إلى الإضراب المفتوح وأمهلت الإدارة ساعة لإطلاق سراح الطالب.. استفحل الأمر مما دعا الجامعة لتدخل قوى الأمن.. ولم تفعل شيئا فحضر العقيد جهاد عن الاستخبارات السورية ورفضت مخاطبته بحجة انشغالي فانسحب غاضبا مرسلا مخبريه لاعتقالي، مما دفعني لإطلاق شعارات تلقفها الطلاب مرددة ضد أي تدخل سوري. بعدها حضر مسئول الأمن في حزب الله وفيق صفا ومعه النائبان محمد برجاوى ونجاح واكيم طالبين منى وقف الاعتصام والتحرك والانسحاب منه.. بناء على تكليف شرعى صادر عن الأمين العام حسن نصر الله طالبا منى الاتصال به مع تعليمات بألا أعود إلا وأنت معي حتى لا يضع السوريون يدهم عليك.. أبلغته بعدم نيتي مخالفة التكليف الشرعي لكن من الخطأ الانسحاب لأن فيه انقلابا غير أخلاقي على الطلاب المعتصمين من غير الحزبيين. 
استمع إلى النائب برجاوى بشيء من التفهم، عاد واتصل بالسيد نصر الله شارحا موقفي ثم أخبرني في الخلاصة بأن الأمر يعود إلىَّ. 
يقول رامي عليق بعد هذه الواقعة: 
تعزز لدىِّ تساؤل في الأيام التي تلت عن مغزى تقديس التكليف الشرعي إذا كنا بصدد نتيجة عوامل سياسية أو اجتماعية غالبا ما ترتبط بمزاج من يصدره، كذلك ما الذي يمنع المشاركة في إصداره أو إمكانية تغييره إذا تم إخضاعه للنقاش.. بما يمنع عنه صفة القدسية
 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.