جغرافية جديدة لأمة عربية مكسورة الأصنام

 

الأمة العربية، والشعب العربي، والانسان العربي، والوطن العربي، وإلى ما هنالك من عبارات  تستوقفني كثيرا وتنقض على مخيلتي بقوة لا استطيع الوقوف بوجهها علي استطيع الوقوف على تعريف أصل به إلى ما وراء هذه العبارات، وعندما أجد أن الأمة العربية هي مجموعة الأشخاص الذين يتكلمون اللغة العربية ويعيشون على الأراضي العربية وتربطهم عادات وتقاليد واحدة ولهم آلام واحدة وأحلام واحدة وسجون متعددة وأفرع أمن كثيرة ومقابر جماعية واسعة وغرف تحقيق ترى ما وراء الأشياء، يترك في داخلي آلاف التساؤلات ويجعلني أستفسر دائما ما الذي تعنيه كل هذه الترهات وهذه العبارات.
أرنو إلى الوطن العربي الذي منذ نعومة أظفاري ما وجدته إلا على الخرائط وفي كتب الجغرافية فأعرف أن ما يحصل ضرب من الأوهام وأنه كذبة كذبها أناس قبلنا وبالفطرة صدقناها، وبدأنا نحبوا ورائها ولا أعلم لها تأويل أو تفسير، الوطن العربي هو عبارة عن قطعة من قماش مزركش تقاسمها ولاة الأمر فيما بينهم وكل منهم أخذ اللون الذي يناسبه ولصغر حجمها ما ستر بها حتى مكان عورته، ولكن المضحك أكثر في ذلك أننا قبلنا الواقع على ما هو عليه وبدأنا نطبل ونزمر على أهواء هؤلاء البغاة المجرمين، حكامنا لا أظن أن اثنين يختلفوا على خيانة واحد منهم، فمن المحيط إلى الخليج ومن الشرق إلى الغرب وفي الوسط وفي كل بقاع هذا الوطن الذبيح لا يوجد حاكم أو نظام إلا وقد أوغل في الناس ذلا واستشاط  بهم إستعباد وإهانة  فكان كل منا ينظر إلى إلاهه على أنه الإلاه الحق وأن بقية الآلهة لا تصلح حتى للزينة، وبدأ يتهم الحكام الآخرين على أنهم كلاب وخونة.
  فكنا على مر الأربعين عام التي مضت في سوريا نعرف كل سيئة عن كل حاكم في الخليج ونحفظ عن ظهر قلب كل العبارات السيئة التي يمدح فيها هؤلاء الحكام، ونعرف بشكل مفصل مواعد سهرهم في حانات أوربا وعدد كؤس الخمر التي يشربونها في كل سهرة، وعدد الجاريات اللواتي يزنون بهن كل أسبوع وعدد الدولارات التي ينفقونها في المقامر كلما خطر لهم، ونرددها على مسامع أبنائنا وعلى منابر مساجدنا وعلى مقاعد دراستنا، ونلصقها في شوارع بلدتنا وبجوارها أفضال مولانا وأعماله الخيرية وتضحياته التي لا تعد ولا تحصى في سبيل الأمة وبطولاته التي ما زال يسطرها منذ ولدته أمه إلى يوم ثورتنا هذه، ومنجزاته التي يدين لها كل أهل البلد والفتواحات التي فتحها والانتصارات التي رفع رؤوسنا بها،  كان هذا واقع كل مواطن عربي في شرق الوطن وغربه وفي شمال البلاد وجنوبها ما الذي جعل هؤلاء الناس تصل بهم الأمور إلى هذه الدرجة وفيهم المثقف والطبيب والحقوقي والصحفي ورجل الدين  ورجل العلم والمفتي وغيرهم، ما الذي جعل كل البلاد العربية تشبه بعضها إلى هذه الدرجة، لعل للذل طعم واحد وإن اختلفت أشكاله وألوانه، ولعل العبودية مهما تنوعت أشكالها وتعددت أصنافها طعم موت واحد، هل تعامل حكامنا بالسحر حتى استطاع كل واحد منهم أن يصل إلى ما وصل إليه في عقول الناس وضمائرها أم أن نفاقنا الذي ربينا عليه هو ما وصل بنا إلى ما وصلنا إليه.
  لعل كل من يقرأ هذه العبارات ويشعر بها وتحز وجدانه يعلم علم اليقين أنه مواطن عربي من الدرجة الأولى لكن المعضلة الوحيدة أن الانسان العربي حتى هذه اللحظة مصر على قانونه الأبدي (الانسان ما بيتعلم غير من كيسه ) ويصر على خوض التجارب بنفسه ولا يمكن له أن يتعظ  أو يعتبر من كل ما يحصل في محيطه فبعد أن عرّت الثوارت التي منّ الله بها على البلاد العربية كل ما سترته الأوهام وأيدي الأمن وقبضة الحكام من قبح وسوء وبات الجميع يعلم علم اليقين أن كل حكوماتنا هي عبارة عن وحوش تحاول افتراسنا بكل ما أوتيت من قوة وأنها تحاول أن تستفرد كل منا على حدة لنكون وجبة سهلة وطعام مستساغ رغم كل ذلك يصر الجميع على خوض تجاربهم بمفردهم .
ولكن لسوريا رأي آخر وللمواطن السوري واقع آخر فالناس الذين ينظرون إلى الثورة السورية على أنها حق لا باطل فيه وأنها نور لا تشوبه ظلمة هم أنفسم مروا بما مر به كل مواطن سوري من الذل والعبودية والاستباحة لكن ما جعل سوريا تختلف عن غيرها وجعل المواطن السوري يغوص بثقله ووزنه إلى القاع أنه خرق كل القوانين والأنظمة التي فرضتها الطبيعة وفرضها ولاة الأمر وبعد أربعين عام من القتل والقمع والتنكيل والنهب والسجن والسرقة استطاع أن ينهض من تحت هذا الركام كله ليصرخ بقوة الفارس المتمكن والعاشق الملهوف والحر الذي ما عهد العبودية في سابق زمانه، ويقول أنا مواطن سوري لا قيد يثني كاهلي ولا سيف يحز عنقي ولا سجن يهد عزيمتي ولا سفاح يعلوا صوته فوق صوتي ولا إنسان يعرف ما تعني الحرية أكثر مني.
لقد أثارت الثورة السورية شفقة كل إنسان عربي أو غير عربي فيه ذرة من إنسانية وأبكت مقلتيه وأدمت فؤاده لكن ما علم كل مواطن على امتداد الوطن العربي أن سوريا بخير وأن ثورتها بخير وأن شعبها على الرغم من كل الجراحات التي أدمت فؤاده فإنه بصحة تامة وعافية دائمة فيا إخوتي لا تبكوا سوريا فسوريا بعد أربعين عام من الذل والهوان استطاعت أن تصنع ثورة هي الأعظم على امتداد العالم لكن ابكوا أنفسكم فما زلتم لا تملكون الا النوح والبكاء والحسرة والحرقة وما زالت آلهتكم يطاف حولها ويقدم القرابين لها ولن تنصرونا بدموعكم فما زال لدينا الكثير من الدموع.  
أحمد عاصي
 إدلب جبل الزاوية 

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث