الرئيسية » تقارير » معهد واشنطن: الشباب الخليجي يلعب دوراً مهماً في إجراء إصلاح هيكلي.. يستدعي اهتمام واشنطن

معهد واشنطن: الشباب الخليجي يلعب دوراً مهماً في إجراء إصلاح هيكلي.. يستدعي اهتمام واشنطن

 

كان الشباب أحد العناصر الدافعة في اندلاع الثورات في منطقة الشرق الأوسط منذ الانتفاضات العربية في أوائل عام 2011. على سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن أكثر من نصف المتظاهرين في الثورة المصرية كانوا بين الثامنة عشر والثلاثين من عمرهم. وعلى الرغم من أن الناشطين الشباب لم يُحدثوا تغييراً مثيراً مشابهاً في الدول الصغيرة على طول الشاطئ الغربي لساحل الخليج (الفارسي) العربي — الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان — فمن المرجح أن يلعبوا دوراً مهماً في إجراء إصلاح هيكلي، وبالتالي يستحقون اهتماماً أكثر من قبل كل من واشنطن وحكومات بلادهم.
 
القوة الشبابية تسرِّع الإيقاع
 
تحمل الحركات الشبابية التي تزداد قوة بشكل مطرد تداعيات مهمة بشأن مدى التغيير المحتمل في الخليج، كما رأينا بالفعل بصورة متقطعة وغير منتظمة في البحرين والكويت وعمان. وكأقرانهم في الدول العربية الأخرى، يميل الشباب الخليجي الناشط إلى متابعة الأجندة السياسية الأوسع نطاقاً من تلك التي تقدمها عناصر المعارضة التقليدية والأجيال الأكبر سناً. إذ ينادون بإجراء إصلاحات تشريعية وقضائية وغيرها من الإصلاحات الهيكلية بدلاً من القيام بثورة شاملة.
 
وثمة استثناء ملحوظ في البحرين، حيث يطالب "ائتلاف شباب 14 شباط/فبراير"، ضعيف التنظيم، بإنهاء الحكم الملكي لآل خليفة وشراكة واشنطن الوثيقة معها، على عكس جماعات المعارضة المعروفة في الجزيرة. وبينما تبدو فرص بلوغ هذا الهدف ضئيلة، فإن بروز الحركة يضع معايير عالية فيما يتعلق بنوع التنازلات السياسية المطلوبة من القصر.
 
وهو المثل في الكويت، حيث لا توافق الائتلافات الشبابية وعناصر المعارضة القائمة منذ فترة طويلة على الوتيرة المتوقعة للإصلاح وعلى حجمه أيضاً — فالشباب يرغبون تغيير أسرع وقد دفعوا بصورة أقوى في سبيل إقامة نظام برلماني كامل. أما في عُمان، فقد عاقبت الأجيال الأكبر سناً المحتجين من الشباب لاستمرارهم في المطالبة بإجراء تغيير سياسي واقتصادي في أعقاب مجموعة من التنازلات من جانب حاكم البلاد، السلطان قابوس.
 
بإمكان العوامل الديموغرافية والاقتصادية توسيع نطاق المطالبة بإصلاحات هيكلية في هذه البلدان، لاسيّما في ظل "تزايد أعداد الشباب" (أي العدد الكبير من السكان في سن العمل) وارتفاع معدلات البطالة. إذ أن ما يقرب من ثلث المواطنين في البحرين وعُمان وقطر، وربع المواطنين في الكويت والإمارات العربية المتحدة، تنحصر أعمارهم بين 15 و29 عاماً. فيما تبلغ نسبة البطالة بين من هم في سن 15 إلى 24 عاماً حوالي 17 إلى 24 في المائة في معظم هذه البلدان (باستثناء الإمارات العربية المتحدة، حيث يبلغ المعدل أقل قليلاً). ويمكن لنسبة البطالة الكبيرة المستمرة على هذا النحو أن تزيد من السخونة على المستوى السياسي من خلال الإسهام في فقدان الكرامة، وهذا غالباً ما يُذكر على أنه أحد العوامل الرئيسية في اندلاع الانتفاضات العربية الأخرى. وعلى الرغم من أن الحكام الخليجيين سوف يقومون، بلا شك، بتوزيع عطاءات وطنية لتخفيف حدة السخط، فسوف يواصل عدد كبير من الشباب البحث عن عمل محترم ودخل مستقل، وفي أيديهم الوقت للضغط من أجل الحصول على ذلك عن طريق نشاطاتهم.
 
الكويت والبحرين
 
من بين دول الخليج الصغيرة، سُمعت أكثر النداءات انتشاراً بشأن إعادة الهيكلة في الكويت والبحرين، حيث ظهرت مجموعات الشباب بوصفها جهات فاعلة مهمة في المعارضة. ففي نهاية العام الماضي، قام الشباب والشابات في الكويت بتنظيم مظاهرات حاشدة ضد نظام انتخابي جديد لتقسيم الدوائر الانتخابية معتقدين أنه يدعم الفصائل المؤيدة للحكومة في البرلمان. وفي البحرين، كان تنظيم المظاهرات الاحتجاجية دون كلل على مدار العامين الماضيين من جانب "ائتلاف 14 شباط/فبراير"، بدا مؤثراً على حسابات كل من المنامة والرياض بشأن الحاجة إلى تنفيذ بعض التنازلات قبل أن تشتد الاضطرابات.
 
وتُعزى القوة النسبية للحركات الشبابية الكويتية والبحرينية في جزء منها إلى خبراتها وتحليها بالتنظيم. ففي الكويت، قامت مجموعات الشباب بالبناء فوق نجاحاتها على مدار السنوات القليلة الماضية، حيث لعب النشطاء دوراً في التوصل إلى القانون الانتخابي التاريخي في عام 2006 واستقالة رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر محمد الصباح عام 2011 بسبب اتهامات بالفساد. كما أن القادة الشباب كانوا يتعاونون أيضاً مع برلمانيين خدموا لفترة طويلة كمعارضين، مما أعطى دفعة أكبر لقدرتهم على التأثير على الحكومة.
 
وفي البحرين، أقام قادة "ائتلاف 14 شباط/فبراير" اتصالات مع رموز معارضة معروفة متواجدة حالياً في السجن، بما في ذلك عدداً من أعضاء حزب "الحق" الشيعي المعارض. ويعتقد البعض أن ائتلاف الشباب يتلقى المال حالياً من رموز شيعية غنية في جميع أنحاء الخليج. وواقع الأمر، أن نجاحهم في حشد الدعم واستمراره على الأرض كان مثيراً للإعجاب، لذا فربما يستفيد قادة الائتلاف من المساعدات التنظيمية والتكتيكية والمالية التي توفرها بعض عناصر المعارضة المتواجدة على الساحة منذ فترة طويلة، وتلك التي يقدمها شيعة بارزين في الخليج.
 
وفي الكويت والبحرين، برز أيضاً تحلي النشطاء الشباب بالمرونة، حيث يغيّرون من استجابتهم تبعاً للأحداث الجارية وأهداف سياسية محددة بدلاً من اتباع الخطوط الأيديولوجية العامة مثل جماعات المعارضة التقليدية. وفي شباط/فبراير 2012، اندمجت عدة مجموعات من الشباب الكويتي لتشكيل "الحركة الديمقراطية المدنية" بغية تعظيم نفوذها في الضغط من أجل الوصول إلى نظام برلماني كامل. وبالمثل، يُعتبر الائتلاف الشبابي في البحرين مظلة للعديد من المحتجين في الشوارع من أحياء مختلفة والنشطاء عبر شبكة الإنترنت، والعديد من بينهم خططوا لـ"يوم الغضب" البحريني في 14 شباط/فبراير 2011، الذي مثَّل الشرارة الأولى لبدء الحركة الاحتجاجية في الجزيرة.
 
وفي ظل غياب التغيير على أرض الواقع، من المرجح أن تستمر قوة وتأثير الحملات الشبابية في هذه البلدان في مسارها التصاعدي. وفي الكويت، يمكن للتمزقات الواسعة بين صفوف المعارضة التقليدية أن توفر للحركات الشبابية فسحة أخرى لفرض قيادتها. وفي البحرين، من المرجح أن تزداد مجموعات الشباب الأكثر ثورية قوة إذا استمرت عملية "الحوار الوطني" الخاملة في نصب فخ لـ "الوفاق" وغيرها من أحزاب المعارضة الشيعية الكبيرة المعروفة إلى أجل غير مسمى –على افتراض أن المتظاهرين الشباب يستطيعون الامتناع عن العنف. وعلى النقيض من ذلك، فإن الاتفاق على إعادة هيكلة سياسية حقيقية بين الحكومة والمعارضة الرئيسية من شأنه أن يضعف على الأرجح مجموعات الشباب الأكثر تطرفاً.
 
الإمارات العربية المتحدة وعُمان وقطر
 
تعاني الإرادة الشبابية في هذه الدول من قيود أكبر، وذلك يعود في جزء منه إلى قلة الخبرة والتنظيم والثقافة السياسية اللازمة لدعم مثل الحركات. فحتى في ذروة الحماسة المحيطة بالانتفاضات العربية الأولى في أوائل عام 2011، لم تلق النداءات من خلال موقعي "الفيسبوك" و "تويتر" لخروج مظاهرات شبابية في الإمارات العربية المتحدة أي استجابة، كتلك التي كانت ثمرة اثنين من الجهود على "الفيسبوك" لتحفيز قيام احتجاجات في قطر. وبالمثل، أثبت الشباب العُماني الذين نظموا احتجاجات في جميع أنحاء البلاد ذلك العام عدم قدرتهم على مواصلة الدعم على المدى الطويل.
 
واليوم، يسعى بعض الشباب المؤيدين للإصلاح في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان إلى إلحاق أنفسهم بالحملات المنظمة الخاصة بنشطاء المجتمع المدني وغيرهم من المحترفين، في حين يروّجون لأفكارهم بشكل فردي من خلال شبكة الإنترنت. وفي دولة الإمارات، اعتقلت السلطات بعض الطلاب وغيرهم من الشباب جنباً إلى جنب مع أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» المحلية ذوي الأصول المتجذرة المعروفة [بحركة] "الإصلاح"، والنشطاء المعروفين في مجال حقوق الإنسان، وشبكات دعمهم (على سبيل المثال، محاميهم). وفي سلطنة عُمان، انضم الشباب إلى بعض الاعتصامات للاحتجاج على احتجاز النشطاء. وثمة حركة شبابية أفضل تنظيماً، على نحو خاص، يمكن أن تنخرط في أحداث سخط بين القوة العاملة لتضخيم حملة الإصلاح.
 
أما الشباب القطريون فقد كانوا الأكثر هدوءاً بين نظرائهم في الخليج — ففي اثنين من استطلاعات الرأي الأخيرة، قال معدل 83 في المائة منهم أن بلادهم "تسير في الاتجاه الصحيح"، وهو أعلى رقم من بين اثني عشر دولة عربية شملها المسح. وبُذلت الضغوط المحدودة من أجل التغيير السياسي حتى الآن من قبل محترفين متمرسين مثل أستاذ الاقتصاد علي خليفة الكواري، الذي يعقد "اجتماعات يوم الاثنين" لمناقشة الإصلاح والتنمية في قطر. وهذا النوع من النشاط يمكن أن يوفر فسحة للشباب لتوسيع نشاطهم السياسي الخاص، بما في ذلك أولئك الذين أنشأوا و"أحبوا" صفحات "الثورة القطرية" العديدة على موقع "فيسبوك".
 
التداعيات للسياسة الأمريكية
 
خلال الأشهر القليلة الماضية، قام حكام الخليج بإعادة حساباتهم من جديد، حيث إن الشباب الذين يُظهرون صوراً شتى للمعارضة إنما يعرِّضون أنفسهم للمسؤولية السياسية التي تتطلب استجابة من جانب الجهات الأمنية، وهذا ما كان من خلال القيام بحملات لفرض النظام في الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان في الآونة الأخيرة، تستهدف الشباب الذين يستخدمون موقع "تويتر" وغيره من منتديات الانترنت. وحيث إن استقرار دول الخليج الصغيرة يعتمد على براعة حكامها في التجاوب مع الضغوط الشعبية قبل الدخول إلى مرحلة الاختناق ثم الانفجار، فعلى واشنطن أن تشجع السلطات المحلية على إشراك القادة من الشباب بشكل مباشر وبصورة جدية. وعلى الرغم من أن التجربة المصرية قد أظهرت أن ثوار اليوم قد لا يكونون هم القادة السياسيين للمستقبل، فإن تعاطي الولايات المتحدة مع النشطاء من الشباب المسؤول من شأنه أن يقيم علاقات مهمة مع صناع التغيير ويساعد في تقدير الاتجاه الذي قد يسير فيه الإصلاح.
 
 
 
لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة أبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.