كثيراً ما أتعرض لنفس السؤال: لماذا لا تكتب شعراً عن الأوضاع الحالية فى مصر؟ وأنت تعلم أن هناك بعض الشعراء المغمورين ينتحلون اسمك على مواقع التواصل الاجتماعى وينسبون قصائدهم القصيرة إلى شخصك ويهاجمون بها الحكومة والنظام (أو يؤيّدونه) ويدّعون أن هذه الأشعار من تأليفك.
الإجابة باختصار أن الأحداث فى مصر أصبحت أسرع من الشعر نفسه.. والأمزجة العامة للشعب المصرى تتغير كل ثلاثة أيام إلى النقيض.. والشعر الذى يُكتب بمناسبة حدث بعينه ينساه الناس مع نسيان الحدث نفسه، أما الشعر الذى يُكتب للقضايا والأفكار والمبادئ الثابتة والراسخة فى وجدان الشعوب فهو الشعر الذى يبقى.
ولعلى أتباهى – ولا فخر – بأن قصيدةً مثل (3 خرفان) على سبيل المثال كُتبتْ سنة 1998 ولأنها تحمل قضايا راسخة فى وجدان الأمة العربية ظلّت – بفضل الله – على ألسنة الناس حتى يومنا هذا.
وربما كان هذا هو سبب اتخاذ قرار كتابة مقالات فى جريدة (اليوم السابع) يومىّ الاثنين والخميس من كل أسبوع لأن المقالات تتناسب بطبيعتها مع التسارع غير المعتاد الذى نعيشه وسط تلاحق الأحداث اللاهث فى مصر والمنطقة العربية بأسرها.
وبمناسبة التغيّر فى الأحداث.. فقد لاحظتُ تغيّراً ملحوظاً فى خطاب الدكتور هشام قنديل الموجّه للجمهور.. ورغم رفضى لمعظم سياسات الدكتور قنديل ووزارته والتى مازلتُ أراها معيبة وقاصرة ولا تسمو لطموحات الشعب المصرى (الثائر) غير أننى أجد تطوّراً وتغيّراً فى لغة الدكتور قنديل واهتمامه بالرأى العام ومخاطبة عامة الناس وشرح ما يمكن شرحه من ملابسات وتحديات تواجهه فى هذه الفترة العصيبة.. ولا أجد حرجا فى الحديث عن هذا التغيير بشكل من أشكال المدح والثناء رغم الانتقادات التى كنت وما زلت أوجهها لسياساته وسياسات وزرائه.. ولكن ما تعلمناه عن النقد البنّاء يحتم علىّ أن أنتقد ما أراه سلبياً ولا أتجاهل ما أراه إيجابيا أيضاً لأن الهدف من النقد ليس التشويه ولا تتفيه الآخر وإنما الهدف هو الوقوف جنباً بجنب للصالح العام ولرفعة هذا البلد وهذه الأمة.
لقد استمعتُ إلى خطاب الدكتور قنديل الذى أُذيع على قناة النيل للأخبار.. وأعجبنى فيه اهتمامه بالرد على الأسئلة الأكثر شيوعا على ألسنة الناس فى الشارع وفى المقاهى.. فى الحقيقة لم تعجبنى العديد من الإجابات وشعرت فى كثير من الأحيان بسطحية الرد والبعد عن لُب الموضوع ولكن أعجبنى اهتمامه بالرد وحرصه على توجيه الرأى العام ودعم فكرة مشاركة الناس فى اتخاذ القرار وفتح قنوات للتواصل بين الحكومة وبين الشعب وهو الشىء الذى افتقدناه على مر السنوات البائدة حيث كانت الحكومة تعيش فى قصور من العاج ولا تشعر بمعاناة الناس فى الشارع.
ولكن يا سيادة رئيس وزراء مصر.. أقول لك فى وجهك: إن دور رئيس الحكومة ليس مجرد الخروج على التليفزيون والإسهاب فى معسول الكلام وعرض المشاكل التى تواجهها حكومتك.. وإنما دورك هو التغلب على هذه المشاكل وحلها وأن يشعر المواطن المصرى – الذى عانى كثيراً وقام بثورة ورأى أحبائه يستشهدون أمام عينه – بكرامته وبحقه فى حياة رغدة وكريمة.
الأهم من كل هذا هو ضرورة وحتمية اعترافنا بأن هذه المرحلة التى وصلنا إليها هى نتيجة وجود تيارات معارضة حقيقية لها صوت عال أجبر الحكومة أن تخرج من برجها العاجى لتنظر فى أسئلة الناس ولتشرح للناس بكل شفافية الصعوبات التى تواجهها والمشاكل التى تمر بها البلاد.. وهذه هى العلاقة التى يجب أن تدوم بين الحكومة وبين الشعب.. شعب ينتقد الحكومة ويفرض متطلباته ويساعد الحكومة فى تنفيذ خططها لتحقيق هذه المتطلبات بوعى وثقافة وعمل.. وحكومة تهاب الشعب وترعى مصالحه وتضع متطلباته وطموحاته موضع التخطيط والتنفيذ وتفتح قنوات للتواصل معه بشفافية وتطلب منه المؤازرة والعون.
هذه هى مصر التى نتطلع إليها ولن نقبل أن تكون مصر إلا بهذا الشكل إن شاء الله.
هشام الجخ