وطن– لسنوات طويلة، واجهت الدول العربية العديد من التحديات الاقتصادية، وكان من بين أهم هذه التحديات الاستبداد السياسي والقيود على الحريات الأساسية.
فقد أدى الاستبداد والقمع إلى انعدام الثقة بين المستثمرين وتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وكانت هذه العوامل من بين الأسباب التي أدت إلى انهيار الاقتصاد العربي بعد كورونا.
اليوم اصبحت اقتصادات بعض تلك الدول بمنزلة “القنبلة الموقوتة”، حسب تقرير صادر عن مجلة “فورين بوليسي“.
أنظمة قائمة على الريع والمنفعة النخبوية
وقد حذّر تقرير المجلة الأمريكية الذي كتبه، ستيفن هيرتوغ، أستاذ مشارك في السياسة المقارنة في كلية لندن للاقتصاد، من أن الاضطراب الاقتصادي أصبح سمة معظم أنحاء العالم العربي، ووصف اقتصادات أربع دول هي: الجزائر ومصر والأردن والمغرب، بـ”القنبلة الموقوتة”.
وحول السبب وراء التحليل الصادم الذي قدمه، يقول هيرتوغ، إن الأنظمة العربية الحاكمة هي “أنظمة ثابتة تحمي نفسها من خلال مجموعات من المنتفعين بينما يبقى الآخرون في مواجهة المنافسة القاسية، بالتالي يتم تشجيع عدم المساواة وتقويض الديناميكية الاقتصادية والإنتاجية والنمو”، معتبِراً أن تلك الدول الأربعة “تشترك في هذا النهج غير المتوازن”.
وفي خصوص الأساليب التي تتبعها تلك الأنظمة للبقاء في الحكم، فقد أشارت فورين بوليسي إلى أنها “تحمي المقربين منها”، ليس فقط من خلال المحسوبية في سوق العمل، ولكن أيضًا “بين الشركات، التي تنقسم إلى شركات لها صلات عميقة بالدولة، وتلك الشركات الهامشية التي تتلقى القليل من دعم الدولة، بينما تحاول بشدة العمل في جو من البيروقراطية الثقيلة”.
قضية التنمية الاقتصادية في العالم العربي، حسب هيرتوغ، ليست قضية انسحاب الدولة من الاقتصاد، أو تحريره من أي حكم مركزي؛ بل “بالوجود غير المتكافئ للدولة، المتمثل في حماية بعضهم وإهمال آخرين وتهميشهم”، على حد تعبيره.
وقد نشأ هذا النظام غير المتكافئ، حسب قوله، عبر تفشي المصالح الخاصة التي تشكّل الدوائر السياسية الرئيسية، “على وجه التحديد، موظفو الدولة وشبكاتهم القائمة على المحسوبية في الأعمال التجارية”.
الجمهوريات الشعبوية هي المشكل
يرى ستيفن هيرتوغ، أنه “للوصول إلى عقد اجتماعي أكثر شمولاً ونموذج نمو جديد”، تحتاج المنطقة إلى دعم المساواة، لتحقيق الأمان الاجتماعي العام بفرض “آليات دعم قد تكون أقل سخاءً ولكنها متاحة على نطاق أوسع، مما يحمي الاندماج الاجتماعي”.
لكنه يعود ليقول: إنه “في الوقت الحالي، مثل هذا التغيير الأساسي ليس في الأفق”.
واعتبر أن تدهور الاقتصادات في الدول العربية لم يبدأ اليوم، لكنه نتيجة لسياسات فاشلة وغير مدروسة بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية مع ما وصفه بـ”الجمهوريات الشعبوية”، مثل: الجزائر ومصر وسوريا، التي تسيطر على القطاع الخاص فضلاً عن تدخل الدولة على نطاق واسع، “وهو إرث يصعب تغييره”.
في تلك الجمهوريات، تسمح معظم الوظائف الداخلية في الحكومة بأسلوب حياة متواضع في أحسن الأحوال، ومع ذلك، تظل الأجور أعلى مما هي عليه في القطاع الخاص، بما في ذلك الموظفون الخاصون بعقود رسمية، وهو أمر غير معتاد مقارنةً بمناطق أخرى، مثل دول أميركا اللاتينية.
ارتفاع نفقات الدولة على القطاع العمومي
عند الحديث عن القطاع العمومي، تطرّقت فورين بوليسي إلى النظام التونسي، وقالت إنه على سبيل المثال في عام 2021، امتلكت الخطوط التونسية 26 طائرة، منها سبع طائرات فقط تعمل، بينما كانت تُوظف 7600 شخص، أي بمعدل أكثر من 1000 لكل طائرة عاملة.
إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نوّه الكاتب بدوره، في دعم تحرر تونس من الاستبداد في عهد الرئيس زين العابدين بن علي (ثورة الياسمين 2011) عارض جميع المحاولات لتوحيد كشوف المرتبات، وهي القوة التي يرى الكاتب بأنها ضرورية لصنع نوع من التوازن في الاقتصادات العربية عموماً.
المثير في الحالة التونسية أنه حتى بعد الثورة، لم يتغير الوضع الاقتصادي بشكل عميق، “لأن الأنظمة تخشى من لمس الامتيازات الداخلية، نظراً لاعتمادها طويل الأمد على الطبقة الوسطى التي توظفها الدولة كقاعدة سياسية أساسية”، على حد تعبير الكاتب.