الرئيسية » تحرر الكلام » “ما السلفية؟” لـ عزمي بشارة.. تفكيك المفهوم وبناؤه من جديد

“ما السلفية؟” لـ عزمي بشارة.. تفكيك المفهوم وبناؤه من جديد

كريم سليمان

يخوض المفكر العربي، عزمي بشارة، جدالاً نظرياً معمقاً في كتابه: “في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟”، الصادر مؤخراً عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة، إذ يتناول من خلال فصول الكتاب الأربعة، مصطلح “السلفية” وظهوره، متحرّياً نشأة المفهوم، داخل سياقاته التاريخية المتفاوتة، والتي رافقها تغييرات جوهرية في معناه ودلالته.

لذا، فإن بشارة، عمد إلى تحديد معالم المصطلح بدقة، وكذا المتغيرات التي طرأت عليه، بسبب التبسيط والاختزال الذي حازه مفهوم السلفية، ما أدى إلى نقل التعريفات المتواترة عن السلف، وحصر المفهوم في مقولات تقليدية؛ مثل “نبذ البدع” و”الالتزام بالكتاب والسنة” و”إنكار الملحدات”؛ وهو الأمر الذي أدى إلى قطع الحبل السري بين المصطلح وبيئته التاريخية، الذي تفاعل داخلها، ونشأ وتشكل بين عناصرها.

وعلى إثر ذلك، غابت أي مقاربة علمية ونقدية، تحفر في التاريخ الإسلامي، لمحاولة فهم جذور السلفية، باعتبارها عدة سلفيات، ولا تشكل وحدة مستقلة كاملة، وتعيين الصلات العضوية بين السلفيات وبعضها؛ كالسلفية الإصلاحية والدعوية والجهادية، وتعيين الفروقات بين السلفية السنية والشيعية، ومن جهة أخرى، رسم الحدود المعرفية بين سلفية أهل الأثر القدامى وسلفية ابن تيمية.

ومن ثم، يضحى التساؤل حول ما إذا كانت السلفية هي مجرد لحظة تاريخية مباركة، كما قال رجل الدين السوري، رمضان البوطي، أم بخلاف ذلك، حيث تتنوع التساؤلات، وتتعقد عناصرها، في متوالية من الإشكاليات، مثل: “هل نحن أمام سلفية واحدة أم سلفيات متعددة؟”، بالإضافة إلى عدة أسئلة من طبيعة: “هل نحن بصدد مذهب عقائدي وفقهي؟ أم مذهب عقدي فقط؟ أم هي نزعة موجودة في شتى ضروب المذهبية الإسلامية، حنبلية وغير حنبلية؟”.

إذن، فإن مصطلح السلفية الذي بات شائعاً ومتداولاً، بصورة لافتة، إبان اندلاع ثورات الربيع العربي، أصبح مع فرط رواجه وتكرار استعماله، شيئاً بسيطاً، وبمثابة مفهوم مجرد، ذي معان اختزالية، كما تحول إلى “كليشيه”، وفي ظل هذا التبسيط فقد دلالاته ومعانيه المركبة والمتعددة.

لذا، يحاول صاحب “أن تكون عربياً في أيامنا”، أن يبعث بالأسئلة النقدية، عبر الاستعانة بالمناهج والعلوم الاجتماعية، والحفر الأركيولوجي، والبحث التاريخي التحليلي، وأدوات التفكير النقدي، لفض المسافة البينية بين ما يوحيه الاستعمال الرائج للسلفية، وكأنها تعنى بشيء واحد، محدد وواضح، وله مرجعية أبدية، والحقائق المتفاوتة التي تعكس سلفيات أخرى محدثة، كالوهابية، والمدخلية، والعلمية، والجهادية.

يوضح بشارة أن “السلفية، قد لحقها مقدار كبير من التعريفات والشروح والاستعمالات المتباينة، فما برح الدراسون والباحثون يتداولون هذا المصطلح، إما بالتبسيط الذي يخل بالمعنى، أو بالنقول المتواترة التي لا تضيف أي جديد على ما قاله الأسلاف”.

وبالتالي، نأى بشارة بنفسه عن التكرار، كما أوضح في مقدمة الكتاب، وشرع في الابتعاد بالوعي والتسليح النظري والمناهج الحديثة، لتجاوز الحالة الانسدادية في ما أحاط المفهوم، وانتقل إلى تفكيكه، عبر طرح سياق واضح لتطوره التاريخي والدلالي، يتناوب على تحليل السلفية الإصلاحية الحديثة، وإشكالية علاقتها بالحداثة، والجدلية التي صنعها التقدم الحضاري والعلمي مع السلفية، بالإضافة إلى الجمع بين الدعوة الوطنية، والدعوات التحديثية العصرية، في سلفيات علال الفاسي، ومحمد عبده، ورشيد رضا الإصلاحية.

عمل فني لـ مُنير فاطمي

ومن بين العناصر، التي انتقدها بشارة وفطن إليها، هي النظرة الاستشراقية الملتبسة التي تخلط بين السلفية والأصولية، كما يجري هذا الاستخدام في أدبيات الشرق الأوسط المعاصرة، حيث بين ذلك التعارض بينه وبين المفهوم الكلاسيكي الإسلامي للأصولية، ما تسبب في انتشاره باعتباره “كليشيه”، كما يورد في كتابه، وذلك بدون تمحيص ورؤية نقدية، تهدف إلى اكتشاف كنهه الدلالات التاريخية، لمفهوم السلفية خارج تلك “الكليشيهات”، السائدة والمهيمنة، على آلية إنتاج وتوليد الأفكار.

وبحسب، بشارة، فإن مصطلح السلفية، يروج له في الدراسات العربية، وكذا السوق البحثية لدراسات الإسلام، على أنه يخص طريقة تدين متزمت في الجزيرة العربية، غير أن هذا الضرب من التدين، ليس حكراً على الجزيرة العربية، بل يشمل كذلك المجتمع الشيعي.

بيد أن الوهابية التي بدأت كحركة بيوريتانية أو بالأحرى تطهرية أو طهرانية، لا تتماثل مع المعتقد البروتستانتي، كما يوضح بشارة في مقاربته التاريخية، وقد ظهرت الحركة المسيحية، في بريطانيا، في عهد الملكة إليزابيث الأولى، وازدهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

ومن بين الأمور التي تتقاسمها الحركتين، فإنها تتمثل في سرعة التكفير، وفرض نمط تدين بعينه، والتمرد على الكنيسة، والتي ستوازيها السلطنة أو بالأحرى الخلافة العثمانية، في حالة الوهابية.

ومن جهة أخرى، بدأت الحركة الوهابية كحركة طهرانية نجدية، معادية للحداثة، وهو ما مثله جماعة الإخوان النجديين، كما يشير بشارة، حيث كانت حركة هامشية، وبمثابة تيار صغير، خرج من الجزيرة إلى ريف الشام والعراق، في أثناء غزوات البدو الموسمية، وتصادمت الدعوة الوهابية التي تحالفت قبلياً وآل سعود، مع التدين الشعبي السائد، وقتذاك، ما أدى إلى تبرم وغضب المجتمع وأفراده منها، ونظروا إليهم باعتبارهم قوة فاتحة بالعنف والغلبة.

وفي ظل مأسسة العلاقة بين الدعوة الوهابية والسلطة السعودية، صارت دعوة تبشيرية كبرى، وتحولت إلى أيدولوجيا للسلطة، وقد ساهم في بزوغها وقوتها، عوائد الثروة النفطية السعودية، التي ما زالت تعيش على ريعية الدولة والمجتمع.

ولعب الصراع الإقليمي والانقسام العالمي الدولي، في مرحلة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، دوراً مؤثراً، في صعود نفوذها البراغماتي، وذلك من خلال استعانة الجانب الأميركي بالوهابية وأيدولوجيا الإسلام السعودي، بغية ضرب دول التحرر الوطني، وتصفية النماذج التي تقتفي أثر الدول الإشتراكية، وترفع مبادءها ضد هيمنة رأس المال، وتعادي الولايات المتحدة، وتصطف إلى جانب الاتحاد السوفيتي.

وإلى ذلك، تضخم الدور السعودي الوهابي، في سياق الصراع بين القاهرة والرياض، في ستينيات القرن الماضي، والاستغلال الاستعماري الغربي للوهابية، بغية محاربة المحور الراديكالي العربي، بزعامة جمال عبد الناصر، واليسار والشيوعية من خلال وضع الإسلام في مواجهتهم.

ويشير صاحب “هل من مسألة قبطية في مصر”، إلى أن السلفية وفق المنطوق الإصلاحي التقليدي، هي عودة إلى السلف، لكن ليس من حيث العودة إلى نصوص أو قضايا محددة، بل أيضاً إلى روح السلف، بانفتاحهم وجهوزيتهم للتطور والاجتهاد، كما أن السلفيين، عموماً، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، يميلون للعودة إلى القرآن والسنة، وحقيقة الأمر أنهم لا يعودون إلى المكان عينه، بل إلى متخيلات للماضي، وللسلف مختلفة تماماً، وإن كانوا يستعملون النصوص ذاتها في رسمهم وتصورهم لأتباعهم.

وبالتالي، يطرح بشارة ملاحظة لافتة، بأنه لا يمكن أن نعتبر السلفية العامة، المتمثلة في العودة إلى القرآن والسنة، مجرد نمط تدين قائم بذاته، بل ينتشر التفكير السلفي عينه، في ضروب التدين الشعبي، والذي يتكون نتيجة التفاعل بينه وبين كل نمط من أنماط الفكر السلفي، الذي يختلف ويتفاوت من حالة لأخرى.

لكن، التيارات السلفية إجمالاً ترفض العلمانية، كما يقر بشارة؛ لأنها بذلك تضع التشريعات البشرية، وفق الشرعة الربانية، حيث تنحصر مصادر العقيدة عند السلفية في كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح.

 

قد يعجبك أيضاً

رأيان حول ““ما السلفية؟” لـ عزمي بشارة.. تفكيك المفهوم وبناؤه من جديد”

  1. كتاب مهم جدا ، كيف يمكن الحصول على نسخه منه ؟ اى المكتبات التى يمكن الاتصال بها من اجل شراء نسخة من الكتاب .

    رد
  2. الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون صدق الله العظيم
    تتفرقوا امتي الي سبعين فرقة كلها هالكة الا واحدة
    السلفية الوهابية نشات وترعرعت بنجد وتحولت فيما بعد الي سلاح ووسيلة بايدي الاستخبارات البريطانية المسيحية الغربية لخدمة مصالحها بالشرق الاوسط وفيما بعد لخدمة مصالح الصهاينة والامريكان الصليبيون وهذا مؤكد وواضح ومعلوم يقينا ند العام والخاص .
    حزب النور السلفي المصري يعترف بدولةاسرائيل وبيهوديتها ايضا
    كل السلفييين الوهابيين السعوديين يدعون كل العرب للتطبيع علنا مع دولة الاحتلال الصهيوني اسرائيل ومنهم السديس وال الشيخ والعريفي والقرني ولي الجرري ….

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.