الرئيسية » تحرر الكلام » مقتَل علي عبد الله صالح

مقتَل علي عبد الله صالح

عُمُرُ الظُّلْمِ قَصِيرٌ كَخَيَالٍ

                 لَا تَخَافُوا مِنْ ذِئَابِ الظُّلُمَاتِ

لَوْ عَلَا فِي الْأَرْضِ أَيَّامًا طُغَاةٌ

                 فَمَلِيكُ الْمُلْكِ خَفَّاضُ الطُّغَاةِ

لَمْ يُسَطِّرْ قَلَمٌ ذَاتَ زَمَانٍ

                  فَازَ جَبَّارٌ خِتَامَ الْجَوَلَاتِ

فَلَقَدْ يَقْتُلُ عَاتٍ كُلَّ ذَاتٍ

                   وَ سَيَبْقَى الْحَقُّ مَكْفُولَ الْحَيَاةِ

        (من قصيدتي: الْحَقُّ مَكْفُولُ الْحَيَاةِ)

       قتل الحوثيّون اليوم (2017/12/04) الرّئيس اليمنيّ السّابق علي عبد الله صالح رغم دخوله في حِلف معهم منذ ثلاث سنوات، وذلك بعد بضعة أيّام من خطابه المتلفَز الذي أعلن فيه عن استعداد حزبه ”حزب المؤتمر الشّعبي“ للتّحاور مع دول التّحالف بقيادة السّعودية؛ من أجل وقف الهجَمات على شمال اليمن ورفع الحصار عنه، وقد صار حزبه ذاك مجرّد ميليشيا متكوّنة من معظم قوّات الحرس الجمهوري وبعض العسكر وحشود من المواطنين، وظلّ هولاء موالين له بعد اندلاع الرّبيع اليمنيّ في 27 جانفي/يناير 2011.

تدخّل مجلس التّعاون الخليجي بقيادة السّعودية لحلّ الأزمة، فرتّب تسليم السّلطة من علي عبد الله صالح إلى عبد ربه منصور هادي في فبراير/شباط 2012؛ مقابل الحصانة وعدم المتابعات القضائيّة، ولكن عليًّا ندم على ما فعل، فقاد موالِيه رافعين السلاحَ ومتحالفين مع الحوثيّين، ودخلوا في مواجهات طاحنة ضدّ القوات النّظاميّة الموالية للرّئيس اليمنيّ الجديد، وتمكّنوا من احتلال صنعاء يوم الأحد 21 سبتمبر/أيلول 2014 بكلّ سهولة، فسيطروا على جميع الوزارات والمؤسسات الحكوميّة والشّركات الكبيرة، وفرضوا الإقامة الجبريّة على عبد ربّه منصور، وأجبروه على الاِستقالة يوم 22 جانفي/يناير 2015 رفقة رئيس وزرائه خالد محفوظ بحاح، ثم احتفل الحوثيّون بالنّصر الكبير بزعامة عبد الملك، وأعلنوا عن إسناد قيادة البلد للّجنة الثورية برئاسة محمد علي الحوثيّ.

       بتاريخ 21 فبراير/شباط 2015؛ تمكّن عبد ربّه منصور من الإفلات من الإقامة الجبرية، وفرّ إلى عدن جنوب اليمن، ومنها بثّ خطابا عبر التّلفزيون الحكوميّ معلنا فيه عن تراجعه عن الاِستقالة التي أُجبر عليها، وعن لا شرعيّة الاِنقلاب الحوثيّ على النّظام، وبأنّ عدن ستكون عاصمة اليمن إلى غاية استعادة صنعاء، غير أن الحوثيّين بزعامة عبد الملك وحزب المؤتمر الشّعبي برئاسة علي عبد الله صالح أكّدا استقالته مرّة أخرى ورفضا تراجعه.

هكذا دخلت اليمن عامّة وصنعاء خاصّة في دوّامة من العنف، فمن جهة تصاعدت الاِشتباكات بين القوّات النّظامية المتمرّدة والقوّات الحوثيّة المتحالفة مع قوّات علي عبدالله صالح، ومن جهة ثانية؛ تصاعدتِ الاِشتباكات بين هذه القوّات الأخيرة وتنظيم القاعدة، والمتضرّر الأكبرُ في كل الاِشتباكات كانوا المدنيّين البسطاء.

       بتاريخ 26 آذار/مارس 2015، أطلقت السّعوديّة عاصفة الحزم لِـاستعادة الشرعية في اليمن، وانضمّت إليها إلى جانب دول مجلس التّعاون الخليجي كل من مصر والمغرب والسّودان وباكستان، مع تلقّي دعم الولايات المتحدة الأمريكية لوجيستيًّا. وقد بدأت عاصفة الحزم بطلب من الرّئيس عبد ربّه منصور هادي، وتمّ إيقافها بطلب منه أيضا، لتطلقَ السّعوديّة إثرَها عمليّة إعادة الأمل المشتملة على إيجاد حلول سياسية سلميّة وتقديم الإغاثات والمساعدات الإنسانيّة للسّكّان اليمنيّين، مع استمرار الحصار لمواقع ميليشيات الحوثيّين وعلي عبد الله صالح وقصفها جوّيا ومدفعيّا كلما اقتضى الأمر، فحقّقت العاصفة أهدافها المنشودة إلى أبعد الحدود، وذلك بتدمير مخازن السّلاح والصّواريخ في جبليْ نُقْمٍ وعطّانَ بصنعاء، وإزالةِ خطر المليشيات على المملكة وبقية دول الخليج، وإن كانت ثمّة صعوبات اعترضتها وقلّلت من نسبة نجاحها؛ فهي انقسامُ الصّفوف اليمنيّة على نفسها وفوضاها العارمة.

       حينما أحلّل شخصيّة هذا الديكتاتور العربيّ الذي وصل إلى السّلطة شابّا ولم يرضَ التّخلّي عنها شيخا، فأقلّ ما يُمكن أن أقوله عنه هو اتّصافه بالنّرجسيّة المفرطة وحبّه الجنونيّ للسّلطة، واستعداده للقيام بأي شيء في سبيلها، ولو على حساب الدّين والمبادئ والقيم والقوانين. عاش ملكا مطلقَ اليد واللّسان في شعب فقير وبسيط، وكانت أولى جرائمه أن أعدم ثلاثين شخصا متّهَمين بالاِنقلاب عليه في أوت/أغسطس 1978، وحينما قامت الثّورة في يناير 2011؛ قتل قرابةَ ألفيْ شخص وجرح أضعافا. لم يُحقّق إنجازات كبيرة طوال ثلاث وثلاثين سنة من حكمه الثّعلباني، فكما جلس على كرسيّ الرّئاسة واليمن شبه بدائيّ، غادر الكرسيّ واليمن شبه بدائيٍّ، بل ومفتَّت كل تفتيت ومشتَّت كل تشتيت، وما كان يوما من الأيام سعيدا!

أمّا تحالفه مع الحوثيّين الحثالة؛ فإنّما كان عن حماقة وخيانة وجبن ورعونة، فقد استعملوه لتنفيذ مآربهم ثم قتلوه شرّ قتلة؛ مثلما تستعملهم إيران لتنفيذ مخطّطاتها في المنطقة، وسيأتي يوم تتخلّص منهم إذا تمكّنت في الأرض.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.