الرئيسية » تقارير » “الرأي والرأي الآخر”.. ستراتفور: هكذا تمكنت “الجزيرة” من وضع قطر على الخريطة

“الرأي والرأي الآخر”.. ستراتفور: هكذا تمكنت “الجزيرة” من وضع قطر على الخريطة

لن يكون من الغريب القول إن “الجزيرة” كانت مشروعا سياسيا يتنكر تحت ستار الصحافة، بيد أن هذا الادعاء لا ينتقص من إنجازات الشبكة الإخبارية.

 

وقد غيرت «الجزيرة» قواعد الصحافة العربية التقليدية بشعارها «الرأي والرأي الآخر»، وعلى طول الطريق، جلبت اهتماما دوليا هائلا إلى البلد الصغير في الخليج العربي.

 

التعامل مع حليف متعجرف

عندما قادت المملكة العربية السعودية الجهود الرامية إلى إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981، تصورت نفسها كمستشار وشقيق أكبر لجيرانها الأصغر حجما، وقد تصور أفراد العائلة المالكة دورا بارزا لبلادهم في شؤون المجلس نظرا لحجم بلادهم الجغرافي، وعدد سكانها الكبير نسبيا، وثرواتها النفطية الضخمة، ورعايتها لأقدس الأماكن الإسلامية.

 

ومع مرور الوقت، أدى الموقف السعودي الاستبدادي إلى استياء عميق، ولكنه خفي، بين الدول الأعضاء، وكان من الطبيعي أن ينفجر غضبا أحيانا، الأمر الذي كشف، ولو لفترات قليلة، عن الشقوق والتصدعات في الكيان الأخوي. وفق تقرير نشره موقع ستراتفور.

 

وكانت قطر، الواقعة بين السعودية والخليج العربي، من بين دول المجلس الأكثر عرضة لتأثير المملكة، وكان غزو الجيش العراقي للكويت عام 1990 بمثابة تذكير مقنع بالأخطار التي تواجهها كدولة صغيرة في ظل قوة جوار أكبر بكثير، وهكذا، حاولت قطر تحويل حجمها لصالحها. حسب ترجمة الخليج الجديد.

 

وسعت البلاد إلى وضع مكانة لنفسها كنافذة على شؤون الخليج والقضايا العربية، وقد رعت واستضافت الحركات الإسلامية التي كانت السعودية والإمارات العربية المتحدة ترفضها، وانفتحت على الأنظمة السياسية التي لم تعجب شقيقاتها، وأطلقت مبادرات جريئة مثل مدينة التعليم.

 

وفي الوقت نفسه، عملت قطر على تسويق اسمها على الساحة العالمية للتغلب على مواطن الضعف في حجمها وموقعها، وقد فازت بتنظيم بطولة كأس العالم 2022، وأنشأت شركة طيران تنافسية، وعملت على تحويل الدوحة إلى مركز للتمويل والاستثمار العقاري.

 

ولعل أسوأ ما فعلته بالنسبة لجيرانها غير المستقرين في مجلس التعاون الخليجي، إنشاءها شبكة «الجزيرة» الإخبارية الفضائية.

 

معيار جديد

لم يكن بإمكان الشبكة الظهور في أي مكان لولا قطر، ومن المفارقات، على الرغم من ذلك، أنها كانت لتظهر في السعودية بدلا من ذلك.

 

وفي التسعينات، قررت المملكة إسقاط رعايتها لمشروع «بي بي سي» العربية، التي ذهبت بعيدا جدا في تعزيز الانفتاح السياسي إلى حد انتقاد سياسات آل سعود.

 

وقد أوضح «إيان ريتشاردسون»، المحرر الإداري السابق للقناة، مؤخرا في صحيفة «الغارديان» أن القرار «جعل 150 من الموهوبين والكتاب والمنتجين والتقنيين العرب المدربين من قبل هيئة الإذاعة البريطانية» متاحين في سوق العمل، الأمر الذي أعطى قناة الجزيرة اختيارات وفيرة من الموظفين المهرة.

 

وقد أصبحت الشبكة الوليدة حديثة العهد، المنفذ الشعبي الأول بعد «صوت العرب»، وهي المحطة الإذاعية التي أسسها الرئيس المصري الراحل «جمال عبد الناصر» في القاهرة عام 1953.

 

وكان أمير قطر يأمل في استخدام «الجزيرة»، كما استخدم «ناصر» «صوت العرب»، لإبراز صورته كزعيم عربي بارز.

 

وتحقيقا لهذه الغاية، اعتمدت الشبكة عام 2004 مهمة إعطاء الأولوية للحقيقة والموضوعية في تقاريرها، مع «دعم حق الناس في المعرفة، وتعزيز قيم الديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان».

 

وقد انتشرت الجزيرة على نطاق واسع في العالم العربي، وسرعان ما وضعت نفسها بعيدا عن منافسيها من خلال إعطاء المشاهدين ما يريدون سماعه، بدلا من تقديم نفس الأخبار الجافة والتقارير الرتيبة.

 

وقدمت الشبكة قصصا عن القضايا التي لا تستطيع أن تلمسها منافذ أخرى بسبب الرقابة الحكومية، ونتيجة لذلك، نمت شعبيتها، وقد سمحت لها معرفتها بكيفية كسب جمهورها بإعطاء الشبكة نفوذا سياسيا أكثر بكثير مما تمارسه قطر نفسها على الساحة العالمية، مثلما كانت تعتزم الدوحة.

 

تكلفة النجاح

وعلى الرغم من أن نطاق تقاريرها كان أكثر ليبرالية من نطاق أقرانها، لكن الجزيرة ليست في مأمن من السياسة، وقد نقحت الشبكة استراتيجيتها وسياساتها في عام 2007، ما أضر بنزاهتها الصحفية.

 

وبعد ذلك بـ3 أعوام، استقالت 5 نساء من مناصبهن في قناة «الجزيرة»، مستشهدات بفرض قيود على استقلاليتهن التحريرية، بين عدة أسباب لمغادرة المحطة.

 

وأصبحت موضوعية «الجزيرة» موضع تساؤل كبير.

 

وخلال انتفاضات الربيع العربي، على سبيل المثال، خصصت «الجزيرة» المزيد من التغطية لبعض الاحتجاجات أكثر من غيرها، وكانت التقارير بشكل مكثف عن الأحداث في مصر وفي ليبيا، حيث انحازت إلى المتظاهرين الذين خرجوا ضد معمر القذافي.

 

وفي البحرين وعمان، كانت على النقيض من ذلك، حيث اتخذت نهجا أكثر توازنا، مع التقليل من حجم الاحتجاجات، وامتنعت الشبكة تماما عن الحديث عن الاضطرابات في المنطقة الشرقية بالسعودية، أو الرد العنيف من قبل قوات الأمن السعودية.

 

ومنذ تولي الأمير الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» السلطة في يونيو/حزيران عام 2013، اتخذ المزيد من الاحتياطات لضمان ألا تسيء «الجزيرة» إلى أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

 

ومع ذلك، لا يزال العديد من حكام المجلس ينظرون إلى الشبكة على أنها تهديد للاستقرار السياسي الذي يحظون به قبل كل شيء آخر.

 

وقد انتقد مناهضو قطر في المجلس قناة «الجزيرة» كمنفذ يسبب الارتباك والغضب بين الناس، كما دعت السعودية والإمارات وحلفاؤهما في الحصار المفروض على قطر إلى إغلاق القناة كشرط لاستئناف العلاقات.

 

وفي يوليو/تموز، قالت حكومة الإمارات إنه يجب على القناة الإخبارية تغيير سياساتها وممارساتها، على أقل تقدير، إذا كانت ستبقى قيد التشغيل، وأضاف وزير الخارجية الإماراتي أن شكاوى أبوظبي ضد شبكة الجزيرة لا تتعلق بالاختلافات في الرأي، ولكن بـ «الخطابات التحريضية» التي تحرض على «الكراهية والعنف»، على حد قوله.

 

وتشير هذه التعليقات إلى نجاح قناة «الجزيرة» في أن تصبح أداة تميز قطر عن شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، وقدرتها على تقويض سلطة السعودية، ولكنها تسلط الضوء أيضا على تكاليف هذا النجاح.

 

فإذا كانت قطر تريد تحقيق طموحاتها كقائد في العالم العربي وإنهاء الحصار عليها، فقد تضطر إلى التخلي عن سعيها إلى الحقيقة، وقد تضطر إلى مواءمة البث والإنتاج مع الخط السياسي السعودي.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.