الرئيسية » تحرر الكلام » جوع من نوع جديد

جوع من نوع جديد

الجوع وما أدراك ما الجوع، هو كائن جبار لطالما دك عروشا ظن راكبوها أنهم بمأمن من أيدي الشعوب التي تتحول لقوة باطشة إذا وقعت تحت سطوته، نُسبت أليه العديد من الثورات والفورات، أتهمه الكثير من الناس بالكفر، فقالوا إن الجوع كافر، وبرروا لمن يتلبسهُ الجوع جميع الأفعال، حتي الشرع حكم بإعفاء السارق من حد السرقة إذا تمكن الجوع من بلد ما.

الجوع دفع الناس في بعض العصور إلي أكل الكلاب والقطط، بل إن هذا الكائن الجبار دفع الناس الي اصطياد الضعفاء منهم وأكلهم – خذ عندك الشدة المستنصرية الي حدثت في مصر أثناء العصر الفاطمى مثالاً علي ذلك – وأنا عندما أفكر في السبب الذي جعل الإنسان يأكل أمعاء الحيونات مثلا أو ما نسميه نحن بالعامية  ” الممبار” أو الفشة والكرشة، فلا أجد سببا إلا الجوع، وأظن أنهم وما يشبههم من أكلات ، ليسوا إلا نتاجا للمجاعات .

في العصور السابقة، لم نعرف إلا شكلا واحدا للجوع، لطالما تمثل لنا في صورة نُدرة الطعام، الذي ينتج عنه مجاعة، هذة هي الصورة المعهودة للجوع العام.

أما الان فإننا نعيش في مصرنا الحبيبة نوع جديد من الجوع، إستطاعت أنظمتنا – مشكورة- أن تضيفه إلي قائمة أنواع الجوع، جوعنا يا سادة لا يمت لندرة الطعام بصلة، فالطعام من الممكن أن يكون موجود بوفرة، و لكنه طعام ملوث أو مسرطن أو غير معلوم المصدر، فقمحنا مسرطن، و سمكنا وليد مزارع تطعمه أحشاء الدجاج، وإذا ذهبت الي الجزار لا تدري هل سيبيع لك لحم حمار أم حصان أم كلب، وكذلك فانك إذا جلست لتأكل في أفضل المطاعم ، لا تدري ما الحيوان الذي يقدم لك من لحمه علي المائدة، وهذا شئ ينطبق على عظيم المطاعم قبل حقيرها، والحوادث يضيق بسردها المقام .

نحن في حصار من الطعام الملوث الذي يحيط بنا من كل جانب، فعلي الرغم من  غلاء سعره فإن نفسك لا تطاوعك إلي الإمتداد إليه فماذا نفعل؟ علاج السرطان وفيروسات الكبد أصبح من مستلزمات معيشة الكثير من أهل المحروسة.

ذكرني ما وصل اليه حالنا بالشاعر عندما قال :

كالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ    

فهو هنا يقصد أن الأبل تحمل الماء علي ظهورها وهي تكاد أن تموت من العطش ولكنها لا تستطيع اليه سبيلا، إن اشفقت علي هذة الجمال فعليك أن تشفق علينا نحن كمصريين بصورة أكبر، فالجمال تحمل هنا ماءا نقيا صالحا للشرب، أما نحن فلا يوجد أمامنا إلا الفاسد أو المسرطن من الطعام أو الماء .

ما أعرفه أن مطالب أي شعب في العالم بالنسبة لطعامه يتلخص في أن توفر له الحكومة طعاما بسعر مناسب ، اما نحن فنثقل كاهل حكامنا بطلب أخر اضافي بسيط، وهو أننا نريد طعاما نظيفا غير ملوث أو مسرطن، ونريد رقابة حقيقية علي الأسواق لنعلم ماذا نأكل، هل من الممكن أن نأكل طعامنا – ان وجدناه – دونما خوف؟ .

لاحظ انني أتكلم هنا عن جوع من نوع خاص تسلل للطبقات القادرة من المجتمع، أما باقي طبقات المجتمع وهي الكثرة الغالبة منه، فتتعرض لأنواع الجوع مجتمعه، وكأنها قد تعاهدت ألا تجعلها تشبع أبدا.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.