الرئيسية » تقارير » المجتمع الجزائري في أقسي أزماته: هروب فتيات من أسرهن وأطفال “حرام” بلا آباء

المجتمع الجزائري في أقسي أزماته: هروب فتيات من أسرهن وأطفال “حرام” بلا آباء

تتحول شوارع الجزائر العاصمة إلى أسرّة من “الكرتون” بمجرّد حلول الليل؛ حيث يقوم المشردون بافتراشها تحت الجسور والمعابر، أو على الأرصفة التي تجاور المباني الرسمية والحكومية، في غياب مراكز يفترض أن تكون مآوي لهم. مشردون يلتحفون السماء، يواجهون قساوة العراء دون ملابس أو أفرشة تحميهم من حرّ الصيف وبرد الشتاء، ناهيك عن الاعتداءات التي يتعرضون لها في غياب أيّ تدخل من طرف السلطات التي يبدو أنها سلمت بعجزها عن حمايتهم وتوفير العيش الكريم لهم.

وقد تفشت في المجتمع الجزائري ظاهرة هروب الفتيات من بيوت الأهل، لأسباب قد تكون مرتبطة باضطهادهن من قبل أحد أفراد العائلة، أو نتيجة خوفهن من العقاب إن سقطن في المحظور وجلب العار للعائلة، فيفضلن الوقوع فريسة لظلمات الشوارع وذئاب البشر، بدلا من قبول العقاب أو الصبر على ما هن عليه، أو البحث عن حلول أخرى، فكانت بذلك البداية لحياة قاسية جدا تشوبها العلاقات الممنوعة والحرمان من النوم والمأكل والملبس والسكن، لكن لكثرتهن في الشوارع أصبح المنظر عاديا لا يلفت أنظار الناس ولا يشكل لديهم فارقا.

تتحدث نوال القادمة من الغرب الجزائري، أو بالأحرى الهاربة من بيت أهلها منذ أكثر من سنتين، بعد أن وقعت في المحظور، حين أقامت علاقة مع مالك إحدى الشركات بمدينتها، وقد كانت تعمل لديه كمنظفة، حيث وعدها بالزواج وأثمرت العلاقة غير الشرعية عن حمل. ولما اكتشفت عائلتها أمرها هربت قبل أن يهمّ أبوها بطردها من البيت، حيث لم يكن يمتلك الجرأة على قتلها. بينما حاولت أمها إقناعها بالإجهاض والتخلص من الجنين إذا أرادت أن تستمر في العيش ببيت أبيها، غير أنها أصرت على الاحتفاظ به، ولم تشأ أن تفرّط في ابنها رغم عدم اعتراف الرجل بابنه.

فضلت نوال الهروب إلى الشارع، ليستقرّ بها المقام في الجزائر العاصمة، مشرّدة بين أزقتها حاملة ابنيها معها؛ فهي في خضم حياتها في الشارع تعرضت للاغتصاب أكثر من مرة ولا تعرف حتى من هو والد طفلها الثاني. كانت تتفوه وهي تخاطب صديقاتها بكلمات بذيئة وغير أخلاقية، ولا يبدو عليها الحياء، تقول نوال “كيف للحياء أن يزاولني بعد أن أقدمت على ما أقدمت. أنا في الشارع أتعرض يوميا للتحرّش من المدمنين والمخمورين، ليالينا باردة ولإطعام الطفلين يتوجب علي الرضوخ للرجال، ولو مقابل خبزة”.

لكنها لم تخف تحسّرها على ما عاشته من أمان ودفء في بيت والدها قبل الهروب، واستطردت تقول “لا يهمّني أي شيء في الدنيا إلا أن يعفو عني والدي ويسامحني على الخطأ الذي اقترفته.

لا أتمنى أكثر من أن أجد حلا لمعيشتي هذه حتى أخلص هذين الطفلين من هذا الوحل، لكن أعتقد أنهما سيعيشان ما رأيته، لأن الأمور في بلدنا تسوء كل يوم. الناس اعتادوا رؤيتنا على هذه الحال من البؤس ولا أحد يتحرك لإعانتنا، إنه أمر مؤسف”.

صور محزنة عبر مختلف الأحياء والشوارع لأطفال متبايني الأعمار، يرتدون ثيابا بالية تفوح منها روائح كريهة

زوج يجبر زوجته وأولاده على التسوّل

في أحد الأحياء الشعبية المعروفة بالجزائر العاصمة، يقوم زوج بإحضار أفراد أسرته؛ زوجته وأولاده، صباح كل يوم إلى المكان المحدد، ليغادر تاركا إياهم في وضع مزر تقشعر له الأبدان، حيث يقومون بالتسول على مدار ساعات كاملة، يتعرضون خلالها للمضايقات والشتم ونظرات الآخرين التي لا ترحم، بالإضافة إلى مخاطر تقلبات الأحوال الجوية، إذ يضطرون لتحمل البرودة القاسية والحرارة الشديدة ولا خيار آخر أمامهم.

في المساء يعود الزوج لاصطحاب العائلة، وإذا لم تعجبه الأرباح المحصلة أو رقم الإيرادات يقوم بمعاقبتهم فورا، وذلك بالانهيال عليهم بالضرب المبرح، ما يجعلهم يبذلون قصارى جهدهم من أجل الظفر بالبعض من الدنانير لأجل إرضاء ربّ الأسرة الذي لم تمنعه أبوته ولا رجولته من رؤية أبنائه وزوجته في وضع لا يحتمل.

صور محزنة عبر مختلف الأحياء والشوارع لأطفال متبايني الأعمار، يرتدون ثيابا بالية تفوح منها روائح كريهة، ملامح البؤس والشقاء تسيطر على تقاسيم وجوههم. يحملون غالبا في أيديهم أكياسا مليئة بحصاد يومهم.

عند حديثنا مع هؤلاء المشردين للتعرف عن واقع معيشتهم وعن حالهم وعمّا يفكرون فيه، كان ما لاحظناه أن أكثرهم لا يعلمون لآبائهم طريقا. والظاهر أن انتشار ظاهرة الأمهات العازبا، زاد من عدد أطفال الشوارع، ضحايا العلاقات غير الشرعية.

ذكر كريمو، وهو في سن الرابعة عشرة، أنه يعرف أمه التي عاش معها خمسة أعوام قبل أن يخطفها القدر بعد أن قاومت الموت لعدة أعوام بسبب معاناتها من زكام حاد، ليجد نفسه وحيدا في الشارع الذي طالما تقاسمه مع أمه والعديد من أمثالهما من المشردين. كان يبيت مع أمه تحت الجسور يحتميان بـ”الكراتين” التي يفترشونها. إنه لا يخجل، واعترف أنه يشعر بالغيرة من بقية الأطفال الذين يلعبون ويمرحون، وأن أكثر شيء يفتقده هو الدفء العائلي.

يختصر كريمو معيشة الشارع بقوله “إنها ذل في ذل، حرمان متواصل، نعيش من السرقات وممّا يجود به الناس علينا؛ لا يأتي من الشارع إلا المنكر والفساد، فقدنا الأمل في الخروج من هذا النفق نحو جوّ طبيعي هادئ وآمن”.

العرب

قد يعجبك أيضاً

رأي واحد حول “المجتمع الجزائري في أقسي أزماته: هروب فتيات من أسرهن وأطفال “حرام” بلا آباء”

  1. إن المتجول في شوارع العاصمة الجزائرية ليلا و نهارا يلاحظ أنها تأوي أسرا و أفرادا من العديد من الدول الإفريقية و العربية و الشعب الجزائري يكرمهم . وأما بعض الآفات الإجتماعية فلا تخلو منها أرقا عواصم الدول العالمية.

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.