أردوغان يلاحق الإنقلابيين ويبدأ بتطهير الجيش والقضاء وإعادة عقوبة الإعدام تلوح في الأفق
اتخذت السلطات التركية سلسلة من الإجراءات ضد مسؤولين وقضاة خارج السلك العسكري الذي تورط في المحاولة الانقلابية، وأمرت باحتجاز 2745 قاضياً، وعزل خمسة من أعضاء المحكمة العليا، مع اعتقال قاضيين في أعلى هيئة قضائية وملاحقة 140 آخرين، وفتح الباب أمام عقوبة الإعدام ضد المجموعة الانقلابية، والمطالبة بتسليم واشنطن الداعية فتح الله غولن، وهي إجراءات أثارت قلقاً أميركياً وأوروبياً، حيث دعت هذه الأطراف الدولة التركية إلى “التقيد بالقانون” في تعاملها مع المتورطين.
ومع سيطرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الموقف بشكل شبه نهائي، صباح السبت، صدرت أوامر وقرارات عدة طالت مجموعة واسعة من المعارضين في سلك القضاء.
ونقلت قناة “إن.تي.في” عن قرار صادر عن المجلس الأعلى للقضاة والادعاء، القول إن السلطات التركية عزلت 2745 قاضياً. وفي وقت لاحق أمرت السلطات عدم الاكتفاء بنقل هؤلاء وطلبت احتجازهم.
وأفادت مصادر بأن خمسة من أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين عزلوا أيضاً. وأشارت وسائل إعلام تركية إلى أن القاضي ألب أرسلان ألتان، أحد القضاة الـ17 الأعضاء في المحكمة الدستورية، وضع قيد الاحتجاز لأسباب لم يتم تحديدها.
وذكرت مصادر أن السلطات التركية اعتقلت عشرة من أعضاء مجلس الدولة، وأنها تبحث عن 140 من أعضاء محكمة النقض (التمييز)، في إطار تحقيق بشأن محاولة الانقلاب.
واتهم رئيس نقابة القضاة في تركيا مصطفى كاراداغ، القيادة التركية بتنحية خصوم أردوغان من خلال حركة التطهير القضائي التي اتخذتها بعد فشل الانقلاب. وقال كاراداغ، إن السلطات لم تلق القبض فقط على المتعاونين مع الانقلاب، بل أيضاً على من ينتقدون الرئيس أردوغان، ممن لا علاقة لهم بالانقلاب.
تطهير الجيش
وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أن السلطات التركية اعتقلت السبت القائد العام للجيش الثاني آدم حدوتي ورئيس أركانه عوني آنغونفيما يتصل بمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت خلال الليل. كما اعتقلت قائد الجيش الثالث إردال أوزتورك.
ويرى بعض المراقبين في اعتقال هؤلاء الجنرالات بداية لعملية التطهير في الجيش التركي التي توعد بها الرئيس رجب طيب أردوغان، في أول خطاب له بعد المحاولة الانقلابية. ويتولى الجيش الثاني المتمركز في ولاية ملاطية حماية حدود تركيا مع سوريا والعراق وإيران.
وصرح مسؤول تركي لوكالة رويترز بأن السلطات ألقت القبض على 1563 عسكريا في أنحاء البلاد بعد محاولة الانقلاب التي نفذها قطاع من الجيش الليلة الماضية. وتم إقالة خمسة جنرالات و29 كولونيلا من مناصبهم، طبقا للمسؤولين الأتراك.
وتقوم السلطات باعتقال جنود في مختلف أنحاء البلاد بعد المحاولة التي قام بها ضباط من الجيش في ساعة متأخرة من مساء الجمعة. حيث ذكرت مصادر أمنية أن الشرطة التركية اعتقلت السبت حوالي 100 عسكري في قاعدة جوية في ديار بكر بجنوب شرق تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري.
ولعبت القاعدة الجوية في ديار بكر دورا محوريا في العمليات الجوية التي استهدفت حزب العمل الكردستاني خلال العام الأخير. وذكرت المصادر أنه جرت اعتقالات أيضا في قواعد عسكرية أخرى بأقاليم شانلي أورفا وهكاري وبينجول ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق البلاد.
شبح الإعدام
وقال الرئيس التركي طيب أردوغان، أمام حشد من أنصاره يهتفون مطالبين بتطبيق عقوبة الإعدام، إن مثل هذه المطالب قد تبحث في البرلمان.
بدوره، أشار رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إلى أن عقوبة الإعدام غير واردة في الدستور، لكن تركيا ستبحث إجراء تغييرات لضمان عدم تكرار ما حدث.
في الأثناء، قال يلدريم، إن أي دولة تقف إلى جانب رجل الدين فتح الله غولن لن تكون صديقة لتركيا، وستعتبر في حالة حرب مع الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي. وذكرت الحكومة أن أتباعاً لغولن الذي يعيش في منفى اختياري بالولايات المتحدة منذ سنوات، يقفون وراء محاولة الانقلاب.
من جهته، قال القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان التركية أوميت دوندار، إن القوات المسلحة عازمة على إقصاء عناصر “الكيان الموازي” من مناصبها.
أرضية مشتركة
إلا أن المحاولة الانقلابية قد تفتح باباً للتعاون بين الأحزاب السياسية المعارضة وحزب العدالة، بعد سنوات من توتر العلاقات. وقال رئيس وزراء تركيا إن التعاون بين الأحزاب السياسية في تركيا سيشهد بداية جديدة، ووعد بأن تجد الأحزاب الأربعة الرئيسية المتشاحنة عادة أرضية مشتركة.
وجاء موقف يلدرم، بعد أن دانت الأحزاب الأربعة الرئيسية في تركيا، محاولة الانقلاب العسكري في بيان مشترك تلي في البرلمان، فيما يمثل ابتعاداً عن المشهد المعتاد للانقسامات في السياسة.
والأحزاب الأربعة تنتمي لأطياف سياسية مختلفة في البلاد من اليمين المتمثل في حزب العدالة، وصولاً إلى حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، والمنتمي ليسار الوسط. وقالت الأحزاب إن موقفهم دفاعاً عن الديمقراطية في تركيا لا يقدر بثمن.
تداعيات ما بعد الإنقلاب
في السياق، حض الرئيس الأميركي باراك أوباما جميع الأطراف في تركيا على التصرف في إطار احترام دولة القانون بعد إحباط انقلاب عسكري. وعلى غرار الموقف الذي أطلقه ليل الجمعة، جدد أوباما خلال اجتماعه مع فريقه للأمن القومي الدعم الأميركي غير المشروط للحكومة المدنية المنتخبة ديموقراطياً في تركيا.
وأورد البيان أن “الرئيس وفريقه أسفا للخسائر في الأرواح، وشددا على الضرورة الحيوية لجميع الأطراف أن يتصرفوا في إطار احترام دولة القانون، وتجنب أي عمل يمكن أن يتسبب بمزيد من أعمال العنف أو عدم الاستقرار”.
كذلك دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، الرئيس التركي إلى معاملة الانقلابيين وفق أحكام دولة القانون. وقالت ميركل خلال كلمة في برلين خلال إدانتها المحاولة الانقلابية، إن التعامل مع “المسؤولين عن الأحداث المأسوية يمكن وينبغي ألا يحدث إلا بموجب أحكام دولة القانون”.
كما أعرب رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، عن قلقه حيال محاولة الانقلاب في تركيا وعواقبها.
وقال إن من السابق لأوانه الحديث عن تأثيرات محاولة الانقلاب، وذلك في رده على سؤال: ما الذي خرجت به تركيا من هذه الأزمة؟ مشيراً إلى أن “الطريقة التي ستتعامل بها تركيا مع محاولة الانقلاب ستكون حاسمة بالنسبة لها ولعلاقاتها بالاتحاد الأوروبي، وهدفنا هو الاحتفاظ بتركيا كشريك محوري”.
تنكيل
ذكرت تقارير إعلامية أن جنوداً بالجيش التركي تعرضوا خلال محاولة الانقلاب الفاشل لإساءة المعاملة أو حتى التنكيل بهم. وأظهر أحد مقاطع الفيديو الذي يبدو أنه التقط على أحد جسور مضيق البوسفور في إسطنبول، جندياً ملقى على الأرض مضرجا في دمائه، بينما يقول ملتقط الفيديو بالتركية: “قتلنا أربعة، والآن نحن مع الخامس”.
المصدر: الوطن العربي