الرئيسية » تحرر الكلام » بالله يا اخِ لو مررت بالجنة يوماً؟!

بالله يا اخِ لو مررت بالجنة يوماً؟!

انا قد ابصرت الوجود هنا في ارض العظماء مسقط رأس الرسل و الأنبياء،في غبراء مشارق ارض الفيحاء و علواء دنيا الجنوب الشهباء. 

يانع العود احبو الطفولة  قليل الخطى امشي لينُ القوام على لجينٍ سعادة غامرة نواعم الترباء.

اي همّ لي؟ و انا بدار سلوى و هناء،بين اعزة اهلي نعمٌ تحيط ذاتي،و كثرة أتراب و خيرةُ أصدقاء و أحباء.

و والديّ سكينة روحي و جنة انسٍي و حنان سعد أيام عِزباء.

بمحاسن الطفولة أربعة أعوام،اول فصول مدرسة و اول درس من دروس الحياة،الفٌ و باء، صور و حروف الضاض مكتوبة على الواح سوداء،و كتبٌ صقلتها ضياء ضمائر الكتباء.

فتى بعنفوان أعوام الصباء و عفوية محبة الجمال،كم سَبيتُ الجمال،و عاد الجمال يرميني نبالاً لمياء، اول حب الهام ريحانة دفئ و عبق زهرة ربيع هيماء،لهفة ريعان الشباب في هيام الحُب لها سمعت دقات قلبي شغفاً، و لَهَا تلمعت عينايا لحُمرة خديها بكل موعد و لهفة لقاء،ايام و ليالي ماشانا الهوى تحت اضواء المسرّات  مسامراً في نضائر رياض فواحة العطر فوق هضاب عاليات  الرجاء و لحظات تأمل بما وراء آزال الافاق المعانقة اجيج أشعة اصباح يتلمّع لها الزحل و نجمُ الشمال،و له الزهراء تألقا للجوزاء بعتمة رُصّعت بدرر رهبة شواسع و شاح سماء البيداء،

كانت الصبحُ مُطلةٌ من دياجي عوالم الغيب على رخائم رَوَاسٍ كصنين رمت أجفان السماء عليها أنوار سهامها من بين اثير قرمزي مكسر السحائب تزهو و تسمو فوق زرقة و صفرة لا حد لها،بحرٌ من غيّر سواحل و محيط بلا شطآن،من رحمة الرحمن شاسعة المحبة عميقة الوداد،لها سلوى مسرات طمأنينة النفس سما لَهَا الفؤاد في عالم الوجود الى مجرات ثاقبة الجمال بعيدة ابعاد الدرائر في الافضاءِ.

تنزهت مرائج فيحاء غدائرها رقراقة خزامية الدروب عطّرها الزعتر،بخورها الطيون اقحوانية الثناء،جداولها فضية خلابة الترامي بجور الورد جائلة كالسحر العجاب،تموج مشبعة بشذى زهر الياسمين المحيط بعنبر فيافيه الفياء.

استفاق نيسان مداعباً ضباب الربى، شددت رحال عزيمة الرحالة مع قوافل الأسفار عند سواحل كثيرات الجزائر متلاطمة البحور عرجة الشطآن،هضابها تعلو منبسطة مرجاء ثم تهوي منسابة مع النسماء سخية السخاء،بالنعم  تدر لبناً و عسلاً و تسيل بكوثر صفى زمزم طيبةُ المطاب و تذوب يمانيةُ الشهد بنكهة لذة آرائج مذاقها خالص الصفاء.

طليقاً على ماس رمال سواحل شطأن ملساء تراكضتُ أبني قلاع الأمال،و جثوت ركوعاً امحي خيالات احلام طفت متموجة فوق امواج نسجتها لمسات قرائح الخلود،و أنغام غنت قصائدها الشعراء و روتها عابرات العصور من ملاحم افكار الحكماء، حملتها اكف الريح مع تنهدات ألحان طيور شاديات و ترنمات حفيف امواج بين مد و جزر لم تبقي لسفائنها مرسى ولا لفلكها ميناء.

سافرت مع مطالع سافرات الأقمار و الشهب السابحات،و نفسي مشرقة بنور الحق غير مبالٍ لأصوات مناجاة النداء للبقاء، وجهتي سهل و وادي سنابلها غضة تبسمت لعطر فجر عليل النسماء نقية الاهواء باهية الصفاء،هناك عند جوار جليلها غنى الشحرور الشادي لكروم دواليها و لأعين ماء تترقرق َفارِحَةٌ بشاشةٌ لملاقاة بريق عزب سلسبيل ينابيع دافقات المناهل ناشيات الغياث، تجزي الحياة للجماد و كرماً تغدق على العباد و تجود بمسك الثرى للأحياء،

في عتمة ليلها تتوهج الابدار و على بلور وجهها تتلمع درر شهاب ساريات الخواطف الشهباء. 

رحلتُ الأعوام من غير وداع على رواحلٍ رسمت اخفاف الانعام خطوط تبر ثرى دروبها بين كثبان البوادي، و سنابك الخيل حفرت عمق اغادير كروم سهولها الجناء.

مسافراً كنت بين غابات اطرافها ضفافٌ سندسية الوهاد،أحراشها عاليات فوق نواتئ صوانية بانت أحراش شجرها على منزلقات سفوحها كعيدان ثقاب و أوشحة بقايا بياض ضفائر نواصع جليد كالحرائر فوق قممها الجرداء،و منحدرات جانية الثمار لوز كرز و عرائش قطوف عنباء،ارتوت أجواء أخاديد وهادها بعبق الصنوبر كللها هدوء صمت ظلال الياسمين و كستها رهبة السكينة ألواناً نضراء لاحت جمالاً بنشوى اريج فرادس حدائقها الغناء،زخر زهائرها و حسنٌ روائعها بدائعٌ كمقل الحياة النائيات بجوار أجفان النرجس المتلألأ النداءِ،و حوت سهواتٌ نظائرُ خلّبتها نعمٌ غناءُ العطاء من وافرٍ اذا ما النفس باستحياء اشتهت،و استحلى الطرف الخجول من خمائل روضها تين و رمان ودوالي أعناب جنى من شوامخ طيبات نخيلها الرطباء.

في تلك الجنان غنى البلبل الولهان للهدهد المتوج شوق شذى،ناغم نسائم منعشات في الامساء،و طائر الحسّونُ للدهر صدح اشتياق إيماء، و صغير الطَّيْر صفرّ لرياحين الروض الاغن و لأيل الظبا و لريم الفلاء،كلٌ ينظم اهواء ألحانه لهواً فوق أغصان صفصافة الأوراق جمةً الايفاء،و قنا غلائل سنابل رفرفت لَهَا تحت وارف طيات غيوم في زرقة الأفاق،فهناك البازي و هنا شواهين السماء،و رفوف الدوري في غمرة غمار البيادر النعماء اسراباً للغدائر تغدو و اسراباً تأوي وكرها النائي، تفرُ و تؤوبُ إيواء المستوحشة اذا ما طوى عليها جناح الدجى و جن بألوانه المساء.

منهم من قال مستهتراً،انك لست لَهَا بعائدٍ و الروح سجينة قفص الابدان.

اي كفر هذا و روح الأرز في الوجدان مغروسٌ و حب الوطن يسري جسدي من دم الاجداد و الآباء الى الأبناء.

اذا ما هزني الحنين و الشوق عاركني و للمنى أغمضت المقل الجفناء،فأنا نزيل رحاب طهر ارض العظماء والانبياء. 

   يا اخ العرب لو مررت يوماً بجنة رفاه و رخاء فيها ماضي الجمال و الحاضر سواء، سلم على بلادي ارضها اَهلها و السماء.

طال الرقاد على جمر تراب الغربة عقود،و نهش البعاد الفؤاد و نخر الشوق الأضالع،و صحت الشواعر الحنواء حتى استوحشت الأشجان و انفرتْ الاحشاء.

كم شعتُ مديد أشياع الارض و الغربة تفرك سراب الثراء، و الناس تاهت بين فقر الغني وغنى الفقراء!    

دمعة تَحْت أجفان البعاد عن الاوطان هي ضنى مصاب علة الشقاء و الداء.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.