الرئيسية » تحرر الكلام » الفلوجة عروسة الثورة العربية

الفلوجة عروسة الثورة العربية

عرك الصبح النعاس عن أجفانه , وأزاح بسحر أنامله الخفية ستائر السواد عن تلك الضفاف المتعرجة,و رصع  بأشعة إبتسامته القرمزية أغصان النخيل الشامخ و تسارعت نبال نوره الذهبية متساقطة على التلال الرملية تتكسر متشعبة في حدائق البيوت مبدلة بنورها الفضي بقايا أذيال الظلام .

      استفاقت قرى و مدن الزوراء مع انفاس ذلك الصباح المفعمة بأطياف الزهر المعطر برائحة المروج و البساتين المتلألأة بالندى، و على أغاريد الطيور السارحة بإتجاه البيادر المفروشة بالأغمار و الكروم المثقلة بالأثمار، إلا مدينة الفلوجة العراقية الصامدة .

      لم تستيقظ مدينة “الفلوجة” كعادتها على صياح الديك و التقلب بأحلام فلاحة الأرض و بذور الزرع وأغاني الحصاد, ولا على أغاريد الطيور المتنقلة بين أغصان الأشجار ونوافذ البيوت و على أسلاك الكهرباء، ولا حتى على جريدة يومية مع قهوة الصباح.

      في تلك الصبحية إستفاق أهلُ المدينة المسالمة من بهجة المنام قبل صلاة الفجر على ظلام دامس لف حدودها بالأسلاك الشائكة، و احتلال غاشم زرع حقول ضفافها بالقنابل و الالغام،وطغمة سوداء حفرت اطرافها الرملية بالخنادق و رفعت في زوايا مداخل ضواحيها أكداس أكياس الرمل و الدشم والمتاريس .

      فتحت مدينة الفلوجة مسامعها على أصوات انفجارات البراميل الحارقة و جلجة الدبابات وتكسر أبواب المنازل وأصوات الإنفجارات و أزيز الرصاص الآتي من آلة الحرب العلقمية, وعصبية عصابات الشر وجيوش الاحتلال المدحورة.

  بعد معارك حامية على مداخل وضواحي المدينة الحصينة بالحق و ارادة النصر  واجه مواطنو الفلوجة الاحتلال الغاشم بأنصال الخناجر والحراب و فوهات المدافع والبنادق وحد السكاكين،حتى خرج الغزاة منها مطأطئين مدحورين يجرون الهزيمة،معهم قتلاهم وجرحاهم و خلفهم بقايا عرباتهم المحترقة و ركام آلات الحرب المدمرة.

   في عشية ذلك اليوم تجمع شيوخ عشائر عرب المدينة الصامدة يتداولون أمورهم أمام حقيقة الواقع المر الذي فرضَ عليهم وعلى الوطن فاجعة عظيمة و مؤامرة عميقة ارادت ان تحولهم لسجناء داخل بيوتهم وأسرى في مدائنهم و كلصوص في ديارهم !

  و الكل يردد:لن نركع أمام غلاظة حلفاء الباطل ولن نتراجع أمام جيوش الرذيلة و الفساد،إن ملاقاة المنايا لهي أشرف لنا من العيش تحت وطأة نير الاستعمار وقيود أصفاد الطائفية و الإستعباد.

      لا لن تطحن إرادتنا قساوة العدوان ولن تصهر وحدتنا الآعيب هذا الغاشم الحردان و سندافع عن عروبة أرض آباءنا و أجدادنا بكل ما هو كياننا حتى ولو بأظافرنا وأسناننا.

      و سنقاوم جيوش الظلم حتى الشهادة، إن الحاكم الظالم لا يستطيع إستعباد الأحرار و الشهداء, ولتكن مدينتنا المباركة رمزاً للصمود في “عراقنا”العظيم الحبيب، و راية جديدة في ذاكرة المجد و الاستبسال في سبيل الحق، و للحفاظ على وحدة مصير الأمة و الوطن .

   امام أبواب السماء نناجي،لم يترك لنا هؤلاء الكلاب المسعورة و الغيلان المأجورة إلا أن نواجه الموت بالموت وأن نخمد النار بالزيت و النار .

     إن السكوت على هذا الإحتلال الصفوي جريمة بشعة والقبول به بالصمت عار , وغض الطرف بالامبالاة و عض الأصابع و الوقوف بلا مقاومة لهو خيانة لتكريس الشر و إثبات أقدام الباطل.

    يا احرار الدنيا لا يرضى بحكم الباطل إلا أهل الباطل،ولا يسكت على الرذيلة والفساد الا حاكم ساءت نواياه، ولا يتراجع أمام هؤلاء الذين لا عدل لهم، إلا أميرٌ لوى الرِبى عنقه وهشم الحرام هامته بعد أن استسلم للذل و الهوان .

      في تلك الليلة سهرت جلاوزة الإحتلال وعملائهم على قوارير خمر الغطرسة وكؤوس الغرور ونشوة التعجرف وترنح الاستعلاء .

      بينما هجعت الفلوجة البطلة عروسة الثورة العربية وشعلة النضال الاسلامية,في ساعات الليل المتأخرة،وهي تتقلب بين أحلام الحرية الانسانية والعدل الالهي، وبين كوابيس الوقوف أمام هبوب العاصفة وهول الجيوش التي تحمل أسلحة الدمار الشامل وجراثيم المصيبة،تارة تصارع النوم كالدول الراقدة في بيداء الجهل والنسيان أمام أخيلة سراب المجهول , و تارة أخرى تطبق أجفانها الذابلة بغير إرادة أمام أنياب الحقد الأصفر المحملق بمصيرها و براثن شر الغرب المتربص لوجودها .

       كم أعوام ولت،و إنتصارات مضت؟على معركة الفلوجة الأولى ضد جحافل جيوش الشر وأنتقلت عدوى الصمود إلى النجف و كربلاء و البصرة و ثارات مدائن العراق بأسرها و الجامعة البشرية تدور حول نفسها هادلة كالحمام تنتقي سطور الشجب والتنديد , كي لا تزعج خاطر أصحاب المصالح المشتركة أو إقلاق راحة العصابات الدولية المنهمكة بإختلاق أساليب جديدة لتجويع الناس في عالم الجنوب، (وسن القوانين لحفظ حقوق النحل و النمل , وكل ما هب ودب في عالم الجنون!).

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.