الرئيسية » تقارير » محامي ابن علي لـ”وطن”: نظام بن علي كان وطنيّا وابن علي ليس سارقا ما لم يثبت القضاء ذلك

محامي ابن علي لـ”وطن”: نظام بن علي كان وطنيّا وابن علي ليس سارقا ما لم يثبت القضاء ذلك

“خاص- وطن”- حاوره عبد الحليم الجريري-تثير تصريحات الأستاذ منير بن صالحة محامي الرئيس التونسي السابق زين العابدين ابن علي الكثير من ردود الأفعال والإحترازات والنقد وحتى الإنتقاد في الأوساط الإجتماعية في تونس، حيث يبرز بن صالحة في كلّ مناسبة بصورة المدافع الشّرس عن ابن علي قانونا وقولا، ولقد حرّكت تصريحاته المتتالية خاصّة هذه الأيام الرأي العام لما فيها من انحياز “للضعفاء” كما أسماهم من رموز النظام السابق، مثل علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي السابق ورفيق بلحاج قاسم وغيرهما ممّن عرفوا بخدمتهم للنظام المعروف بطابعه الدكتاتوري.

 

ويُعتبر بن صالحة الواسطة بين ابن علي والقضاء التونسي كما يعتبر الواسطة بينه وبين الإعلام الذي يستغلّه لإيصال رسائله إلى العامّة من التونسيّين والخاصّة منهم، وآخرها الرسالة التي أوصلها إلى المنشّط نوفل الورتاني والتي قال فيها إنّ ابن علي مستاء منه خصوصا وأنه يعتبره من “أولاده”..

 

ويواصل الأستاذ مهمّته الشرعيّة والقانونيّة في الدفاع عن ابن علي في إطار الحقّ الذي يكفله الدستور التونسي في التقاضي والمرافعة عن المتهمين مع ما يستوجبه هذا الدّفاع من تصريحات إعلاميّة خاصّة وأنّ المتّهم هذه المرّة ليس عاديّا، بل هو شخصيّة ترأست نظام دولة لأكثر من عقدين وتلاحقه الكثير من الإتهامات القضائية والشعبيّة.

 

التقينا بالأستاذ منير بن صالحة الذي قال لنا إن جرائم الرئيس السابق زين العابدين ابن علي لا يمكن مقارنتها بجرم العسكري الذي قتل الطفل ذي الأربع سنوات، وإنه لا يقبل المرافعة على العسكري لكنّه يترافع عن ابن علي لهذا السبب وأكّد أنّ ابن علي هو رئيس جمهوريّة سابق ورث نظاما سياسيّا من بورقيبة ومن البايات كما هو، وأنّ هذا النظام هو نظام وطني حتى ولو لم يكرّس حرّية التعبير ولا حرّية الإعلام.

 

وأشار إلى أنّه يترافع عن رموز النظام السابق بقناعة أن المحامي لا بدّ أن يكون حاضرا دائما مع من وجد نفسه في معظلة معيّنة، وبالتالي فإن المحامي لا يختار الحرفاء بل يكون دائما مع من تخلّى عنه الناس جميعا، وأضاف أنّ ابن علي وأتباعه صاروا ضعفاء اليوم لا حيلة لهم ولا قوّة، فلماذا نصرّ على أنّ هؤلاء أقوياء على الدّوام وأن الآخرين ضعفاء على الدّوام، وذكّر أنّه كان مع الضعيف في عهد ابن علي وظلّ مع الضعيف حتى بعد نهاية حكم ابن علي.

وفي ما يلي نصّ الحوار:

 

قلت في عدد الأحد الماضي من برنامج “لمن يجرؤ فقط” إنّ القضاء في تونس ليس عادلا لأسباب كثيرة، وأنه حتى الذين يحاكمون في قضايا بيع مخدرات لا يحاكمون بالعدل وأنه لا يوجد قضاة عادلون في تونس، ألا يندرج تهجمك هذا على القضاء التونسي في إطار تبريرك لعدم عودة ابن علي الى تونس لكي يحاكم فيها؟؟

لا يندرج هذا في إطار تبريري لعدم عودة بن علي ليحاكم في تونس، ولكنني أنبه إلى أن المنظومة القضائية في تونس لا يمكن لها أن تأسس لمحاكمة عادلة وهذا أمر يعترف به القضاة أنفسهم، لا أتحدّث عن عدم عدل القضاة ولكن أتحدث عن عجز المنظومة القضائية في تونس في إرساء محاكمة عادلة، هناك فرق بين قاض غير عادل وبين منظومة تعجز عن توفير محاكمة عادلة وحينئذ يتحوّل القاضي نفسه إلى سجين لهذه المنظومة إذ يرغب في إرساء محاكمة عادلة لكنه لا يستطيع لعدم توفّر الآليات والإمكانيات لإرساء محاكمة عادلة، المحاكم اليوم تكتظّ بالمتقاضين وبالمحامين وبالقضاة، والقاضي التونسي ينظر في مائة قضية يوميّا بشكل برقي وسريع وآلي والمواطنون يتحوّلون أمامه إلى أرقام عاديّة وإلى أعداد من الملفّات، فلا يمكن له في إطار هذه المنظومة العاجزة أن يشعر بأنّه حينها يجلس لإقامة العدل، ويكفي أن تقارن تونس بالبلدان المتقدّمة مثل أمريكا أو إنقلترا لتعرف أن القاضي هناك ينظر في قضيّة في الشهر والقاضي التونسي ينظر في مائة قضيّة في اليوم.

 

إلى ما تعزو هذا بالضبط؟؟ إلى أن عدد القضاة قليل مثلا؟؟

لا، هذا يرجع أساسا إلى غياب كلّ رغبة سياسيّة في تونس منذ عهد بورقيبة إلى عهد بن علي وصولا إلى هذا العهد في إرساء منظومة قضائية عادلة، فهذا إذن أمر طبيعي.

الإمكانيات موجودة في تونس ولكن توزيعها خاطئ رغم أنه بالإمكان توزيع الإمكانيات بشكل عادل ودقيق وتمنح السلطة القضائية بمكوّناتها في ميدان المحاماة أو عدالة التنفيذ أو عدالة الإشهاد قدرها من العناية لأن المواطن التونسي اليوم لا يستطيع أن يشعر بأنه قد دخل دار عدالة وإنما يشعر بأنه في إدارة مكتظّة بالنّاس ولا يسعه أن يجد فيها أي حقّ وهذا أمر طبيعي، فإذا كان المواطن التونسي لا يجد حقّه في إطار منظومة عاجزة فكيف نطلب من رئيس جمهوريّة سابق ينتظره الكثير من التشفّي والإنتقام والتحريض في قضيّة سياسيّة هي أكبر قضايا تونس السياسيّة منذ تاريخها أن يعود إلى تونس، في إطار سياسة تبنى على التشفّي والتحريض وفي إطار منظومة قضائية عاجزة؟؟

قلت في نفس البرنامج إنك لا تترافع في قضايا قتل أطفال وأنّه لا يمكن لك أن تدافع عن أمثال العسكري الذي ذبح الطفل ذي الأربع سنوات وطالبت بإعدامه، ولكنك في نفس الوقت تدافع عن بن علي، هل تعلم كم عائلة شرّدت ومات أطفالها جوعا أو قهرا جرّاء دكتاتوريّة ابن علي؟؟ لماذا قبلت بالترافع عنه؟؟

العسكري الذي يقتل طفلا صغيرا عمره أربع سنوات بدم بارد ويعترف بجريمته وقد اغتصبه قبل القتل ثمّ يذبحه ببلوّر قارورة أنا لا أترافع عنه لأن جريمته واضحة ومباشرة ارتكبها مجرم خطير ضدّ طفل بريء، بالنسبة لبن علي فلا يقارن جرمه بهذه الجريمة، فبن علي هو رئيس جمهوريّة سابق ورث نظاما سياسيّا من بورقيبة ومن البايات كما هو، أي نظام سياسي يبنى على الرأي الواحد والحزب الواحد والشخص الواحد، هذا النظام هو نظام وطني لا يكرّس حرّية التعبير ولا حرّية الإعلام.

وطني رغم أنه لا يكرّس حرية التعبير والإعلام؟

طبعا، فالوطنيّة يمكن أن تكون موجودة حتّى في غياب حرّية التعبير، فهتلر مثلا كان وطنيّا جدّا ولم يكن يؤمن بحرّية التعبير وهنالك أنظمة خائنة وعميلة لكنّها توّفر حريّة التعبير، فلا علاقة للوطنيّة بالديمقراطية، فالديمقراطيّة شأن شعبي والوطنيّة شأن أممي، بالتالي فإنّ أخطاء بن علي السّياسيّة ونظامه الذي كان يرأسه والذي من الممكن أن يكون قد طحن أشخاصا معيّنين أو قهر عائلات معيّنة لا يسأل عنها بمفرده لأنه لا يمكن اختزال هذه الأخطاء في شخص واحد وإنما يجب مساءلة نظام بأسره شارك فيه الآلاف من التونسيين الذين صفّقوا لشعب التجمّع والذين اكتظت بهم ملاعب رادس والمنزه ودور الشباب ودور الثقافة ويسأل عنه ملايين التونسيين الذين كانوا يلبسون شارات حمراء في عيد الشجرة وعيد 7 نوفمبر وعيد الإستقلال، كلّ هؤلاء كانوا مسؤولين عن هذا النّظام الذي دعّموه بالتصفيق والهتاف والتهليل والدّعاء، بالتالي فإن هذا النظام شاركت فيه أمّة بأسرها من رئيس إلى وزراء وإداريين وشعب وحزب حاكم وأحزاب كرتونيّة وعليه فإنّ إلصاق كلّ مشاكل هذا النظام واختزاله في شخص واحد يعتبر في رأيي تنصّلا من المسؤوليّة وغيابا للرجولة وغيابا للنخوة أيضا، لأن الذي يشارك في نظام دكتاتوري لا بدّ أن يعترف أنه شارك فيه ولا يلصق كل التهم برأسه (النظام)، فبن علي لم يكن الشرير الوحيد في النظام بل وراءه شعب كامل شارك بالفعل وشعب ثان شارك بالصّمت.

من يتّبع كل تصريحاتك منذ توكيلك من طرف ابن علي للدفاع عنه يجد أنه (ابن علي) لم يسرق ولم يسجن ولم يقتل ولم يكبت الحريات ولم يستعمل الرصاص في الثورة ولم يثبت عليه أي فساد مادي أو إداري، أريد أن أسألك هنا، لماذا ثار عليه الشعب ولماذا قامت هبّة شعبية ضدّه إذن؟؟

أوّلا لا زال أمامنا وقت كثير حتّى نصف 14 جانفي بأنّه ثورة.

ولكنني أسميتها هبّة شعبيّة.

التاريخ لم يكتب بعد، والتاريخ لا يكتب بهذه السّهولة وبهذه البساطة ولا بدّ من إعطاء بعض الوقت للتاريخ وإعطاء بعض الوقت للمؤرخين، حتّى نكون محايدين لا بدّ أن نتحدّث عن أحداث 14 جانفي التي كانت أحداثا مهمّة جدّا غيّرت المشهد السياسي، فالثورات تقطع دائما مع الماضي ويوم 14 جانفي لم يقطع مع الماضي، بدليل أن محمّد الغنّوشي كان وزيرا أوّلا للثورة وفؤاد المبزّع كان رئيس جمهوريّة الثورة وهذان الرمزان هما من أهمّ الأعمدة التي اتكئ عليها نظام ابن علي، بالتالي فإن القول بأنّ ما حصل هو ثورة فهذا أمر يدعو للجنون، فما حصل حقيقة كان حدثا سياسيّا هامّا مثل أحداث 18 جانفي (يناير) أو أحداث 9 أفريل (أبريل) أو أحداث جانفي (يناير) 78، كلها أحداث مهمّة جدّا في تونس غيّرت المشاهد السياسيّة.

ما حدث هو أنه هنالك من تظاهر ومن مات ومن سجن قبل 14 جانفي (يناير) أو عذّب أو شرّد، نعترف بكلّ هذا، لكن لا بدّ أن يسند الفعل إلى مجرم بذاته، إلى شقّ بذاته أو شخص بذاته.

ولكنّه أسند إلى بن علي.

لا لم يسند، القضاء هو الوحيد الذي له مهمّة إسناد فعل معيّن إلى متّهم معيّن والحكم عليه بالإدانة، ابن علي إلى حدّ الآن ليس في ذمّته أي حكم نهائي يقضي بإدانته، كلّ الأحكام غيابيّة والأحكام الغيابيّة حسب المعاهدات الدّوليّة هي ليست بأحكام أصلا.

ولكن حسب علمنا فإن الحكم الغيابي يعني صدور حكم على متّهم ليس حاضرا.

إذن ليس حكما، لأنّه من مقوّمات الحكم أن يكون المتّهم حاضرا ويدافع عن نفسه، وطالما كان غائبا فهذه ورقة من الأوراق التي لا تعتبر حكما، بل هي ورقة قابلة للإعتراض وطالما الحكم قابل للإعتراض والإستئناف فهو ليس حكما نهائيّا أو باتّا، وعليه فلا يمكن أن يكون قد كرّس حقيقة معيّنة، هو حكم قابل لأن يلغى في أي لحظة، وطالما أن هذا الحكم قابل لأن يلغى في أي لحظة بموجب الإعتراض أو الإستئناف فهو حكم لا يكرّس الحقيقة ولا يمكن أن يكون متحدّثا عن واقع معيّن.

لماذا تغير موقفك من تطبيق حكم الإعدام وصرت من مناصريه وقد كنت من الرافضين له خلال السنوات الماضية؟؟

أنا لم أرفض حكم الإعدام ولم أنادي مرّة بأن يلغى، ولكنني كنت دائما أطلب بأن يراقب حكم الإعدام عند التطبيق، لأنني كنت أخشى أن تستعمل عقوبة الإعدام حتّى تصفّي الدولة خصومها السياسيّين وتستعملها في القضايا السيّاسيّة، لكن لا بدّ أن تبقى عقوبة الإعدام موجودة دائما من باب الإحتياط.

إذا حُكم على ابن علي حكما مبدئيا بالإعدام، هل تترافع عنه في قضية استئناف أو تعقيب؟؟

أنا محاميه، وما دمت محاميه فلن يقضى في شأنه بالإعدام.

ولكن إذا قضى القضاء بإعدامه كما قضى بإعدام قاتل الطّفل ياسين؟

هذا أمر مستحيل طالما أنا محاميه.

هذه ثقة مفرطة في النفس ولكن القضاء له شأن آخر.

مستحيل ان يقضي القضاء بإعدام بن علي وأنا أعي ما أقول.

يعني تواصل الترافع عن ابن علي إذا حوكم بالإعدام؟

أترافع عنه في جميع الأحوال، وكما قلت لك لن يحكم بالإعدام.

لماذا يستميت منير بن صالحة في الدفاع عن رموز النظام البائد؟؟ قلت في تصريحاتك إن علي السرياطي صديقك وزادت صداقتك به بعد صدور حكم في شأنه كذلك الشأن بالنسبة لرفيق الحاج قاسم وغيرهما، رغم أن هؤلاء جميعا هم أعمدة النظام الذين كنّا تحدّثنا عنهم منذ قليل؟

المحامي لا يختار حرفاءه ولكن الحرفاء هم الذين يختارون محامينهم، بالتالي أنا لا أختار حريفي بل الحريف هو الذي يختارني، أنا لم أكن أبدا قريبا من هؤلاء قبل 14 جانفي (يناير)، لا أعرف وجوههم ولا أعرف أسماءهم ولم أرهم ولو لمرّة في حياتي، عندما كان ابن علي في الحكم كنت منهمكا في الدّفاع عن “محمّد عبّو” و”حمّة الهمّامي” و”جماعة سليمان” و”نقابة الصحافيين” وكنت مهتمّا بالدفاع عن قضايا الطّلبة والقضايا السياسية وهذا أمر ثابت بمقتضى أحكام، سقط النظام فصرت أترافع عن رموزه بقناعة أن المحامي لا بدّ أن يكون حاضرا دائما مع من وجد نفسه في معظلة معيّنة، فبالتالي فإن المحامي لا يختار الحرفاء بل يكون دائما مع من تخلّى عنه الناس جميعا، رموز النظام السابق كانوا أقوياء فصاروا بعد 14 جانفي (يناير) ضعفاء والمحامي لا يكون إلا مع الضعيف ولا بدّ أن ننزع من ذهننا أن القويّ يبقى دائما قويّا والضعيف يبقى دائما ضعيفا، فمن كان ضعيفا في عهد ابن علي هو اليوم يحكم، النهضة تحكم اليوم، كذلك الشأن بالنسبة لمعارضي ابن علي، إذ صار لهم عتاد وعباد وقوّة وسلطة، أمّا ابن علي وأتباعه فقد صاروا ضعفاء اليوم لا حيلة لهم ولا قوّة، فلماذا نصرّ على أنّ هؤلاء أقوياء على الدّوام وأن الآخرين ضعفاء على الدّوام، أنا كنت مع الضعيف عهد بن على وظللت مع الضعيف بعد ابن علي.

يعني ألا يمكننا تسمية هذا حنينا لرموز النظام السابق وللنظام نفسه؟ إذ أنك لا تدافع عن أي أناس، أنت تدافع عن أناس شاركوا في نظام دكتاتوري؟؟

لا ليس حنينا، وعلى من سأدافع إذن؟؟ عن راشد الغنّوشي وهو غير ملاحق؟ أم سأدافع عن سمير ديلو وهو وزير سابق؟ أم أدافع عن حمّة الهمّامي؟

أنا سألتك عن دفاعك عن رموز الدكتاتوريّة تحديدا.    

أنا مكتبي يكتظّ بالمواطنين العاديّين ومن ضمنهم هؤلاء ولا أفرّق بين السرياطي أو بلحاج قاسم أو أي شخص آخر، كلّهم حرفاء بالنسبة لي لكن النّاس يحتفظون في ذاكرتهم بهؤلاء تحديدا.

بدفاعك عن رموز النظام السابق هل تهدف إلى مزيد من الثروة والشهرة أم أنك تدافع عن قضية تعتبرها عادلة؟؟

أنا لا أدافع عن الثروة لأن الثروة ليست عند هؤلاء.

ولكن من خلالهم تأتي الشهرة.

يمكن أن أصل إلى الدّعاية لشخصي من دون أن أسير في هذا الطريق الوعر، فالدعاية سهلة جدّا من خلال طرق أخرى تحقق نفس النتائج دون أي انعكاسات سلبيّة أو نتائج غير محمودة، بالتالي فلا الثروة تغويني ولا الدعاية تغريني، بل الهدف من كلّ هذا هو الدّفاع عن المحاماة، لا بدّ للمحاماة أن تكون حاضرة في هذه المرحلة التاريخية.

كنت قادرا على الدفاع عن المحاماة من دون الدخول في هذا “الطّريق الوعر” كما أسميته.

تلك تسمّى الحياة البسيطة التي اختارتها “ميمونة” في رواية “السّد” لمحمود المسعدي، أنا أفضّل حياة “غيلان” الذي اختار الحياة الصّعبة.

قلت في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء إنك التقيت بنائب رئيس هيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي وتحادثت معه حول قيام بن علي بتقديم ملف مصالحة إلى لجنة التحكيم والمصالحة وأنك وجدت قبولا وترحيبا لدى الهيئة لكن بعد أسبوع قلت إنّ بن علي رفض رفضا قاطعا ومبدئيا أي لجوء لهيئة الحقيقة والكرامة وأنّه لا يريد القيام بأي إجراء أمامها. ألا ترى تخبّطا في هذه التصريحات؟؟ هل أردت بهذا التصريح معرفة ردود فعل الرأي العام ومن ثمّ اتحاذ القرارات المناسبة رفقة موكّلك؟

بن علي لم يقبل منذ البداية، هي خطوة خطوتها بمفردي، لأني كمحام من واجبي وحقي وصلاحياتي أن أطرق جميع الأبواب وأن أذهب إلى جميع الهيئات وأن أتصّل بجميع الجهات السياسيّة من أحزاب ومجتمع مدني وجمعيّات ومحاكم، هذا كلّه يندرج ضمن دوري الأساسي ولا أستشير منوّبي في كلّ خطوة أخطوها، لكن عندما أشرع في تقديم الإجراء الرّسمي لا بدّ من أن أعود إلى منوّبي لأسأله هل تقبل أن ألجأ رسميّا إلى هذه الهيئة أو هذه الجهة، وعندما سألت منوّبي هل يقبل بأن ألجأ إلى هيئة الحقيقة والكرامة قال لي إنه يرفض رفضا مبدئيّا قاطعا لا رجوع فيه حتّى ولو كان الدّواء بين أيدي هذه الهيئة فإنّه يفضّل الموت على أن يتجرّع الدّواء من أيديهم.

أنت صرّحت في الإعلام بأن أسباب رفض بن علي اللجوء لهذه الهيئة “سياسية وخاصة”، هل لنا أن نعرفها ؟؟

أسبابه السياسيّة واضحة إذ أنه يعلم أنّ هؤلاء هم خصوم سياسيّون.

ولكن يوجد قانون عدالة انتقاليّة يقيّدهم، واذا اعتبرناهم خصوما لبن علي فهم أيضا خصوم لسليم شيبوب وغيره ممّن قدّموا ملفّاتهم إلى الهيئة.

هم أحرار وسليم شيبوب حرّ ولا تقارن سليم شيبوب ببن علي لأن مكانه شيء ومكان ابن علي شيء آخر، فبن علي رئيس دولة سابق وسليم شيبوب رجل أعمال والفرق كبير بين من ترأس نظاما وحكم دولة لأكثر من عشرين سنة وبين رجل أعمال.

إذن ما هي أسبابه تحديدا؟ هل تكون رئيسة الهيئة سهام بن سدرين مثلا؟؟

سهام بن سدرين انبرت خصمة له، أما هو فلم يكن يعرفها بل هي التي أرادت البروز في إطار عداء مفضوح لرئيس الدّولة، ولكنّه يعرف اليوم أنّ هذه المرأة وأغلب أعضاء الهيئة هم خصوم سياسيّون لا يمكن لهم أن يتحرّروا من عباءة المعارضة ولا يزالون إلى اليوم يعيشون في أتون الماضي ولا يزالون إلى اليوم يداوون جراح الماضي وهذا علمناه من خلال تصريحاتهم فسهام بن سدرين لم تصمد لأربعة دقائق في منبر تلفزي لوجود “رضاء الملّولي” فيه، وقالت إنها لا تجلس مع شخص يمثّل النظام السّابق، فهي إذن إلى اليوم لا تتحمّل البقاء ولو لدقائق مع أي شخص اشتغل مع ابن علي فكيف تكون قاضية في هيئة يفترض أن تكون محايدة فيها وموضوعيّة؟؟

يعني مشكلة ابن علي تتمثّل في كونه لا يثق في هيئة الحقيقة والكرامة؟

طبعا، هو يعلم ماهيّة هذه الهيئة ونحن كذلك نعلم.

قلت إن أملاك ابن علي المصادرة لم يثبت بعد أن مصدرها فساد مالي، مع أن الشعب التونسي يعلم وكلّنا نعلم أن ابن علي كان يلف أغطية نومه ونوم عائلته بالفضّة ولا داعي للحديث عن القصور والسيارات، هل مازال منير بن صالحة يشكّ في أن أملاك ابن علي مصدرها فساد مالي؟؟ خاصّة وأنّه رأى السيولة الماليّة المخبّأة مع المخدّرات في القصر الرئاسي والتي كشفتها اللجنة التي زارت القصر إبّان رحيله، هل مرتّب رئيس دولة يأتي بكلّ هذه المخمليّة والثّراء؟؟

أنتم تعلمون، أما أنا فلا أعلم، وأنا لا أؤمن إلا بالأحكام القضائيّة الثابتة والنّهائيّة والتي يجب أن تصدر وتقول إنّ هذا العقّار أو ذاك مصدره رشوة أو سرقة أو فساد، ويكون هذا الأمر ثابتا بحكم قضائيّ نهائيّ باتّ، وكلّ ما يقال في الشّارع لا أؤمن به، كلّ الشائعات والعلم العام و”النّاس تعلم والشعب يعلم” كلّ هذا لا يعنيني لأنّه من قبيل الشائعات التي لا أقف عليها، أنا أؤمن بحسابات بنكيّة، هل لدى هؤلاء المشيعين رقم حساب بنكي واحد خارج تونس على ملك ابن علي؟؟ بعد خمس سنوات من المجهود الدّولي في البحث عن أموال ابن علي لم يستطع أحد أن يعثر على قرش يملكه خارج البلاد، أما العقارات الموجودة فلم يثبت أنّها موّلت بفساد أو رشوة أو سرقة أو أن شخصا معيّنا تقدّم بشكاية ادّعى فيها أن عقاره أو ماله أو قطعة أرضه قد افتكّت منه من بن علي.

يعني ابن علي لم يكن لصّا بتاتا؟

طبعا لم يكن لصّا، فاللصوصيّة فعل يثبت بأحكام ولا يثبت بالكلام العامّ في الشارع والمقاهي.

يعني ألا يمكن أن تكون له أملاك باسم أناس آخرين من أقربائه مثلا؟

لا لم يثبت ذلك والبيّنة على من ادّعى.

أنت كشخص ألا ترى ابن علي سارقا؟

طبعا لا أراه سارقا.

ألا تعرف حجم الثروة التي بحوزة ابن علي؟؟

لا أعرفها، وأتمنّى أن تمدّني برقم حساب لو لديك.

لماذا انتقدت اعتذار الأمين العام السابق للتجمّع  محمد الغرياني للتونسيين؟؟ ألم يكن مسؤولا عن حزب ساهم في تكريس الدكتاتوريّة وكبت الحريات طيلة 23 وسنة؟؟ هل كنّا لنراك مثلا تتحدث بحرية في الشاشات والتجمع مازال ماسكا بأمور البلاد ؟؟ 

الإنسان يعتذر دائما عن أخطائه الشخصيّة وأنا لمت عليه على اعتذاره باسم حزب يمثّل آلاف الأشخاص، كان عليه أن يعتذر على فعله الشخصي، ولو ارتكب هو حماقة في حقّ الشعب التونسي أو خطأ في حقّه فلا بدّ له أن يعتذر، أمّا أن يعتذر عن أفعال سياسيّة لحزب سياسيّ كبير فيه آلاف النّاس فهذا خطأ وكان عليه أن يعود بالنظر إلى هؤلاء، ومحمود درويش يقول لا تعتذر عمّا فعلت ونحن نؤمن بهذا.

في ما يخص حديثك مع السيد راشد الغنوشي بخصوص ابن علي، قلت إنه قال لك حرفيا “بحول الله ما فمّا كان الخير”، ما الذي يعنيه السيد راشد بهذه الإجابة حسب رأيك؟؟

اسأله هو.

أنا سألتك عن رأيك في ما قال.

حسب رأيي فراشد الغنوشي مع المصالحة ولمّ الشّمل والعفو العامّ، هو عانى من الغربة  وعانى من المنافي كثيرا وأظنّه اليوم علم أنّ ابن علي يعاني من الشيء نفسه، بالتالي أراه اليوم مقتنعا انّه لا بدّ من العفو والمصالحة الوطنية ولا بدّ من إيقاف نزيف التشفّي والإنتقام حتّى تتقدّم البلاد، وتونس لن تتقدّم بالتحريض والإنتقام والشّد إلى وراء، وراشد الغنوشي فهم الرّسالة وفهم أن تونس لن تتقدّم إلا بالمصالحة وعندما تحدّثت معه مصادفة وفي إطار غير رسميّ أجابني بأنه “إن شاء الله ما فمّا كان الخير”.

هيئة الحقيقة والكرامة تطرح قانونا للمصالحة، هنالك قانون عدالة انتقاليّة سنّه الدّستور، ولكن رئيس الجمهوريّة يطرح قانون مصالحة من نوع آخر لا عقاب ولا وجوبيّة لاعتذار نصّي رسمي فيه، هل أنت مع مصالحة الهيئة أم مصالحة الرّئيس؟

قانون مصالحة الهيئة يصبّ في نفس خانة مصالحة رئيس الجمهوريّة لأنّ المصالحتين تحتاجان إلى موافقة الدّولة، هيئة الحقيقة والكرامة ليست مجعولة للمصالحة مع النّاس بل هي وسيطة لإيصال الملفّ إلى الدّولة التونسيّة ولا ناقة لها ولا جمل في هذا الموضوع، هنالك مغالطة كبرى حيث ليست سهام بن سدرين هي المطالبة بالمصالحة مع النّاس بل هي الوسيط في هذه الملفات والدّولة التونسيّة هي التي تقرر المصالحة من عدمها، وبالتالي فلا فرق بين المصالحتين.

ولكن مصالحة الهيئة فيها عقوبات مفروضة بينما مصالحة الرئيس رخوة ولا عقوبات فيها.

مصالحة الرئيس أشمل وأحسن لأنه لا يمكن لنا أن نفرض الإعتذار على من لم يخطأ.

كشخصية بارزة في المجتمع، ما هو رأيك في السيّد الباجي قائد السبسي وفي الغنوشي وفي التحالف بينهما؟؟

هو تحالف ضروريّ لإنقاذ البلاد.

وماذا تقول في فصل حركة النهضة بين الدعوي والسياسي؟؟

هي مرحلة لا بدّ أن تمرّ بها النهضة وإلّا انتهت كحزب ولفظها الشّعب وأطردت من تونس، ولكي تبقى هذه الحركة حيّة في تونس لا بدّ لها من أن تفصل بين الدّعوي والسّياسي وراشد الغنوشي يعلم أنّ هذا هو الحلّ الوحيد لبقائه في تونس وإلا سوف يعيش هو ومن معه تجربة مصر وليس له من خيار سوى أن تتحوّل حركته من حزب ديني دعوي إلى حزب مدني.

وكيف تقرأ المشهد السياسي للبلاد مستقبلا؟؟

أنا أعجز عن قراءة المشهد السياسي في المستقبل وأتحدّى أي شخص في تونس أو خارجها أن يستطيع قراءة المشهد السياسي فيها لأنّه غير واضح.

 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.