الرئيسية » تحرر الكلام » الثورات العربية وحقوق الإنسان .. علاقة حتمية وشائكة (1)

الثورات العربية وحقوق الإنسان .. علاقة حتمية وشائكة (1)

حتمية وشائكية العلاقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان

إستهلال :

متغيرات كثيرة ارتبطت بالثورات العربية ، ومستجدات أكثر ترتبت على تلك الثورات ، وعلاقات متعددة ومتنوعة برزت في المرحلة الإنتقالية ، وقد تتحول إلى واقع في حياة مجتمعات الثورات العربية ، ومن أهم تلك العلاقات التي يعول عليها مستقبلاً علاقة الثورات العربية بحقوق الإنسان ، التي ربما كانت سبباً وهدفاً في نفس الوقت لتلك الثورات .

لقد عانت حقوق الإنسان في عهود النظم المبادة من الإنتهاك المتواصل ، بل ربما انتفت تماماً تلك المأثورة في تلك العهود المظلمة ، إلا أن مأثورة حقوق الإنسان عادت إلى الظهور وبقوة منذ هبت رياح تغيير الثورات العربية ، فالثورات العربية إنما تفجرت في شق منها بسبب سحق النظم المبادة لحقوق الشعوب العربية في الحياة بمقوماتها الآدمية ، ثم إنها تصمم بعد قيامها وإفلاحها في التطويح بالنظم المستبدة على التأسيس لحقوق الإنسان لتكون ركناً من أركان الدولة الرشيدة التي يزمعون إقامتها .

إن علاقة الثورات العربية بحقوق الإنسان بالرغم من تعقدها وشائكيتها ، تبدو مهمة بل وحتمية ، ومن ثم فهذه العلاقة ، وفي هذه المرحلة بالذات ، في حاجة إلى دراسة وتحليل ، كون هذه العلاقة هي إحدى مكونات المرحلة ، ثم هي ذاتها إحدى أهم مفردات الدولة المزمع إقامتها .

ولكن لماذا تتسم العلاقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان بالحتمية والشائكية ، ثم ألا يجدر بالثوار أن يستوعبوا حقوق الإنسان ويتبنوها ، وماذا عن طبيعة العلاقة بين العدالة وحقوق الإنسان ، وكيف يمكن التعاطي مع إشكال تطبيق حقوق الإنسان في مواجهة الأنظمة المبادة ، وكيف يمكن التأسيس لحقوق الإنسان في الدول الجديدة ، فيما يلي سنأتي على تفصيل التساؤلات الإشكال سالفة الذكر .

من غير المتصور أن تغض الدول الحاضنة للثورات العربية الطرف عن حقوق الإنسان ، وفي ذات الوقت تتسم تلك العلاقة بالحساسية والشائكية ، ومن ثم فلا مفر من البحث في تلك العلاقة.

أ ـ حتمية العلاقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان : هذه الحتمية تجد مبررات فرضها في التاريخ والمستقبل معاً ، فالتاريخ فرض على الثورات العربية أن تتخذ من حقوق الإنسان التي بددتها النظم المستبدة الغابرة ذريعة ومبرراً لقيامها ، كما أن المستقبل فرض على الثورات العربية مرة أخرى أن تجعل من حقوق الإنسان هدفاً لها ، وركناً ترتكن عليه الدولة الرشيدة المزمع إقامتها بعد الثورة .

ب ـ شائكية وحساسية العلاقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان : بالرغم من أن العلاقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان تتسم بالحتمية والتلاقي إلى درجة العناق من حيث المنطلق والهدف ، إلا أن لهذه العلاقة جانباً آخر ، فحقوق الإنسان تقدم إختباراً حقيقياً للثورات العربية ، يتجلى من خلال نتائجه مدى فهم هذه الثورات لحقوق الإنسان ، ومدى احترامها لها ، ومدى تمسكها بها ، ومدى إصرارها على تطبيقها ، في إطار جو مشحون بالضغوط المتعددة والمتنوعة في مجابهة نظم إستبدادية دموية .

لقد أصبحت الثورات العربية إبان تأججها وبعد أن دحرت النظم الإستبدادية في نفس موقع غريمها المدحور ، محط أنظار المراقبين والمحللين في الداخل والخارج ، تحسب عليها حركاتها وسكناتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان ، وكأن تلك الحقوق أضحت سيفاً مسلطاً على الثورات العربية ، ومن ثم تبلورت العلاقة الشائكة والحساسة والمقلقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان.

هكذا بات من المحتم على الثورات العربية أن توضح للجميع بالفكر والسلوك أنها بارعة في تطبيق حقوق الإنسان في مواجهة رموز النظم المبادة ، ثم في مواجهة بقايا تلك النظم ، ثم في مواجهة المعارضين السياسيين ، ثم في مواجهة شعوبها .

كذلك تتجلى العلاقة الشائكة والحساسة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان في التأسيس لتلك الحقوق في شكل قوانين ومؤسسات وسلوكات ، في الأنظمة السياسية الجديدة ، والدول نتاج الثورات الشعبية .

فهم الثوار وتبنيهم لحقوق الإنسان

لعله من المنطقي والضروري معاً أن تفقه الشعوب الثائرة حقيقة حقوق الإنسان ، إذا أرادت تلك الشعوب أن تؤسس لدول جديدة رشيدة وقويمة تحترم وتوطد عناصر الوجود الإنساني ومقومات الحياة الطيبة ، ويأتي هذا الفهم عبر مسارين :

أ ـ فهم الثوار لفكرة حقوق الإنسان : المسار الأول لفهم الثوار لحقوق الإنسان ، يبدأ من فقه هذه الحقوق وأهمية وجودها بوصفها ركناً ركيناً في الدول الثورية التي يعاد بناؤها من جديد ، والتصميم والإصرار على التمسك بهذه الحقوق وعدم التنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف.

يرتبط بما تقدم أن يتم بث هذه الحقوق بشكل صريح وواضح ضمن الثقافة السياسية المزمع صياغتها في المرحلة الإنتقالية ، وذلك عبر مؤسسات التنشئة السياسية المتعارف عليها مثل : الأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة ، ثم عبر مؤسسات التجنيد السياسي مثل الأحزاب ، ومؤسسات المجتمع المدني .

ب ـ فهم الثوار لحقوق الإنسان .. الفعل والسلوك : أما المسار الثاني لفهم الثوار لحقوق الإنسان ، فيبدأ من تأسيس الهياكل والبنى التي تتولى مسئولية تطبيق حقوق الإنسان ، ورقابة احترامها ومعاقبة من يجترؤن عليها .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.