الرئيسية » تحرر الكلام » الشباب .. ثقافة الإبداع .. وممارسة المسئولية هي آليات بناء الدولة الرشيد (2)

الشباب .. ثقافة الإبداع .. وممارسة المسئولية هي آليات بناء الدولة الرشيد (2)

وطن- ثانياً : الشباب أول وأهم آليات صناعة الدولة الرشيدة .. الواقع الجديد :

طبيعياً كان أم مفتعلاً ثمة إشكال ، قفز إلى الساحة الفكرية في الوقت الراهن ، يتبلور في المحتوى اللفظي والدلالة الوجدانية والنفسية لمفهوم الشباب ، والواقع أن هذا الإشكال قد تشكل نتيجة الخلاف ، بين من هم في المرحلة العمرية التي يطلق عليها سن الشباب ، وبين من هم في المرحلة العمرية التي تتجاوز هذا السن ، وذلك في المجتمعات العربية التي حدث ويحدث فيها الحراك الاجتماعي والسياسي في الآونة الراهنة ، إلا أن ما يمكن أن يستنبط من احتدام هذا الإشكال ، هو أن ثمة تنازعاً على انتزاع اعتراف المجتمع بدور قد تم القيام به في ذلك الحراك ، ثم الإقرار بالأهلية والجدارة للقيام بدور آخر منتظر ومتوقع في مرحلة بناء الدولة الرشيدة ، ولا يزال ذلك الإشكال يحتاج إلى سبر وسائل فضه .

الشباب .. ثقافة الإبداع .. وممارسة المسئولية هي آليات بناء الدولة الرشيد (1)

أ ـ هل الشباب هم شباب العمر والزمن أم شباب العقل والفكر : في خضم الأحجية المطروحة آنفاً يعن هذا التساؤل ، وإذا بنا في هذه اللحظة التاريخية من تطور المجتمعات العربية إزاء قطاع عريض من المجتمع في مرحلة عمرية معينة فجر ثورة وقادها حتى تمكنت من إزاحة الوضع القائم ، ثم استمر في طليعة الحراك السياسي والاجتماعي من أجل خلق واقع جديد يرى أنه الأمثل .

وقطاع آخر في مرحلة عمرية أكثر تقدماً ، وهي بحكم ثقلها الديموجرافي الأقل نسبياً ، وبحكم تكوينها الفسيولوجي والبيولوجي الذي حكم عليها بأن تكون أبطأ حركة وأقل حيوية ، ثم بحكم ارتباطاتها بمؤسسات النظم المبادة ، كانت أكثر هيبة وخشية من المسارعة في المشاركة في الثورة .

القطاعان اتفقا على ضرورة الثورة ، وحتمية إزاحة ذلك الواقع البغيض ، وحتمية خلق واقع جديد ، ولكن ما ينبغي أن يُقال هو أن طبيعة الفعل الثوري ، وعناصر المبادرة والحماس والإقدام والإصرار على مواصلة الثورة ، والثقل العددي ، التي اجتمعت لدى القطاع الأول ، وسمت الثورة بأنها ثورة شبابية .

ثم جاءت المرحلة التالية وهي مرحلة بناء الواقع الجديد ، ومن ثم اختلفت مقدرات ومكنات المساهمة في ذلك البناء ، ومن هذا الاختلاف ثار مرة أخرى الإشكال المطروح سلفاً ولكن بشكل أكثر حدة ، من الأقدر والأجدر بالمساهمة في مرحلة البناء ؟

فقيل أنه إذا كانت مقدرات ومكنات القطاع الأول تناسب مرحلة الثورة بالكيفية التي قدمنا ، فهي قد تكون أقل تواؤماً مع متطلبات المرحلة الجديدة ، حيث أن مرحلة البناء تحتاج إلى الخبرة والتجربة والدربة أكثر من الحماس .

وقيل أن مرحلة البناء تحتاج في ذات الوقت للأفكار الجديدة المبتكرة والطموحة بالإضافة إلى العزم والمضاء والإصرار على النجاح وهذه المتطلبات متوافرة بامتياز لدى قطاع الشباب ، واحتكم الأمر !

وبنظرة موضوعية يمكن القول بأن حظ الشباب من النقاط أوفر في المرحلتين ، فإذا حصل في مرحلة الثورة على امتياز ، فإن مقدراته ومكناته المعطاة تؤهله للحصول في مرحلة البناء على جيد جداً ، ومن ثم فشبابنا يملك ما يجعله جديراً وحرياً بالمساهمة بقوة وعمق في مرحلة البناء .

إن الشباب دوماً وفي كل الأجيال يحتاجون إلى الخبرة والتوجيه من أهل الخبرة ، وهنا يختلط الشباب والحماس بالتجربة والخبرة ، ومن هذا المزيج تتشكل وتصاغ آليات العمل في المرحلة المقبلة في الدول الجديدة .

إن الدول التي قطعت شوطاً طويلاً على طريق التقدم ، لم تصل إلى الإنجازات التي حققتها إلا عندما أطلقت لشبابها العنان ، فأفرز إبداعاً تجاوز حدود الأوطان إلى البشرية جمعاء .

فالعلاقة جد قوية وعضوية بين حماس وقوة الشباب وخبرة وتجربة الكبار ، إذ أن حماس وقوة الشباب دون خبرة وتجربة ورشد الكبار هو تهور واندفاع ، ورشد وخبرة وتجربة الكبار دون قوة وحماس الشباب خيال وتجريد وطوباوية لا تسمن ولا تغني من جوع ، إن كلاً من المرتكزين يتحمل عبئاً لا يقل عن الآخر من سقف مسيرة التقدم والرقي ، ولعل المرحلة الحاسمة التي تمر بها مجتمعاتنا العربية  تطرح بقوة التحلي بفضيلة الإيثار ونبذ نقيصتي الأثرة والاستئثار .

ب ـ الشباب والدور : هل نحن أمام توزيع أدوار أم اختيار الدور أم انتزاع الدور أم حتمية الدور بحكم الصيرورة التاريخية والديموجرافيا والواقع الاجتماعي والوعي الانساني ، البادي مما تقدم أننا لا بد من أن نتفق على تراتبية تكون بمثابة ميثاق شرف بيننا وبين أوطاننا ، وتأتي هذه التراتبية في منطلقات متتابعة على النحو التالي :

1 ـ أن تتبلور قناعة لدى الكبار أصحاب الخبرة والتجربة بضرورة إفساح المجال أمام الشباب لكي يساهم بأكبر قسط ممكن في عملية بناء الدولة الجديدة .

2 ـ أن يقدم الشباب الدليل القاطع والبرهان المقنع على أنهم جديرون بالقيام بالدور الفعال في عملية البناء .

3 ـ أن يتم تسليم الشباب ذلك الدور بشكل متدرج ، بما يتواءم مع وتيرة تراكم رصيده من الخبرة والتجربة .

4 ـ أن لا يتخلى أصحاب الخبرة والتجربة عن الشباب ، وهم بصدد أدائهم لدورهم في البناء ، بل يتمترسون خلفهم للتوجيه والتشجيع والتقويم والمباركة .ثالثاً : ثقافة الإبداع عدة وعتاد الشباب في عملية بناء الدولة الرشيدة .. الواقع الجديد :

ثقافة الإبداع هي رؤية الخلق والابتكار ، والانطلاق من الواقع لتحديد ملامح المستقبل , إذن عصب هذه الرؤية هوتحوير وتطويع الواقع وإخراج المستقبل من جوفه , فالإبداع هو ولادة المستقبل بتباشيره ومفاجئاته من الواقع بمراراته وآلامه .

أ ـ مفردات ثقافة الإبداع : تتمثل مفردات ثقافة الإبداع في , فاعل يملك قدرة غير معتادة على فعل غير معتاد في ظروف غير مواتية , وقدرة على التخيل , وعزم ومضاء على مواصلة الفعل المتميز .

ب ـ حتمية ثقافة الإبداع وواقع عملية البناء : يحدثنا التاريخ أن الفترات القاهرة في حياة الأمم والشعوب كانت تنتهي بتشكل وبروز ثقافة الإبداع ، ثم تؤسس هذه الثقافة لعملية البناء لمراحل جديدة من الإزدهار والإيناع .

وبالمثل تمر أمتانا العربية والإسلامية بمرحلة قاسية قاهرة نتوقع أن تفرز ثقافة إبداعية فاعلها الرئيس هو الشباب ، ومن شأن هذه الثقافة أن تؤسس لمرحلة بناء واسعة النطاق ، ولا يُتوقع أن يتم الشروع في عملية البناء المشار إليها بدون هذه الثقافة الإبداعية الخلاقة .

ت ـ ثقافة الإبداع أنجع تأهيل وأكفأ تدريب : من شأن التحليل المتقدم أن يرشدنا إلى استخلاص مفاده ، أن ثقافة الإبداع تمثل أنجع تأهيل وإعداد وتهيئة للشباب ، حيث تُستنبت فيهم القدرة على الفعل في الظرف القاهر ، وصنع الأمثل رغماً عن الواقع الأعسر ، وأن ثقافة الإبداع تعد كذلك أكفأ أساليب التدريب ، وأشدها واقعية في نتائجها ومحصلاتها ، والأقدر على استنهاض همم وعزائم الشباب ، واستخراج مكنوناتهم من القدرات والمكنات .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.