الرئيسية » أرشيف - الهدهد » مأساة القرن: الجحيم ليس بعيدا من هنا.. قصص عن بقايا حياة في حلب

مأساة القرن: الجحيم ليس بعيدا من هنا.. قصص عن بقايا حياة في حلب

يبدو أن الغرب ليس مسؤولا عن الحرب بسبب عدم معالجته لجذور النزاع كما تقول صحيفةالغارديان”، وفقط، بل وتخليه اليوم عن معالجة الأعراض وهو مساعدة ملايين اللاجئين السوريين. وتقول الصحيفة في افتتاحيتها إن نصف الشعب السوري اقتلع من أراضيه ومعظمه مشرد في دول الجوار.

وترى الصحيفة أن حقيقة توقف الدعم له علاقة بحالة الإجهاد التي أصابت الدول المانحة بعد أكثر من ثلاثة أعوام على النزاع الذي يوصف بأنه الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، فقد أصبح الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية يرشح مثل القطارة.

ومن هنا، فقد كشفت الحرب التي تطحن الشعب السوري عن عقم الرد الدولي، فقد “بدأت الحرب عندما استخدم النظام السوري السلاح ضد شعبه في محاولة لسحق انتفاضة شعبية. ولم يتوان الأسد عن استخدام كل نوع من أنواع السلاح، فمن استخدام غاز السارين والقنابل المتفجرة التي قصف بها المدن إلى القتل داخل غرف التعذيب”.

وتشير إلى أن الأولوية التي يوليها المجتمع الدولي لتنظيم الدولة الإسلامية ومقاومته نجحت في تقديم الديكتاتور السوري على أنه حليف تكتيكي للغرب في قتاله لداعش.

 

ومن هنا تبدو كما تقول فكرة “الانتقال السياسي” وحل الأزمة مفرغة من معانيها ومجرد شعارات فارغة لم تعد تستخدمها سوى الإدارة الأمريكية التي أبدت ترددا واضحا من الأزمة السورية. ودعت الصحيفة الغرب تقديم الدعم الغذائي، وهو حاجة ضرورية للاجئين السوريين، ودعت دول الخليج البدء بتقديم المال اللازم لشراء المواد الغذائية.

وفي قصة إنسانية نقلها مراسل صحيفة “الغارديان” من مدينة حلب القديمة عن خياطة تحولت لممرضة، أم عبدو وجاء فيه: “كلما سمعت صوت مروحية تشعر بالقلق وتهرع مع حقيبة الإسعاف وتعبر ما تبقى من أحياء حلب القديمة للعمل في المستشفى الوحيد في المدينة”.

وتتبع أم عبدو الروتين، صوت الارتطام ومن ثم الانفجار، حيث تسرع الخطى نحو البناية المكونة من أربعة طوابق لاستقبال ضحايا المذبحة.

ولا يعني أن المستشفى آمن فقد «تم تدمير كل البنايات حولها». وينقل عنها قولها: «الجحيم ليس بعيدا عنا”.

وتعتبر أم عبدو المرأة الوحيدة في الطابق وتعمل إلى جانب ثلاثة رجال بالزي الأخضر يقومون بمعالجة ضحايا الحرب في مدينة حلب.

وما يفرق أم عبدو عن غيرها هو المسدس الذي تحمله على كتفها ولا يغادرها حتى وهي تضمد الجراح أو تلفها بالشاش الأبيض، حيث تستخدم خبراتها قبل الحرب عندما كانت صانعة ملابس عرائس.

ويقول مارتن شولوف معد التقرير إن كل شخص بقي في الجزء الشرقي من هذه المدينة المقصوفة لديه قصة عن الحرمان والفقدان. وكل واحد منهم وجد طرقا للتعامل مع الحياة في هذه الأرض الخراب، حيث تدب الحياة دبا ولكنها لم تتوقف. وتقول أم عبدو إنها استخدمت السلاح ثم بدأت تعالج الجرحى. واستطاعت البراميل المتفجرة التي تعتبر من أكثر أنواع الأسلحة وحشية، ببطء، حرف التوازن لصالح النظام السوري، حيث لا يزال يواصل تقدمه في شمال- شرق حلب، حيث تمحو قنابله المدنيين والمقاتلين من المدينة ويُمحى معهم الأمل.

وكان يوسف ابن أم عبدو قد قتل الشهر الماضي عندما تعرضت الحافلة الصغيرة التي ركبها للقصف وهو في طريقه للعمل في المستشفى الوحيد العامل في المدينة، وقتل في الهجوم على الحافلة 35 شخصا.

وتصف أم عبدو يوم مقتل ابنها بأنه كان من «أسوأ الأيام». وتقول: «لقد تشاركنا في كل شيء السرير ولمدة 17 عاما، وعملنا كل شيء معا، لعبنا وحلمنا وكبرنا لكنه رحل الآن، ماذا أقول». ففي الأيام الأولى للحرب كان هناك أمل لكنها تحولت إلى ثلاث سنوات من الوحشية التي لا يمكن السيطرة عليها و 200 ألف من القتلى، من بينهم زوج أم عبدو الذي قتل برصاص قناص.

وكادت هي نفسها تُقتل قبل 18 شهرا وهي تحاول إخراج جريح من بين الأنقاض عندما ضربتها رصاصة قناص وأصابتها في فمها وفخذها.

ويرى المقاتلون أو من تبقى منهم أن ما تقوم به أم عبدو عمل استثنائي فلا أحد يخاطر بحياته بهذه الطريقة، كما يقول أبو الجود الذي يساعد في توفير الطعام لأم عبدو وما تبقى من أولادها: “ولم يقم أحد بإنقاذ حياة أشخاص كما فعلت”، و”ندين لها بالكثير وكذلك حلب تدين لها”.

ولم يتبق في الجزء الشرقي من المدينة سوى 50ألف من مليون نسمة يتحدثون بنوع من البراءة المثيرة للقلق عن الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأطفال الذين قتلوا في الحرب. ويقول مقاتل من الجبهة الإسلامية كان يجلس مع ثمانية من رفاقه: “أعدمت داعش ثلاثة من أقاربي”، “فقد تعرضوا للخيانة على نقطة تفتيش”.

ويقول آخر: ” قتلت أختي في بلدة الباب”، و”قتل ابنها أيضا”، ويظهر صور الولد التي خزنها في هاتفه النقال معلقا “أحبه جدا”. ويقص ثالث حكايته بطريقة عادية: “أمي قتلت في البيت وتمزقت جثتها إلى خمس قطع حيث دفنتها معا، وقال إنها كانت تفضل الموت في البيت على الركوع في تركيا”.

ويبدو الفقدان واضحا في المستشفى، حيث يقول الطبيب المصري المتخصص في جراحة الدماغ إن معظم الجرحى يأتون وقد تمزقت أطرافهم ويحاولون إصلاح الجراح، لكنه يعمل من دون جهاز تصوير طبقي- سي تي سكان- “هل تعلم كم هو صعب إجراء جراحة في الدماغ من دون صورة طبقية؟”.

ورغم كل هذا، فقد استطاع الجراح تحقيق بعض النجاح، حيث يقود الصحافي لمشاهدة مدني تعرض لإصابة في الدماغ “يستطيع الحديث الآن”، يقول الطبيب.

ويقول الصحافي إن القذائف تسقط بشكل شبه يومي على البلدة القديمة في حلب، ويشير لقذيفة سقطت قرب سوق للفاكهة ولم يجفل البائع وهو يعطي زبونه ما اشتراه.

وتبدو المدينة التي تعتبر من أقدم مدن العالم محطمة بالكامل. ويتساءل عن سبب بقاء الناس فيها، يقول إبراهيم خطان (48 عاما) الذي يعيش في المدينة القديمة مع أبنائه السبعة: “من هناك جئت وهنا سأموت”، وأضاف: “حتى لو حاصرونا من كل الجهات فسنزرع البطاطا ونأكل الدجاج”، مشيرا إلى عدد من الدجاج الذي أطعمته ابنته قرب جدار الجامع”، “لحياة لا قيمة لها من دون أطفال، ولدي الأكبر عمره 20 عاما والأصغر 3 أشهر ولا أستطيع أخذهم من هنا”.

ويقول الكاتب إن الجبهة الإسلامية تدير عيادة طبية في المدينة القديمة، حيث تحضر أم عبدو بشكل دوري لمعالجة أبو أسعد، أحد القادة الميدانيين بعد إصابته برصاصة اخترقت فخذه”. وتقول ام عبدو: “قبل الحرب كنت خياطة متخصصة بملابس العرائس”، و”كل عائلتي جاءت من هنا، فهذا مهم لهويتي”.

وسألها الصحافي إن كانت ستغير رأيها وترحل مع نجليها وبناتها الثلاث إلى تركيا، فأجابت: “إن لم يتحدوا فسأقتل نفسي”، وتعني المقاتلين. ويقول أحد المارة: “هذا ليس صحيحا، ابنتي”، وترد أم عبدو “صحيح”، في إشارة منها إلى أهمية الوحدة والعمل المشترك.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.