الرئيسية » أرشيف - الهدهد » مستشرق إسرائيلي: تونس ساحة الحرب القادمة بين داعش والغرب

مستشرق إسرائيلي: تونس ساحة الحرب القادمة بين داعش والغرب

توقع المستشرق الإسرائيلي” مردخاي كيدار” أن تكون تونس ساحة الحرب القادمة بين جيوش الغرب من جهة والتنظيمات الإسلامية وعلى رأسها تنظيم” الدولة الإسلامية”- معروف إعلاميا بداعش- لافتا إلى أن هناك معلومات مؤكدة بشأن مبايعة بعض الفصائل المسلحة مثل” كتيبة عقبة بن نافع” لأبو بكر البغدادي.

وخلص”كيدار” المتخصص في الشئون العربية بجامعة بار-إيلان وزميل مركز بجين-السادات للدراسات الاستراتيجية في مقال بموقع” ميدا” إلى أن التدخل الأوربي سيكون سريعا هذه المرة نظرا للقرب الجغرافي بين تونس وأوروبا.

إلى نص المقال..

كان عقبة بن نافع أحد العسكريين البارزين في بداية العهد الإسلامي، حيث قاد جيش المسلمين واحتل شمال إفريقيا في سنوات السبعينيات والثمانينات من القرن السابع. كان عقبة معروفا بشجاعته، و براعته الهائلة في استخدام السيف، فكان نموذجا وقدوة لجنوده في قطع رؤوس مقاتلي الشعوب التي يتم احتلالها..بطولته هذه جعلته يحظى بمكانة محترمة بقائمة أبطال الإسلام.

منذ عامين تنشط مجموعة من المجاهدين بمنطقة الحدود بين تونس وليبيا، وفي كل مرة تهاجم عربات قوات الأمن التونسي وتسقط منهم الكثير من الشهداء. المثير أن هذه المجموعة تسمي نفسها “كتيبة عقبة بن نافع”.

وتعرف الكتيبة بأجندتها الجهادية منذ بداية عملها، وكذلك بقدرتها على تجنيد مقاتلين، وامتلاك أسلحة متنوعة، وفرض سيطرته على مناطق واسعة. وقد جرت العادة على نسب الكتيبة لجماعة جهادية واسعة ومعروفة هي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

لكن مؤخرا طُرحت مسألة ولاء الكتيبة، حيث وردت معلومات تفيد بميل قيادتها لمبايعة الخليفة أبو بكر البغدادي زعيم”دولة الإسلام”. هذه المسألة هامة في ضوء الانقسام- الذي لا يزال قائما- بين القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري من جانب وبين “الدولة الإسلامية” وزعيمها الخليفة أبو بكر البغدادي.

وبدأت “الدولة الإسلامية” طريقها عام 2004 كفرع لـ”القاعدة” بالعراق وبعد ذلك بدأ الانقسام. الآن وعلى خلفية الهجوم الغربي، تتعالى الأصوات التي تدعو التنظيمين الجهاديين السنيين للتوحد من أجل التصدي معا لهجمة الكفار.

في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن إحدى القوات التي تقاتل” الدولة الإسلامية، هي قوات البشمرجه الكردية. وقد تكبد هذا الجيش خلال الشهور الأخيرة هزائم في حربه ضد”جيش الإسلام”. لكن خلال الأيام الماضية، حقق مقاتلوه عدة انتصارات على الأرض، بفضل أسلحة جديدة وفتاكة- تحديدا الصواريخ المضادة للدبابات- التي وصلت إليهم من إيران.

هذه الحقيقة تثير الاهتمام على وجه الخصوص كون إيران دولة شيعية، والبشمركة سنية. ولكن في هذه المرحلة يتعاون الجانبان ضد ما يعتبرانه خطرا مشتركا. من الوارد جدا أنه كان في الغرب وربما في واشنطن أيضا من شجع إيران على تزويد الأكراد بأسلحة متقدمة، انطلاقا من الاعتقاد أنه بحلول الوقت للتباحث بالملف النووي الإيراني، فسوف ينظر بعين الرضا لمساعدتهم في الحرب ضد”الدولة الإسلامية”.

كشف وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أن تنظيم “القاعدة” نقل تعليمات لعناصره بشمال إفريقيا بتصفية كل من يحاول نقل أفكار” الدولة الإسلامية” للمنطقة التي ظلت حتى اليوم تابعة دون منافس لـ”القاعدة”. هذا الكشف يلقي بالضوء على الصراع الدامي بسوريا الدائر بين “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وضحاياه أيضا المواطنون البسطاء الذي يحاول كل جانب -بطرقه العنيفة-استمالتهم لجانبه.

مخاوف الحكومة التونسية، وكذلك مؤيدي الجهاد، يدور حول اندلاع صراع كهذا على أرضهم ما سيؤدي لمقتل الآلاف كما يجري في سوريا، ليس فقط بالمناطق الحدودية التونسية، وفي الشرق مع ليبيا والغرب مع الجزائر، بل أيضا في الأحياء الفقيرة بضواحي المدن التي يغلب على سكانها الطابع الديني.

الأسماء البارزة بين مؤيدي “القاعدة” بالمنطقة هم عبد المالك دركدال الجزائري، ولقمان أبو صخر التونسي. ولبالغ سعادتهم فإن تنظيم”الدولة الإسلامية”لم يتم الإعلان عنه رسميا في تونس، لكن هناك علامات تشير إلى تزايد وجود العناصر التي تميل لهذا التنظيم. وهو ما يبدو جليا في وسائل التواصل الاجتماعي عبر كيل المديح والتباهي بأعمال” الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، والتضامن معها، ومع أهدافها والوسائل التي تستخدمها.

لكن الخطر الأكثر واقعية الذي تتعرض اه تونس يتمثل في عودة مات التونسيين من ساحة الجهاد بسوريا والعراق، بعد أن حصدوا خبرات كثيرة في التفجيرات، والعبوات الناسفة، والألغام والذبح، وبعد أن أجروا تدريبات إضافية في معسكرات الجهاد بليبيا. هؤﻻء حال انضامهم لكتيبة”عقبة بن نافع” سوف يحولونها لفرع تونسي لـ” الدولة الإسلامية”. فعليا يمكن أن يكون هذا حدث بالفعل، لأن هناك خبر يفيد أن الكتيبة بايعت الخليفة أبو بكر البغدادي ودعته لـ” التقدم، واجتيار الحدود وتدمير عروش الطغاة الكفار بكل مكان”.

وتطارد الدولة التونسية الكتيبة منذ بداية عملها بالمناطق الجبلية على حدود تونس- الجزائر، خاصة في جبل الشعانبي، وبعد نجاحها في قتل عشرات الجنود ورجال الشرطة. مطاردة التنظيم تنطوي على أهمية بالغة في ضوء خطة الحكومة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال أكتوبر ونوفمبر من العام الجاري.

وترى تونس في الحرب ضد الجهاديين صراع حياة وموت، تحديدا إزاء الأحداث في سوريا والعراق. واعتقل خلال العام الماضي- وفقا لادعاءات وزير الداخلية التونسي- أكثر من ألفي إرهابي، نحو ربعهم عناصر عائدة من الجهاد في سوريا والعراق. وبحسب تلك المزاعم فإن لأجهزة الأمن التونسية تواحد كثيف بين السكان، وقد أحبطت عناصرها محاولات لتنفيذ عمليات إرهابية في البلاد خلال عيد الأضحة. ونفذت أجهزة الأمن العديد من عمليات الاعتقال بالاحياء الفقيرة للمدن بين متهمين يشكلون خلايا إرهابية نائمة.

لكن المشكلة الأساسية لتونس، أن حدودها مع ليبيا والجزائر على الخريطة فقط، في حين أن الحديث على الأرض يدور عن مناطق جبلية لا تتميز السيارات العسكرية فيها عن الحمير والبغال والعناصر المحملين بالسلاح والذخيرة، والتي تسير في أمان في المدقات الضيقة الحادة

الأداة هي المناطق الجبلية في السيارة العسكرية التي لا يوجد ميزة خطيرة والبغال والناس محملة بالأسلحة والذخيرة، والمشي بأمان على طول مسارات ضيقة، المنحدرة والمتعرجة، بشكل يشبه الجهاديين بسيناء الذين فشل الجيش المصري في السيطرة عليهم.

النظام التونسي ليس ديكتاتوريا بل ديمقراطي إلى حد كبير يشارك فيه أحزاب، بعضها ذو طابع علماني ليبرالي، وبعضها ديني إسلامي، والكثير من السياسيين فاسدون. للذلك فإن المنظومة هشة وقابلة للانكسار، والأزمات السياسية تلازم الدولة منذ الإطاحة برئيسها زين العابدين بن علي في يناير 2011.

الاقتصاد التونسي متعثر، وتشعر قطاعات واسعة بأن الديمقراطية لم تحسن أوضاعها الشخصية والاقتصادية. الجمهور العلماني لازال متضامنا مع الدولة إلى حد بعيد، لكن القطاعات التي تميل للإسلام أقرب أكثر للقبول بالحل الإسلامي لعلل المجتمع والدولة. المسافة بين الحل الإسلامي وبين أجندة “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” تضيق شيئا فشئ كلما طالت الأزمات السياسية التي تعاني منها تونس.

من غير الواضح إن كان بإمكان الغرب تقديم المساعدة للنظام التونسي خلال هذه المرحلة، باستثناء مساعدة استخباراتية سرية حول تنظيمات وجماعات جهادية، لأن أي مساعدة غربية علنية تزعزع الشرعية المحدودة للنظام في عيون المخلصين للإسلام. بل يتضح أنه في حال فشل النظام التونسي في الحرب ضد الجهاديين- “القاعدة” أو” دولة الإسلام”- فسوف يدفع الغرب تجاه فوضى نموذج العراق وسوريا.

الخطر الذي تعكسه تونس على أوروبا كبير على خلفية القرب الجغرافي بينهما. حيث يستطيع زورق لمخربين مسلحين اجتياز المسافة من تونس لإيطاليا في عملية إبحار سريعة تستغرق ليلة واحدة. لهذا فمن المؤكد أن تدخل أوروبي في تونس سوف يحدث في مرحلة مبكرة جدا مقارنة بسوريا والعراق.

آن الاوان، بلا شك لإعادة صياغة قوانين الحرب والاتفاقات الدولية المتعلقة بإدارة الصراعات، حال اندلاعها بين حيوش ودول. هذه القوانين لا تتسق مع الحرب الحالية، التي خلالها تجد دولة عصرية نفسها تقاتل ضد مليشيات تعمل بطرق وأساليب تعود للقرن السابع.

إن مفاهيم مثل ” إبعاد الحرب عن المواطنين”، “حقوق الإنسان للمقاتلين” و” التعامل مع الأسرى” التي تم تحديدها في أوروبا بعد الحرب العالمية، فقدت أهميتها في السنوات الأخيرة. فخلال معظم الحروب التي اندلعت خلال العقدين الماضيين تتورط تنظيمات لا يمثل القانون الدولي والمعاهدات الدولية أي أهمية بالنسبة لها. دور هذه المليشيات هو شل الجيوش النظامية التي تضطر للقتال ضد مقاتلين يرتدون ملابس مدنية ويختبئون في مناطق مأهولة وذلك للامتناع عن إلحاق الأذى، مع استغلال الحساسية الكبيرة للدول العصرية لضرب مواطنين آمنين.

يتوقع أن تكون تونس ساحة القتال القادمة، التي ستشهد مرة أخرى انهيار المفاهيم الغربية بشأن إدارة الحرب.

معتز بالله محمد

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.