الرئيسية » تقارير » حارس لا يجد ما يحرسه!

حارس لا يجد ما يحرسه!

عندما هاجم الملك اليوناني بيروس روما أقسم حرفيا أن ينتصر. كان هدفه هو تحقيق انتصار بأي ثمن. وبالفعل انتصر، لكن جيشه الضخم – الذي يدعمه خمسون فيلا – دُمِّر. تم ذبح سكان المدينة، وترك وحيدا مع بضعة ناهبين بين أنقاض المدينة.
«إلهي، لا تحقق لي المزيد من الانتصارات»، هكذا استجدى بيروس ربه. فالانتصار بأي ثمن لم يكن انتصارا على الإطلاق.
إن انتصار بيروس هو انتصار لهؤلاء الذين يتخيلون أنهم قد فازوا على الرغم من أنهم خسروا كل شيء.
ماذا يشبه هذا؟
 
 
إنه يشبه انتصار الأسد الزائف في سوريا اليوم، الذي يعتقد أنه انتصر، ولكنه في الحقيقة خسر كل شيء منذ بدء المعركة.
كانت الإحصاءات الواردة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن سوريا قبل بضعة أيام صادمة بحق. عندما تم تقييد ميزانية المذبحة في صورة إحصائية، أصبحت الدراما الإنسانية فجأة محور تركيز.
بحسب الإحصاءات التي تم تقديمها، قتل 92,901 شخص منذ بدء المعركة في مارس (آذار) 2011. وقد يرتفع هذا الرقم في الوقت الذي تقرأ فيه سطور هذا المقال. بحسب البيانات، يفقد 5 آلاف شخص حياتهم في سوريا كل شهر.
يفر ستة آلاف شخص هاربين إلى الدول المجاورة يوميا. لا يزال السكان البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة في سوريا بحاجة إلى معونات طارئة.
اليوم، تم تشريد 4.2 مليون شخص في سوريا، أكثر من نصفهم أطفال. ومن بين المائة ألف شخص الذين لقوا حتفهم حتى اليوم، كان 1700 تحت سن العاشرة. هناك أطفال أبرياء، لم يرتكبوا خطايا وليست لديهم أي معلومات عن تلك الحرب وعن حالة الغضب والعداء، بل وحتى الأسلحة المستخدمة.
وفقا للتقرير، فإن هذه الأرقام تجعل المذبحة في سوريا أسوأ أزمة إنسانية منذ الإبادة الجماعية في رواندا.
دعونا نلقِ نظرة عن قرب على «انتصار» الأسد. لقد قتل من شكلوا سوريا، أو الشعب السوري نفسه. وتم ذبح الأطفال الذين كانوا يمثلون مستقبل سوريا ومصدر حمايتها وجوهر وجودها. أما من بقوا فقد تركوا منازلهم ومدنهم وقراهم وبلدهم. الشوارع والمنازل والمدن خاوية. لقد تحولت المباني المهجورة إلى حطام. لم يعد هناك أطفال يلعبون في الشوارع أو أناس يقفون في انتظار حافلات ويذهبون إلى عملهم. أصبحت الشوارع تحاكي مشاهد من أفلام الخيال العلمي التي تنذر بالشؤم أو البائسة، محطمة وتعج بالرعب.
شاهدت فيلما وثائقيا أنتجته مجموعة من مسؤولي مؤسسة الإغاثة الإنسانية بتركيا قبل أيام. كانوا يحاولون الوصول إلى المنازل عن طريق الجري تحت جنح الليل في الشوارع التي لحق بها الدمار، مع التعرض لوابل من إطلاق النار من قبل الطرفين. قامت سيدة تختبئ بشرفة منزل محطم بإنزال سلة إلى حيث كان يقف هؤلاء المسؤولون لمنحهم خبزا وحساء.
هل هذا هو انتصار الأسد؟ لقد خسر الأسد شعبه ومبانيه ومدنه، وهو مجبر على الدفاع عن المواقع التي يملكها من خلال مجموعة قوات. هل ذلك نجاح بحق؟ إن المجتمعات المفككة يحارب بعضها بعضا وتدخل نطاقا جديدا من الخلاف وعدم الاتفاق كل يوم، وتطالب بالمزيد من الأسلحة مع حدوث إراقة دماء. لقد نسوا أنهم أشقاء وأصدقاء وجيران وأقارب.
في هذه المرة، جربت أميركا، التي ما زالت تعاني من أزمة اقتصادية حادة تبطئ خطواتها، إجراء مختلفا بشأن سوريا. لم تقل شيئا. كانت تراقب من بُعد. لم تتوقع تركيا شيئا مختلفا من أميركا. كان التهديد المتنامي بمثابة صعوبة رئيسة بالنسبة لتركيا. إن تهديدات الأسد المستترة لتركيا، التي تبعها دور نشط متزايد لحزب الاتحاد الديمقراطي على حدودنا الجنوبية والعدد المتزايد من اللاجئين السوريين فرضا مسؤولية أساسية على تركيا. لكن تركيا لم تقدم مطلقا أي تنازلات إزاء موقفها تجاه سوريا أو موضوع اللاجئين. «بابنا مفتوح دائما»، جاءت هذه العبارة مجددا في مجلس الأمن. كان عشرون مخيم لاجئين يضم 400 ألف شخص مفتوحا لكل أشقائنا المشردين.
ربما كان بإمكان أميركا، التي اقترحت حزم حلول لبعض عناصر لسوريا ولم تكن واثقة بشأن «ما إذا كان يجب أو لا يجب تسليح المعارضة»، أن تضع حدا لأذى الأسد، لو كانت قد تمنت ذلك. ونظرا لأنها لم تفعل، فقد خطرت بذهني الاحتمالات التالية:
1) تبني أوباما استراتيجية اليمينيين الجدد الممثلة في «اتركهم يقاتلون، بحيث يمكننا أن نرتاح».
2) تبنيه سياسة «الانسحاب من الشرق الأوسط»، التي يفضلها المثقفون في أميركا.
3) رفض مشاركة بلده في مشاورات جديدة بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة في أميركا.
يتمثل أول الاحتمالات في استراتيجية متطرفة تبناها بعض اليمينيين الجدد – ممن يحملون خططا كريهة للشرق الأوسط – لفترة طويلة. لا أعتقد أن تلك السياسة الأميركية، التي دائما ما كانت في حالة بحث عن إرساء الديمقراطية، سوف تتبنى هذا الرأي. ينبغي أن يكون أوباما قد تنبأ بأن مثل تلك الخطة ستضر بالمصالح الأميركية.
في حالة تبنيها «سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط»، ستكون الولايات المتحدة بحاجة إلى تحليل هذا بدقة شديدة. بالفعل ينبغي أن تسحب الولايات المتحدة قواتها وأسلحتها من الشرق الأوسط، لكنها يجب أن لا تنفصل بشكل تام عن الشرق الأوسط. ثمة مسارات أخرى لإرساء الديمقراطية خلاف الأسلحة، فاستعراض القوة له تأثير معرقل خطير.
إن القوة التي أشير إليها هنا ليست القوة العسكرية، وإنما قوة الوحدة. إن أميركا بحاجة إلى سياسة من شأنها أن تولد روح الأخوة بالمعنى الروحاني، الأمر الذي سيوحد الجماعات العرقية المختلفة معا تحت مظلة واحدة، بدلا من أن يقف بعضهم ضد بعض، وهذا من شأنه أن يجعلهم معتدلين وليسوا متعصبين. يمكنها أن تفعل ذلك من خلال التعليم، ومن خلال العلاقات الودودة واسعة النطاق التي يمكن أن توطدها مع جميع الدول الإقليمية. كذلك بإمكانها تحقيق هذا بتقوية وتوحيد الدول الإقليمية، بدلا من تفتيتها. بوسعها تحقيق كل هذا بدعم المفهوم الحقيقي المعتدل الديمقراطي للإسلام ضد التعصب والتطرف.
إن الدول العملاقة التي قد انقسمت وضعفت، وأيضا الجماعات الشيوعية التي زادت قوتها بسبب ذلك التفتيت، سوف تصبح وباء مستشريا، ليس فقط داخل الشرق الأوسط، بل في أميركا أيضا يوما من الأيام. في حالة بدء أميركا سياسة الصداقة والتعليم المشار إليها آنفا، سرعان ما ستضع أساسا لعملية إرساء الديمقراطية التي تصبو إليها.
إلى أن تتخذ أميركا هذا القرار المهم، وحتى يتوقف المسلمون عن القتال والانقسام على أنفسهم ويشكلوا دولة قوية، سيظل الناس يذبحون في سوريا، وستستمر تركيا في إطلاق طائرات من دون طيار على طول حدودها الجنوبية الشرقية. هل تعتقدون أن الأسد يحتفل الآن بانتصاره؟
إن هذا الانتصار العظيم، تحت ظل المقصلة، قد فتح المجال لنطاق واسع من الكوارث بالنسبة للأسد. وليس من الواضح ما إذا كانت الكارثة ستهاجمه من الداخل أم من الخارج. ثمة ديكتاتور يحاول إعطاء انطباع بأنه لا يزال قويا، ولكنه يتصرف كما لو كان حارسا ليليا مذعورا في ساحة خاوية في دولة تتلاشى.
 
إيلين كوجامان

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.