الرئيسية » تحرر الكلام » حول تعليم عرب الـ ٤٨ العبرية

حول تعليم عرب الـ ٤٨ العبرية

حول تعليم عرب الـ ٤٨ العبرية
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

في اجتماع لجنة مشاكل التربية في إسرائيل المعقود في تل أبيب في ١٩ كانون الثاني عام ١٩٤٨، اقترحت السيدة باتيه روزنشطاين وجوب تعليم العبرية في المدارس العربية في البلاد، ابتداء من الصف الرابع أو الخامس فصاعدا بواقع أربع أو خمس حصص أسبوعيا. إلا أن تنفيذ القرار بهذا الشأن كان قد جرى في ١٣ أيار عام ١٩٤٨ كما نصّ على ذلك البند السادس
جابه  قرارُ تعليم العرب العبرية بعضَ الصعوبات الناجمة من كلا الطرفين، اليهودي والعربي على حد سواء. شهدت الصحف آنذاك احتدام النقاشات حول هذا الموضوع  وتمخّضت عن ذلك في نهاية المطاف أربعة آراء
١( فريق نادى بعدم تعليم العبرية للعرب لأسباب سياسية ودينية. معرفة العرب للعبرية قد تستغل ضد أمن الدولة ومصالحها ومن جهة ثانية لا يجوز تدريس العبرية، اللغة المقدسة، للأغيار، غير اليهود، لا سيما الأعداء منهم
٢( فريق آخر أعرب عن موافقته لهذا التعليم لأسباب مختلفة
  .ا( بغية دمج العرب في الدولة عن طريق الذوبان
ب( اعتبارات تربوية تقنية، للتغلب على مشكلتي المدرسين والكتب
جـ( اعتبارات تربوية مدنية تؤدي إلى تعزيز الولاء لمؤسسات الدولة وقوانينها

من المعروف أن معلمي العبرية في الوسط العربي في البلاد كانوا في البداية من الإشكناز الذين واجهوا صعوبات جمّة، بيئة غير مألوفة؛ مشاكل متعلقة بالانضباط ومعرفة غير كافية بالعربية. لم يطل عمل أولائك المعلمين وحلّ محلهم يهود شرقيون من الدول العربية ولا سيما من العراق. واجه هؤلاء المعلمون أيضا صعوبات في عملهم واستبُدلوا بمعلمين عرب تلقوا تدريبا قصيرا في دورات بهذا الخصوص أو بأكاديميين عرب أنهوا دراستهم الجامعية في البلاد. شكّل المعلمون العرب للعبرية في الوسط العربي ابتداء من العام ١٩٥٥ حوالي ٩٠٪. توظيف معلمين عرب لتدريس العبرية كان أمرا مرغوبا فيه من جوانبَ عدة إلا أن كفاءتهم لم تكن مرضية. كان بوسعهم تدريس أسس العبرية في الصفوف الثلاثة الأولى، الرابع والخامس والسادس
في العقد الأول من قيام إسرائيل، ١٩٤٨-١٩٥٨، تبدّلت ثلاثة مناهج لتعليم العبرية. رمت تلك البرامج لتحقيق ثلاثة أهداف: مدخل لدراسة الشعب اليهودي وثقافته؛ واسطة للتواصل مع المجتمع اليهودي شفويا وكتابيا؛ أداة لتطوير مواطنة إسرائيلية. من الملاحظ أن هذه الأهداف تنصبّ في خانة التعرف على الشعب اليهودي ولا تُولي أي اهتمام بمشاعر الطلاب العرب أو خصائص اللغة العبرية وكيفية تدريسها لهم. في عام ١٩٥٩ نشر برنامج العبرية في المدرسة الابتدائية الحكومية وبموجبه كان عدد حصص التدريس الأسبوعية ثلاثا. بالإضافة إلى الأهداف الثلاثة أعلاه، أضيفت غايات أوسع مثل "تقريب القلوب" )קירוב לבבות(. في المرحلة الثانوية بقي تدريس العبرية بلا منهاج. في بداية الستينات من القرن العشرين نشرت وزارة التربية برنامجا لتدريس العبرية في المدارس الثانوية العربية، التاسع -الثاني عشر. يحتوي ذلك البرنامج على ثلاثة أقسام: الأهداف؛ أساليب التدريس؛ وتوزيع المادة وفق الصفوف. ذكر هدفان أساسيان، إكساب الطالب العربي معرفة أساسية، دقيقة وشاملة للغة العبرية والقدرة على فهم المقروء والتمكن العملي من اللغة حديثا وكتابة لأغراض عملية وثقافية. الهدف الثاني يتمثل في فتح نافذة أمام الطالب العربي للتعرف على ثقافة إسرائيل وقيمها في الماضي والحاضر
يذكر أنه ابتداء من العام ١٩٦٧ أصبح تعليم العبرية الإجباري في الوسط العربي من الصف الثالث بواقع ثلاث حصص أسبوعية وابتداء من العام الدراسي ١٩٧٣/٤ بواقع أربع حصص وفي عام ١٩٩٥ بواقع ساعات أكثر وهنالك بعض المدارس التي تبدأ بتعليم العبرية  من الصف الثاني بواقع ساعتين إلى أربع ساعات أسبوعيا، وتوجد مدارس قليلة  تقوم بذاك ابتداء من الصف الأول
المرحلة الثالثة ما بين ١٩٧٢ و ١٩٩٥. هنالك اليوم ثلاثة برامج تعليمية:  المرحلة الابتدائية، المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية، كانت قد أعدّت عام ١٩٧٨وطبقت منذ العام ١٩٨١. في موضوع الأدب أعد برنامج جديد عام ١٩٩٣ وطبق في عشر مدارس في الجليل ثم في أيلول من عام ١٩٩٥ سرى المفعول إجباريا في كافة المدارس العربية الثانوية في البلاد
من الكتب المدرسية ننوه بـשחר = فجر الذي استعمل حتى سنة ٢٠٠٦/٢٠٠٧ ثم أدرج في البرنامج الجديد  מפגש = لقاء وفي عام ١٩٩٣ صدر كتاب القراءة עברית זה כיף = العبرية متعة  للصفوف الثالثة حتى السادسة. حاليا هنالك كتب تدريس جديدة مثل עברית לדרך =  العبرية للمسيرة و  הכרם =  الكرم  و  אשכול= العنقود )أشكر صديقي الدكتور علي خالد وتد على تزويدي بهذه (الأسماء
في المرحلة الإعدادية هنالك تشديد على أوجه الشبه بين العبرية والعربية. يوجد منهاجان مختلفان في تدريس العبرية للعرب، الأول ينطلق من المسموع للمكتوب والآخر بالعكس
قسم لا يُستهان به من مساق تعليم العبرية كان منصبا على الترجمة من العبرية إلى العربية ومن المعروف أن ذلك لا يساعد الطالب على التمكن الفعلي من العبرية. لا يخفى على أحد أن العمال العرب العاملين في الوسط اليهودي يتحدثون العبرية بشكل أفضل بكثير من خريجي المرحلة الثانوية وحتى من قسم كبير من خريجي الجامعات.  هؤلاء الخريجون يجيدون أسس قواعد اللغة ويمتلكون ثروة لغوية لا بأس بها إلا أن الممارسة الفعلية ناقصة عندهم من حيث التعبيران الشفوي والكتابي. هذا يذكّر المرء بحالة الأغلبية العظمى من المستشرقين وأساتذة العربية والإسلام أو أساتذة العبرية في جامعات الغرب، حيث أنهم لا يتحدثون العربية ولا يكتبون بها بل جلّ عملهم التدريسي مقتصر على الترجمة والتفسير والتأويل والتأثيل. من نافلة القول أن القدرة على الترجمة من لغة أجنبية للغة الأم لا تعني أبدا معرفة اللغة المترجم منها حديثا وكتابة
مؤسستان فقط هما كلية بيت بيرل والكلية العربية في حيفا تعدّان مدرّسين عربا للعبرية في البلاد. في هاتين الكليتين يرتكز التعليم على تدريس لغة الأمّ أي تعليم العبرية في المدارس اليهودية وينسحب الوضع ذاته بالنسبة لمساق شهادة التدريس في الجامعات. من نافلة القول إن البرنامج في المدرسة اليهودية يختلف جذريا عن البرنامج المعمول به في الوسط العربي. تدريس القواعد يجب أن يكون ضمن الحصة الشاملة إلا أن معظم المعلمين يكرّسون حصة خاصة لذلك، لتدريس النحو والصرف والتنقيط. من المعروف عالميا في علم اللسانيات أن معرفة قواعد أية لغة بشرية حية يجب أن تكون لغاية واضحة، الوصول لمستوى جيد قراءة وحديثا وكتابة في تلك اللغة.  هذا ما يعرف في المناهج التربوية بالقواعد الوظيفية، بعبارة أخرى مجرد معرفة قواعد اللغة، أية لغة، لا يعني بالضرورة التمكن الفعلي من اللغة. كما قال ابن خلدون )١٤٠٤م.( "إن صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة. فهو علم بكيفية لا نفس كيفية.  فإن العلم بقوانين الإعراب إنما هو علم بكيفية العمل وليس هو نفس العمل. ولذلك نجد كثيرا من جهابذة النحاة والمهرة في صناعة العربية المحيطين علما بتلك القوانين إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو ذوي مودته أو شكوى ظلامه أو قصد من قصوده أخطأ فيها عن الصواب وأكثر من اللحن ولم يجد تأليف الكلام لذلك والعبارة عن المقصود على أساليب اللسان العربي، وكذا نجد كثيرا ممن يحسن هذه الملكة ويجيد التفنن في المنظوم والمنثور وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول ولا المرفوع من المجرور ولا شيئاً من قوانين صناعة العربية" )مقدمة ابن خلدون، الفصل الخمسون: في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم.
في هذه العُجالة التي اعتمدت فيها على الموسوعة التربوية بالعبرية وددت بالأساس التركيز على نقطة واحدة هامة جدا في تقديري. أعتقد أنه يجب على التلميذ العربي أولا محاولة اتقان أسس قواعد اللغة العربية المعيارية في السنوات الدراسية الأولى، لنقل من الصف الأول إلى الصف الخامس، وبعد ذلك يتوجه لدراسة العبرية ثم الإنجليزية. هذا التلميذ العربي يجيد لهجة أهله وبلده وفي السادسة من عمره يبدأ بتعلم العربية المكتوبة التي تختلف كثيرا عما تعلم في البيت بل وأحيانا أوجه الشبه وأوجه الخلاف بينهما تشكل تنغيصا له ونفورا منها لا سيما إذا كان منهاج التدريس تقليديا كما هي الحالة الشائعة حتى اليوم. إتقان لغة الأم أولا معناه أرضية صلبة لدراسة لغات أخرى. الوضع اللغوي الحالي في البلاد بالنسبة للأقلية العربية غير صحي،  قلما تجد أناسا يُجيدون العربية المعيارية )لغة أمهم، كما يقال مجازا( ولغة دولتهم أو حتى واحدة منهما. الأكثرية الساحقة من هؤلاء العرب الفلسطينيين، عرب الـ ٤٨،  يعرفون قدرا معينا من هذه اللغة وآخر أقل أو أكثر عمقا وشمولا من اللغة الثانية. بناء شخصية متزنة، فاعلة ومستقلة لا بد أن تجيد لغتها أولا، قراءة وحديثا وكتابة ومن ثم التوجه لدراسة لغات أخرى كما هي الحال في شتى المجتمعات الراقية. خلاصة القول أرى إرجاء الشروع بتعلم العبرية إلى الصف الخامس أو  السادس وأحبذ الشروع بتطبيق تجربة د. مصطفى الدنان، تعليم أو استخدام العربية  المعيارية المبسطة في مرحلة روضة الأطفال

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.