الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » مصرنا ومصيرنا

مصرنا ومصيرنا

 

مقومات مصر أهلتها لموقع قيادي في شئون الأمة‏,‏ لذلك صار ما يجري فيها مكان اهتمام الأمة كلها‏,‏ لا سيما السودان‏,‏ فعوامل المصير المشترك بيننا
 تجعل ما يجري في المشهد السياسي المصري مهما بصورة مصيرية لما يجري في المشهد السياسي السوداني, وهو مشهد مأزوم لا سبيل للخلاص من أزماته إلا بأسلوب التراضي التاريخي المنشود.
فيما يلي أتطرق لأسباب الاستقطاب الحاد الذي سيطر علي الساحة السياسية المصرية, وما ينبغي عمله لكسب الصراط المستقيم. في عام2002 م نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا أسهم فيه علماء وخبراء عرب, تطرق فيه للتنمية البشرية في العالم العربي, وجاء فيه أن البلاد العربية شهدت نموا اقتصاديا, ولكن التنمية البشرية فيها, التي تعني بقياس الحوكمة التي تقوم علي المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون, متخلفة.
وبعد حلقات دراسية ضمت أحزابا حاكمة ومعارضة, عقد لقاء جامع ضم ممثلين لأحزاب حاكمة ومعارضة من19 دولة تحت إشراف نادي مدريد. أعلن المشاركون في اللقاء في عام2008 م في منتجع البحر الميت( الأردن) أن ما بين الحكام والمعارضين استقطابا حادا حول الإصلاح السياسي ما يوجب إجراء حوار جاد بين الطرفين للاتفاق علي مشروع يزيل الاستقطاب الحاد ويرسم خريطة طريق للمشاركة الديمقراطية منعا لانفجار محتمل.
جماعة حاكمة مهيمنة علي ولاية الأمر وتبسط هيمنتها عبر أجهزة أمنية مطلقة اليد لتأمين النظام وإعلام مسخر للتطبيل واقتصاد رأسمالية المحاسيب وعلاقات خارجية موظفة لدعم النظام الحاكم ونظام وصفه الكيلاني بقوله: آفة الشرق حاكم معبود وشعوب تروعهن قيود
نظام الحوكمة العربي بهذا الشكل استمر عقودا, وافلح في اختراق وإخافة معارضيه, ولكن شبابا حركته حوادث انتهاك فظيع لحقوق الإنسان, تحرك عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة فاخترق حواجز الأمن, وتجاوبت معه الملايين المقهورة, فاخترقوا حواجز الخوف, ووقفت القوات المسلحة في تونس ثم في مصر مواقف جردت النظام الحاكم من عصا التطويع, فهرب طاغية تونس وتخلي طاغية مصر.
لذلك ملأت الفراغ قوي غير ثورية قوامها مؤسسات الدولة القائمة, ومرجعيتها الدستور المعتمد, وتحركت القوي السياسية المعهودة للمشاركة في الوضع الجديد.
صارت أهم معالم الوضع السياسي: إدارة للحكم علي أسس دستورية كأن النظام مستمر ناقص رئيسه, وقوي سياسية تعبر عن تطلعات ثورية; هكذا نشأت ثنائية بين تقليدية إدارة الحكم وثورية التطلعات. وبما أنه لا يوجد برنامج ثوري معين سارعت السلطة الحاكمة بإجراء انتخابات قبل أن يكتب دستور يعبر عن المرحلة الجديدة. كما أن القوي السياسية لم تكن علي درجة واحدة من الاستعداد التنظيمي, فالقوي الإسلامية كانت أكثر استعدادا لأنها مع تعرضها لبطش النظام المطاح به استطاعت أن تنشط عبر قنوات دينية وخدمات اجتماعية. ولأسباب كثيرة اهتمت البلدان العربية الغنية بما آلات دول الربيع العربي, لا سيما مصر وأغدقت في صرف الأموال السياسية, كذلك فعلت جهات دولية بإمكانات أقل. وأسباب كثيرة أهمها أن الثورة لم تضع برنامجا موحدا متفقا عليه انقسمت القوي السياسية انقساما حادا حول: مدي التطلع للثورية أو الالتزام بخريطة طريق تقليدية. والموقف من التعديلات الدستورية المحدودة ما أدي لاستفتاء شعبي انقسم حوله الرأي بصورة حادة. وانقسام حول مرشحي رئاسة الجمهورية واستقطاب حاد في الجولة الثانية. وبعد فوز الرئيس محمد مرسي حدث استقطاب حاد حول الإعلان الدستوري الذي أصدره.علاوة علي استقطاب حاد حول الدستور الجديد الذي أجازه الاستفتاء.
الجسم السياسي المصري الآن يعاني من تراكم هذه الاستقطابات الحادة ويضاف إليها اختلافات حادة حول: إسلامية أو مدنية الحكم والبرنامج الاقتصادي والإعلام والعلاقات الخارجية والأمن القومي والاستقطاب الحاد الذي قسم الجسم السياسي المصري لا يمكن مع اعتماد منظومة حقوق الإنسان ومكتسبات الحرية التي حققتها الثورة أن يحسم بالقوة, وبعض عوامل الاستقطاب لا يمكن حسمها بالآلية الانتخابية مثل: مدي إسلامية ومدنية الدستور. وحقوق المجموعات الدينية. ومتطلبات استقلال القضاء. ومكانة القوات النظامية لا سيما القوات المسلحة.
هذه القضايا لا يمكن حسمها بالمغالبة الانتخابية وتتطلب تراضيا يسبق التنافس الانتخابي.
المجموعة الحاكمة الآن بموجب التغلب الانتخابي إذا أهملت الحاجة للتراضي حول هذه القضايا فإنها تدفع القوي المعارضة إلي تصرفات تؤذي الأمن القومي وتحول دون الاستقرار وتستدعي عوامل تدخل خارجي.وأقصي ما يمكن أن تحققه المعارضة بالأساليب الشعبوية هذه هو الإطاحة بالحكم القائم, فإن حدث ذلك وأقدمت هي علي حكم البلاد فإن القوي المزاحة من السلطة أقدر علي زعزعة حكمهم. وليس أمام القوي السياسية المصرية إذا التزمت بالمصلحة الوطنية العليا, وأرادت تجنب العنف في إدارة الشأن العام, وأرادت قفل الطريق أمام التدخلات الأجنبية غير المأمونة العواقب إلا التراضي علي أسس تحقق الكسب العام للوطن والمواطنين, هذا يمكن أن يتحقق إذا أعلنت السلطة الحاكمة أنها: مستعدة لمراجعة بعض بنود الدستور الخلافية بصورة تكفل مدنية الدولة وحقوق المجموعات الدينية في تطبيق أحكام دينها وتكفل حقوق الإنسان واستقلال القضاء والتزام القوات المسلحة بالانضباط المهني. وأنها مستعدة للتفاهم حول موعد إجراء الانتخابات القادمة. وأنها مستعدة لتكوين حكومة انتقالية موسعة أو محايدة( تكنوقراطية) لإدارة البلاد إلي حين اعتماد الدستور الجديد.
وتعلن القوي المعارضة كافة أنها: تعترف بشرعية الحكم القائم بلا تردد وتكف عن أية محاولات لزعزعة الحكم عن طرق شعبوية وتكف نهائيا عن أية تطلعات لإقحام القوات المسلحة في العمل السياسي.
إن نجاح مصر في التغلب علي المتاعب الحالية لا سيما تحقيق الجدوي الديمقراطية, والأمن القومي, والتنمية المنشودة; يهم المنطقة كلها, القضاء علي الاستقطاب في مصر, وإثبات جدوي الوسائل الديمقراطية فيها سيكون له أفضل الأثر علي كل بلدان المنطقة كما قال الأرياني اليمني:
ما نال مصر نعمة أو نقمة إلا وجدت لنا بذاك نصيبا
 
الصادق المهدى 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.