الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة

(14)

معاهدة السلام مع إسرائيل وانتهاء المهمة الحقيقية للجيش المقاتل في مصر

تعددت التطورات الفاصلة في تاريخ الجيش في مصر ، وكان لتلك التطورات تأثيرها الذي تجلّى في شكل وجوهر الجيش كفاعل ضمن منظومة فواعل تتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر منذ “محمد علي” .

تمثل التطور الأول في نشأة الجيش على يدي “محمد علي” ، من أجل تحقيق أهدافه كوالي يسعى نحو الانفصال عن الدولة العثمانية .

وتمثل التطور الثاني في تقليم أظافر جيش “محمد علي” وتحديد نطاق حركته في مصر وتخومها بموجب اتفاق لندن 1840م .

وتمثل التطور الثالث في محاولة تمصير وتوطين الجيش التي قام بها “أحمد عرابي” في عام 1882م .

وتمثل التطور الرابع في الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1952م ، الذي نجح في إعادة تشكيل جيش جديد وفق طراز الدولة الشمولية البوليسية .

وتمثل التطور الخامس في اتفاق السلام مع إسرائيل الموقع في عام 1978م ، وهو نسخة مكررة من اتفاق لندن 1840م الذي حدد حركة الجيش المصري داخل أراضيه.

وتمثل التطور السادس في الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في 3/7/2013م والذي أطلق يد الجيش في الحياة السياسية في مصر ، وأصبح لا يتورع عن قتل الشعب ، وانتهى بتنصيب قائد الانقلاب رئيساً لمصر .

الفرع الأول : إتفاق السلام يعني انتهاء حالة الحرب مع إسرائيل :

ويهمنا هنا التطور الخامس المتمثل في اتفاق السلام مع إسرائيل الموّقع في عام 1978م ، وهو نسخة مكررة من اتفاق لندن 1840م الذي حدد حركة الجيش المصري داخل أراضيه ، ولا نركز كثيراً على النتائج الاستراتيجية والتكتيكية واللوجستية المترتبة على تقييد وتحديد حرك الجيش المصري نتيجة اتفاق السلام مع إسرائيل ، بل نركز على ماهو أبعد من ذلك ، وهو النتيجة الاستراسياسية التي تمثلت في انتهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل بشكل نهائي مؤبد .

ومن شأن النتيجة الأخيرة أن تنهي حالة الصراع المسلح في المنطقة بشكل فعلي حقيقي ، لأن الحروب الحقيقية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بكامله لم تحدث إلا بين مصر وإسرائيل ، وعندما تنتهي العداوة بين الدولتين تحل حالة من السلام تعم المنطقة ، وستقتفي كل الدول العربية أثر مصر وتتصالح مع إسرائيل .

ونظرأ للأهمية المطلقة لإنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل وإحلال السلام بين الدولتين بشكل نهائي مؤبد ، أرادت القوى الدولية الفاعلة في النظام الدولي أن تغلّظ من العقد المبرم بين الطرفين ، فضمنته تلك القوى الدولية ومعها الأمم المتحدة ، ما يجعل من الصعب على الطرفين التنصل منه .

الفرع الثاني : بموجب اتفاق السلام ، إسرائيل لم تعد عدواً لمصر :

ترتيباً على ما تقدم وبموجب اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل ، لم تعد الأخيرة عدواً لمصر ، وبات النظام السياسي المصري الذي خاض مفاوضات هذا الاتفاق ووقع عليه مطالباً بأن يحقق هدفين استراتيجيين في وقت واحد :

البند الأول :الهدف الأول : إزالة الحائط النفسي التاريخي من الكراهية والحقد لدى الشعب المصري تجاه إسرائيل ، وهذا يحتاج من النظام السياسي إلى تجنيد جيوش من الإعلاميين والمفكرين والمثقفين والأكاديميين محترفي التلفيق والتزوير والتزييف ، الذين تتعين مهمتهم في التعتيم والتشويش على صورة إسرائيل العدو الدائم والتاريخي لمصر والعرب ، في مقابل تنظيف وتلميع صورة إسرائيل الصديق والحليف ، من خلال سياسات التطبيع المختلفة الأشكال والآليات .

البند الثاني :الهدف الثاني : أن يحدث نفس ما حدث مع الشعب المصري مع الجيش ، ومن ثم تتغير صورة إسرائيل في ذهنية الجندي المصري ، فتتحول من وضعية العدو إلى وضعية الحليف والصديق والجار المسالم .

وعليه فإسرائيل لم تعد عدواً للشعب المصري ، ولم تعد عدواً كذلك للجيش المصري ، ومعنى ذلك منطقياً وعقلياً أن الجيش المصري أصبح جيشاً بدون أعداء ، فإسرائيل عدو الأمس هي صديق وحليف اليوم والغد ، والعرب هم أخوة الجيش وأشقاؤه من الأمس والبوم وإلى الأبد ، فمن إذن سيقاتل وسيحارب الجيش المصري ؟! إن الجيش المصري مثله مثل جيوش كثيرة تتمثل مهامها في الحفاظ على حدودها في مواجهة الاعتداءات المحتملة والمستبعدة ، وهذا هو منطق الأمور ، وكما يروج لذلك الكثيرون من البسطاء قصيري النظر !!

السؤال الأخير طرحه بالفعل رموز النظام السياسي في أواخر عهد “السادات” وقيادات الجيش المصري ، وكان بالفعل سؤال جوهري وحساس وصعب ، ووضع أسس مرحلة جديدة للدولة المصرية ونظامها السياسي وجيشها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى