الرئيسية » تقارير » هل هي مجرد حبر على ورق؟.. قراءة في تداعيات مذكرة التوقيف ضد الأسد

هل هي مجرد حبر على ورق؟.. قراءة في تداعيات مذكرة التوقيف ضد الأسد

وطن – في نوفمبر من العام الماضي 2023، أصدرت الحكومة الفرنسية مذكرة توقيف بحقّ رأس النظام السوري “بشار الأسد” وشقيقه ماهر وكبار معاونيه بعد سنوات طويلة من تنكيلهم بالشعب السوري وارتكابهم للآلاف المجازر وتشريد أكثر من نصف السوريين في أصقاع الأرض.

وهي المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه المذكرة الدولية، وبحسب محللين فإن هذه المذكرة ليست حبراً على ورق، ولكن طريق العدالة طويل ولابد أن يصل إلى نهايته إذا كنا نريد أن نصنع السلام في سوريا.

وكان المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قد تقدم بشكوى جنائية أمام القضاء الفرنسي إلى جانب منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية، لاعتقال الأسد على خلفية ما قام به من جرائم بحق السوريين على امتداد الأزمة السورية.

مذكرات توقيف

وشملت قائمة المطلوبين عميدين تابعين للنظام السوري وهما غسان عباس، مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية.
والحسن هو الضابط المكلّف بتأمين الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية.

وأصدر القضاء الفرنسي قراره بحق المذكورين بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في هجمات بغاز السارين استهدفت في 21 أغسطس 2013 الغوطة الشرقية ومعضمية الشام في ريف دمشق.

ماهر الأسد القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري
ماهر الأسد القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري

وبحسب ما أعلنته الولايات المتحدة وما ورد على لسان ناشطين عدّة، فإن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل ما يزيد عن ألف سوري.

  • اقرأ أيضا:
مجزرة الكيماوي.. فيديو يُنشر لأول مرة يوثّق ما فعله “الأسد” في غوطتي دمشق عام 2013

استئناف مرفوض

ونقلت مؤسسة “فنك” الأوروبية، عن طارق حوكان، مدير مشروع التقاضي الاستراتيجي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قوله إنّ المدعي العام الفرنسي تقدّم في 20 ديسمبر 2023، بطلب استئناف بشرعية مذكرة التوقيف باعتبار بشار الأسد رئيس يتمتع بالحصانة.

وكان التوقيت الذي صدرت فيه المذكرة أثار العديد من إشارات الاستفهام، لاسيما وأنها جاءت بعد عودة بشار الأسد الأخيرة إلى الساحة العربية.

وكما هو معروف، فقد الأسد حضر في القمة العربية التي عقدت في السعودية، فيما ما بدى حينه على أنه محاولة لإعادة تعويمه على المستوى العربي والدولي.

لا أبعاد سياسية للمذكرة

وفي هذا السياق، يرى حوكان أن توقيت صدور المذكرة لا يحمل في طياته “أبعاداً سياسية”.

ولفت حوكان إلى أنّ الإجراءات القضائية التي عادة تأخذ وقتا طويلا وصلت إلى هذا المستوى بشكل طبيعي، ولكن هذا الوصول تزامن مع الحراك السياسي المشار إليه.

ونقلت مؤسسة “فنك” الأوروبية عن المحامي حوكان قوله: “من دون شك أن بشار الأسد لن يسافر إلى دولة صدر فيها بحقه مذكرة توقيف، لاسيّما وأن ذلك سيؤدي إلى إلقاء القبض عليه.

“كما أنّ الأسد، في حال أراد القيام بزيارات خارجية، فإنه سيزور الدول التي تؤمن له الحماية. بيد أنه بمجرد أن يكون بشار الأسد مطلوب القبض في دولة مثل فرنسا، فهذا أمر لايستهان، فضلاً عن أن مثل هذا الأمر يعد خطوة مهمة على طريق تحقيق العدالة”.

الأسد لن يفلت من العقاب

وقال الصحفي السوري “نضال معلوف” إن “هذا الأمر لم يحصل في التاريخ الحديث. هناك من يعتقد أن الأسد سيفلت من العقاب، لكن هذا الأمر غير ممكن.

وهذا يدفعنا –كما قال-للتفكير ليس فقط بمستقبل الأسد السياسي وحسب، بل ومستقبله الجنائي أيضاً. الباب الذي دخل منه الأسد إلى التاريخ هو باب الجرائم، ولا بدّ له وأن يخرج من باب المحاسبة والعقاب”.

وأضاف الصحفي الذي كان يدير موقع “سوريا نيوز” : “بشار الأسد أفسد حياة شعب بأكمله… السوريون لن يتنازلوا عن محاسبة من أفسد حياتهم. لم يسجل التاريخ أن قائد أفسد حياة شعبه بشكل كامل سوى بشار الأسد.”

وعبر طارق حوكان عن اعتقاده “بأن هناك إحباطا عاما يسيطر على السوريين. بيد أن العدالة لا تحصل بقفزة واحدة بل بخطوات ومراكمة.”

وتابع “ومن المهم أن يبقى هذا الملف بوجه العالم. ملف العدالة في سوريا ضرورة وليس ترفا. المحاسبة حاجة وضرورة لبناء السلام. لذلك، المطلوب من الضحايا والشهود تجاوز الإحباط”.

تقليل من قيمة مذكرة التوقيف بحق بشار

من جهته، يقلل الصحفي محمد العويد من قيمة المذكرة. وقال “أعتقد أن التوجه السياسي الفرنسي خلال فترة الرئيس إيمانويل ماكرون يختلف عنه في فترة الرئيس فرانسوا أولاند، حيث فرنسا ما بعد أولاند لم تعد معنية بالملف السوري كما في السابق والتعاطف مع الضحايا بحده الأدنى”.

وأضاف: “الأوساط السياسية في البلاد لم نعد نسمع صوتها، حتى أنها لم تتفاعل مع المذكرة التي صدرت بحقّ بشار رغم أنها سابقة. وفي الوقت الذي نرى فيه تفاعلاً مع أي محاكمة تجري في ألمانيا لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب بحق السوريين، فإنّ الجميع في فرنسا على دراية بأنّ مذكرة التوقيف الأخيرة لا قيمة تذكر لها”.

ويبرر العويّد وجهة نظره بالقول: “فرنسا تتمتع بقوّة تأثير أكبر من ألمانيا على الساحة الدولية، سيّما وأنّ الأولى تمتلك حق النقض الفيتو. كما أن فرنسا لديها قوات عسكرية في العديد من مناطق العالم. ولعلّ الصدفة التاريخية هي التي جعلت ألمانيا متقدمة في هذا المجال. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قدوم أكثر من مليون سوري إلى ألمانيا جعلها متقدمة في هذا المجال، وهذا أيضا مردّه إلى حضور الضحايا وجلاديهم على الأرض الألمانية”.

ملاحقة طويلة الأمد

ويلعب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير دوراً بارزاً على مستوى إصدار مذكرات التوقيف بحق بشار الأسد والعديد من الشخصيات البارزة في النظام السوري.

وأوضح حوكان أن العمل على هذا الملف بدأ منذ اللحظات الأولى لوقوع هجمات غاز السارين في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام. وبدأ هذا الدور مع الناشطة السورية المعروفة رزان زيتونة، التي اختطفت بعد أقل من ثلاثة أشهر على الهجوم مع اثنين من زملائها هم المحامي ناظم حمادي، وزوجها وائل حمادة والمعتقلة السابقة سميرة الخليل.

وقامت زيتونة بتوثيق كلّ تفاصيل الهجوم وما خلّفه من ضحايا.

وفي مارس 2020، تقدم المركز السوري مع مجموعة من الضحايا بشكوى إلى القضاء الفرنسي، استنادا الى مبدأ الاختصاص القضائي خارج الإقليم.

وبحسب موقع بلدي نيوز، فإن الشكوى تضمنت مجموعةً كبيرة من شهادات شهود ذوي الضحايا والناجين والتحليلات والتوثيقات والصور والفيديوهات. يضاف إلى ذلك نتائج عمل زيتونة وفريقها في مشروع توثيق الانتهاكات.

وفي مرحلة لاحقة، انضم مكتب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى التحقيق كأحد الأطراف المدنية السورية. وبعد ذلك، انضمت إلى الملف مجموعة من المنظمات غير السورية.

كما شارك في القضية عددٌ إضافي من الضحايا من رابطة ضحايا استخدام الكيماوي في سوريا.

وفي هذا السياق، يقول حوكان: “القضاء الفرنسي اعتمد على عدة اعتبارات في إصدار مذكرات التوقيف. ويكمن أول هذه الاعتبارات في جسامة الجريمة المرتكبة والصدمة التي خلفتها، ليس لدى السوريين فقط وإنما لدى البشرية جمعاء.

وكما هو معروف فقد توافق المجتمع الدولي عبر العديد من الاتفاقيات والمعاهدات، على أن زمن استخدام هذه الأسلحة قد ولى. ومن الاعتبارات التي أخذها القضاء الفرنسي بعين الاعتبار العدد الكبير من الضحايا والمصابين الذي خلفته هذه الجريمة.

يضاف إلى ذلك طبيعة تركيبة النظام السوري التي ولّدت لدى القضاة قناعة بأن قرار استخدام السلاح الكيماوي، لا يمكن أن يكون اتخذ إلا من أعلى رأس السلطة”.

وفي سياق متصل، أشار حوكان إلى وجود مشروع لتشكيل محكمة خاصة بجرائم استخدام الأسلحة الكيماوية. وبحسب حوكان، فإنّ هذا المشروع لا يتعلق بالملف السوري بل هو ذو طابع عالمي.

ويضيف في هذا السياق: “هناك تحديات قانونية ولوجستية مختلفة تواجهنا. ونحن نحاول أن نجد لها حلولا بحيث يمكن أن يحاكم كل المسؤولين عن هذا النوع من الجرائم”.

وريثما يتوافق أصحاب القرار العالمي على كيفية تشكيل المحكمة الخاصة، يبقى الملف السوري مفتوحا على كافة الاحتمالات؛ احتمالاتٌ يزيد من عددها تعقيدات هذا الملف محليا وتشابكها إقليميا وعالميا. أما الثابت الوحيد فهو أن الشعب السوري هو الدافع الأكبر لثمن المأساة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.