الرئيسية » تحرر الكلام » هواري بومدين بين ما يقوله الأعداء وما يروجه الأغبياء !

هواري بومدين بين ما يقوله الأعداء وما يروجه الأغبياء !

قال الشيخ الغزالي: ليس شرطا أن تكون عميلا لخدمة الأعداء يكفي فقط أن تكون غبيا.

لا يمكن فهم حاضر الجزائر ولا استشراف مستقبلها، مالم نفهم تاريخنا، وهويتنا وإمكاناتنا… فهما صحيحا.

بعيدا عن العواطف والمزايدات، وبعيدا عن الغطرسة والعنتريات، وبعيدا عن الاغاليط و تصفية الحسابات…وبعيدا عن الأهواء.إذا أردنا أن نخرج من حالة الدوران في المكان الواحد … علينا أن نقرأ التاريخ قراءة موضوعية، لا قراءة سردية…أو سطحية… أو قراءة متحيزة.نحقق ونصوب، و نستفيد من الأخطاء والعثرات التي وقعت، أو تم نصبها بإحكام للايقاع بنا… وما نقوم به هو: تدارك ما يمكن تداركه….حتى نؤسس للتأريخ الصحيح.

فلا يمكن منطقيا أن ننتقد الاعوجاج ونؤسس لاعوجاج يليه! ولا يمكن لشخص ولا لمجموعة ولا لحزب … أن يبني الجزائر لوحده فالجزائر جزائر الجميع.وحتى لا تتكرر نفس الممارسات، التي ان وقعت مجددا فسنصل الى نتائج كارثية هذه المرة، ويذهب ما تبقى من الركام المعرفي وما تبقى من سيادة…وساعتها، السلام على وطن لم نحافظ عليه، بل أهديناه للأعداء.

الوثائق السرية المتوفرة ، والتي أطلقت سراحها الديبلوماسية السويسرية بعد 50 عاما من الكتمان، نظرا لعلاقاتها بالاستخبارات…ولاتزال هذه الوثائق دون قراءة…خوفا من الحقيقة.

جزء من هذه الوثائق تناولته في كتاب المصالحة الجزائرية الذي صدر سنة 2014 .الوثائق مع الأسف تم تداولها بعد أن مات أغلب الفاعلين، ولو نشرت في وقتها لصححت الكثير من المفاهيم الخاطئة…ولما تفاقم الوضع…واغتيل من أغتيل وأعدم من أعدم … ولما وقع ما وقع في الجزائر من تضليل ومن ابتزاز ومن احتيال وسطو ولما حدثت المأساة. هذه الوثائق: تثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن كل ما كان يجري من محادثات بين الفرنسيين والجزائريين وبوساطة سويسرية … موثق بالدقائق والغرف وفناجين القهوة، قبل أن يبدأ العمل المخابراتي بالويفي والنقال والرسائل القصيرة …

و فرنسا والمخابرات الأمريكية وقتها، سَعَيا كما تشير الوثائق، لاغتيال مجموعة من العقداء وعلى رأسهم هواري بومدين بطبيعة الحال…وتزامنت محاولة الاغتيال مع قرار بن خدة عزل هواري بومدين عشية الاستقلال…

وياله من خطأ قاتل … كاد أن يدخل الجزائر في حمامات من الدماء، دُفع اليه يوسف بن خدة… سيما وأن المنظمة السرية الفرنسية OAS كانت تترصد لكل هفوة… ويعيد الاستعمار من جديد…لاسيما وأن الجزائر كانت تحت سيطرة فرنسا … سواء أكان ذلك  القرار بارادة جزائرية أو بايعاز وتنسيق…مع المستعمر.

وسعت فرنسا ومعها أمريكا بكل ما أوتيا من مكر، لمنع وصول التيار الوطني ذو التوجه العربي  الاسلامي الى الحكم ، و الذي كان يمثله آنذاك هواري بومدين وأحمد بن بلة والمعدم فيما بعد محمد شعباني… وطلبة الزيتونة وفاس ومصر وبغداد ودمشق ..وتلامذة من جمعية العلماء الجزائريين…وكان هذا التوجه مدعوما بشكل علني من جمال عبد الناصر…وعلى أي صاحب بصيرة أن ينظر الى هذه البلدان  وحالها اليوم.

ومحاولة دعم فرحات عباس في المقابل ويوسف بن خدة، وعبد الرحمان فارس…وكريم بلقاسم … وأصحاب التوجه الفرنكوفوني … والعلماني … لاستلام الحكم كما تبينه الوثائق…والأحداث المتسلسلة.

وأنت تقرأ كل يوم عناوين مثيرة لأناس، في المواقع التي أصبحت تصنع الرأي حتى ولو كان خاطئا وضالا…لا يعرفون تاريخ الجزائر، ولا التحليل، ولا درسوا يوما علم المنهجية، حتى يمكنهم استخراج الأفكار … وحتى استعمال الأعداد في الحساب التاريخي…فهل يعقل مثلا أن يكون مجاهد مولود سنة 1948 ؟ ولا فهموا المعضلة الجزائرية كما ينبغي…من خلال الحقائق. لقد ارتووا حد الثمالة بمغالطات تاريخية زرعت بإحكام ، وروجوا لها في وسائل شتى، وشربوا من الضغينة والحقد… ما يكيفهم لحرق الجزائر عدة مرات…

تصل الى قناعة، بأنه أصبح من الجرم السكوت على مثل هذه الأباطيل والتجاوزات…التي تطال كل ماهو عربي واسلامي، وفي المقابل التستر على كل الجرائم التي أرتكبت من طرف مجموعات أخرى همها العرب والاسلام.

وصعق أصحابها ومن يقفون وراءهم بالدليل والحجة والبرهان… وزرع الفطنة لدى من يسيرون شؤون البلاد ،بالسذاجة والغباء. محاطين بأساتذة في التاريخ لهم حسابات تاريخية ولهم توجهات معينة وكذا اساتذة في السوسيولوجيا وعلم النفس. حتى لا يتم تغليط الرأي العام…مرات أخرى…وحث الجزائريين والجزائريات، الباحثين منهم عن الحقيقة … على المطالعة ودراسة وتمحيص الشهادات والاعترافات والتواريخ والمستندات والمصادر … وعدم ترديد سموم المحتل وعملائه والانتهازيين والمغرضين.

يردد بعضهم مغالطة مفادها أن هواري بومدين انقلب عن الحكومة المؤقتة وأن ما قام به مخالف لما اتفق فيه في مؤتمر طرابلس. مَن مِن هؤلاء الأغبياء شرح كلمة حكومة مؤقتة ؟ وما هي مهمتها وصلاحيتها في تلك المرحلة؟ من من هؤلاء الأغبياء سأل من عين هذه الحكومة ومن هم أعضاؤها؟ من من هؤلاء سأل هل تبقى الشرعية لحكومة وزراؤها متصارعون ومتخاصمون بل متقاتلون ؟ من سأل ، من أعطى الحق للمفاوضة مع فرنسا وعلى ماذا؟من سأل: من وقع الاتفاقيات ومقابل ماذا؟من من هؤلاء سأل لماذا افترق الحاضرون في مؤتمر طرابلس أم أكملوا أشغال المؤتمر الى غاية نهاية أشغاله؟ أي قرارات هذه التي خرج بها مؤتمر طرابلس؟

يرددون أن العقيد شعباني هو أصغر عقيد في العالم…وأن هواري بومدين أعدمه لأنه يرى فيه المنافس على السلطة…ويرى فيه المثقف والمجتهد…وسبب اعدامه هو أنه وقف ضد ضباط فرنسا.

يا ترى نسأل التاريخ: لماذا قامت الثورة أصلا أليست من أجل اخراج فرنسا؟ متى ولد محمد شعباني وكم كان عمره عندما التحق بالثورة؟ كيف أصبح قائدا للمنطقة السادسة التي جاء بها مؤتمر الصومام، والذي لا يعترف به بعض مروجي هذه الأغاليط…ومن منحه رتبة عقيد يا ترى؟ وما سر تصفية الطيب الجغلالي الذي خلفه؟ وتصفية المئات في الجلفة بعد عهد تم اعطاؤه؟

من كان قائد الأركان بعد عقد مؤتمر طرابلس، وهل يعقل منطقيا الكفر بمؤتمر طرابلس والايمان بشرعية هواري بومدين وقيادة الأركان؟ وهل يعقل أن تعطى الأولوية للداخل والحكومة المؤقتة في تونس؟ وهل يعقل أن تعطى الأولوية للسياسي على العسكري،  و مفجري الثورة خرجوا عن طاعة مصالي الحاج ؟

إذا كان الصراع هكذا بين بومدين وشعباني…فما الذي جعل محمد شعباني يتحالف مع بومدين لإيصال أحمد بن بلة وهو الذي كان مساعدا في الجيش الفرنسي؟ وهل يجهل شعباني هذا الأمر؟

يرددون أن الشيخ الابراهيمي تم وضعه تحت الاقامة الجبرية من طرف هواري بومدين…مرددين أن هواري بومدين قاتل المجاهدين والعلماء، وهو من أسس للإنقلابات.

يحاربون مصالي الحاج بسبب الزعامة ولأنه يقدم أولوية العمل السياسي على العسكري، لكنهم يقدسون شخصيات جاءت بعد ه ويجعلون منها أيقونات في النضال والكفاح…

لو استخدم هؤلاء الأغبياء عقولهم بدل آذانهم … لوجدوا أن فرنسا كانت تنوي الاحتفاظ بالجزائر وفي أحسن الظروف ترك من يخدمها…وفقا لاتفاقيات ايفيان التي رفضها هواري بومدين وهذا ما توثقه عديد الشهادات.

هواري بومدين وصل الى الجزائر في سبتمبر 1962 مع أن الاستقلال حدث يوم 3 جويلية 1962 قبل أن يغير تاريخه لحسابات سياسية نتفهمها.

هواري بومدين وصل الى سدة الحكم في جوان 1965 فيما الشيخ محمد البشير الابراهيمي توفي في شهر ماي 1965.

لقد قام مجموعة بالانقلاب على أحمد بن بلة يقودهم الطاهر الزبيري…وقد أكد أحمد بن بلة نفسه أن صاحب فكرة الانقلاب ليس هواري بومدين إنما شخص آخر متوفي وكان يقصد سعيد عبيد.

أحمد بن بلة وبومدين وشعباني والابراهيمي ومن معهم … كانوا محسوبين على التيار العربي الاسلامي…والذي سعت فرنسا وأمريكا لمنعه من الوصول الى الحكم مثلما تؤكد الوثائق السالفة الذكر. وفي المقابل كانت تدعم تيارا تغريبيا علمانيا…. ولازال هذا التيار العربي المسلم الى اليوم مرفوضا ومطاردا.

هي سلسلة متواصلة بمخرجين وممثلين جدد…فالذي كان وراء منع بن بلة وهواري بومدين … هو من بدأ في تصفية الضباط الوطنيين وابعادهم من وزارة الدفاع ، وهو من نفخ في الفتنة وأبعد مولود حمروش من الحكومة في عهد الاصلاحات، وهو من حارب ابن المسيلة علي بن محمد في وزارة التربية في بداية التسعينيات…وهو من كان وراء اغتيال محمد بوضياف وكثير من الشخصيات… وهو من خطط للانقلاب على عبد الحميد مهري… وهو من منع أحمد طالب الابراهيمي من النشاط السياسي.

محمد شعباني لم يكن ملما بالمعضلة الجزائرية لصغر سنه. مما جعله ينظم الى جماعة تيزي وزو بشهادة أحمد بن بلة على قناة الجزيرة، وتمرده كان نتيجة غروره وخشونة رأسه، لاسيما وأنه رفض التخلي عن منصبه في الولاية والصعود الى قيادة الأركان…ولم يستجب الى كلام الرئيس بن بلة رغم أنه أرسل اليه  عدة مسؤولين …و يترجاه…وطلب من الجنود الذين كانوا معه منع الجيش من الدخول الى الولاية بشهادة مساعده… الى أن دفع الثمن بالتمام.

كما أن أحمد بن بلة وإن كان ناضجا وكان يعرف بعض الحقائق سيما ماتعلق الأمر بأمريكا وغطرستها… الا أنه لم يكن دقيقا في تصوره وقد طغت عليه الأنا…وهذا من خلال الاستحواذ على عدة وزارات… ماجعل المحيطين به ينقمون منه.

بومدين لم يكن دمويا كما يصوره أعداؤه ولو كان كذلك لقتل أحمد بن بلة ولما سمح له بالزواج وهو تحت الاقامة الجبرية وليس السجن.

كان ينظر الى المستقبل ولم يكن يريد أن يعطي لاعداء الجزائر التقليديين فرصة احداث شرخ داخل المجتمع، نظرا لعملية الاختراق داخل صفوف الجيش، ونظرا لاتفاقيات ايفيان ، لأن الامر كان يستوجب وقتا لاسترجاع السيادة على كل التراب الجزائري…

أنظروا ماذا حدث في التسعينيات بين الجزائريين لما بدأت تصفية الحسابات وعاد الحديث عن ضباط فرنسا…و لما عشعش الاسترجال…وعاد استعراض العضلات.

لولا بعض الرجال الذين كانوا يتألمون لمآل الأحداث …وأنقذوا مايمكن انقاذه… لدمرت وأحرقت الجزائر، ولحققت فرنسا مالم تحققه أثناء فترة الاستعمار.

الاختراق لايزال متواصلا الى اليوم في كل المؤسسات … وهذا الحديث ليس حديث فاسبوك ولا يوتيوب …وإنما يتطلب الأمر بناء دولة قوية مستقرة ذات سيادة ولكل حدث حديث.

ما مصير أي ضابط اليوم في الجزائر يرفض قرارات القيادة العسكرية ، ويستقل بولاية عن باقي الولايات؟ لماذا يحاكم اليوم بعض الضباط وعلى أي أساس؟

في البداية ونظرا…لظروف الحرب…لم يكن الحكم مركزيا كما حدث فيما بعد، وقد أعطيت صلاحيات لقادة الولايات لمواجهة أخطار الاحتلال والتأقلم مع المستجدات.

ولكن بعد خروج فرنسا عسكريا، لم يعد جيش التحرير يسير بالنمط القديم، وأصبح جيشا نظاميا يخضع لقيادة مركزية ولنظام، وعلى شعباني أن يمتثل للأوامر أو يخرج من الجيش ويختار مهنة أخرى. لأن المحافظة على منجزات الثورة ليست ملكية خاصة.

التمرد داخل الجيش يمكن أن يحرق البلد…ويؤدي الى مواجهات وأحقاد وتصفية حسابات، وهذا الذي نردده ،ونطالب بعدم الزج بالجيش في صراعات سياسية…المستهدف فيها الجزائر.

على كل الذين يخوضون في الشأن العام، لاسيما ما تعلق الأمر بالثورة الجزائرية، أن يكونوا موضوعيين ومنطقيين…وأن لا ينحازوا الى منطقة أو شخصية على حساب الحقيقة…وأن يقرأوا التاريخ قراءة موضوعية بدل اطلاق الأحكام من باب خلفيات…فعصر الوصاية على العقول ولى في ظل الثورة التكنولوجية.

هواري بومدين ابن بادية، لم يتربى في قصر من القصور، ولم يتربى على الرئاسة وعلى قيادة الاركان، وعلى الانقلاب…فظروف الحرب هي من حتم عليه أن يتماشى معها…وإذا قرأنا الأعذار له لأنه قائد الأركان ولأنه الرئيس… فمن باب الانصاف أن نقرأ الأعذار لغيره من قادة الثورة …مع ما يحسب لهم جميعا من إنجازات…ولكن المنطق والعقل يقولان: أليس الأحرى أن نفكر في المستقبل وأن لا نكرر أخطاء الماضي؟

كلهم وبدون استثناء أخطأوا ولا أحد فوق هذه الأرض لا يخطئ…وكل من تقلد مسؤوليات يخطئ… الذي لايخطئ هو المعصوم من الخطأ وأعتقد أن هذه الخاصية ليست موكلة للجزائريين.

إذا كان الرائد لخضر بورقعه المعارض الشرس لهواري بومدين … يقول بعظمة لسانه في حوار على قناة البلاد… مسجل وموجود على اليوتيوب.

” بعد الذي جرى في الجزائر خلال التسعينيات والذي يجري اليوم من نهب ومن فساد ومن فوضى… وبعد الذي يجري الآن في الوطن العربي من نكسات، الجزائر محتاجة الى 48 هواري بومدين أي بمعدل واحد في كل محافظة”…ويقول : أنا أتصالح مع التاريخ … كما يقول المؤرخ  محمد الطاهر الزبيري في شهادته أن هواري بومدين رفض عودة أبناء الحركى…

فما بال الذين لا يعرفون الخامس من السادس في السياسة و ثورة التحرير و تاريخ الجزائر العريض؟

نورالدين خبابه ، كاتب واعلامي جزائري مقيم في فرنسا

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.