الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة
(21)
علاقة الجيش اليمني بالدولة
لا تزال الدولة من المفاهيم الغامضة فكرياً وتجريبياً في مناطق كثيرة من العالم العربي وبصفة خاصة المناطق التي تزدهر فيها الروابط القبلية ، وأصبحنا وجهاً لوجه أمام صدام حقيقي بين الدولة بشخصيتها الاعتبارية ومظاهرها المعنوية وبين القبيلة بوجودها الواقعي وتجلياتها المتغلغلة في كل شئون الحياة .
هل أثرت هذه العلاقة بين الدولة والقبيلة على علاقة الجيش بالدولة ، وبعبارة أكثر دقة لمن ينصرف ولاء الجندي اليمني ، لقبيلته أم للدولة ، وإذا طلبت منه القبيلة أن يترك الجندية فهل سيستجيب ، أم سيعتبر القبيلة جزء من الدولة ، وسيتفهم أن للقبيلة وظيفة إجتماعية وأن للدولة وظيفة سياسية وكل منهما يكمل الآخر ؟
الفرع الأول : تأثر الجيش بظروف الدولة :
مهما أثّرت القبيلة على مكانة الدولة في ذهن ووجدان الجندي اليمني ، إلا أنه يمكن القول بأن هذا التأثير في اتجاهه إلى التلاشي مع الزمن ، كما أن العلاقة بين الدولة والقبيلة لا تمنع تأثر الجيش بظروف دولته .
والجيش اليمني تأثر مع الزمن بظروف دولته ، وهذا يعني نمو شعوره وإحساسه وتقديره للدولة في مقابل انحسار تقديسه المطلق للقبيلة ، إذ أدرك الجيش أن القبيلة هي التعبير الاجتماعي عن الدولة ، والأخيرة هي جماع إرادة الناس من أجل التوافق على إدارة شئونهم ، ومن ثم فالجيش مطالب بحماية هذه الجدلية التجريبية المركبة والدفاع عنها بل والترقي بها فكرياً ونظمياً وتنظيمياً وسلوكياً .
وقد تصادف أن الجيش اليمني وهو بصدد استيعاب وتحقيق عمليتي الإدراك والتفعيل للترقي بمفهوم الدولة صادف مجموعة من التحديات التي أثرت بليغاً على مهمته ، ومن هذه التحديات :
طبيعة الدولة اليمنية كدولة عسكرية بوليسية ، لا ترتكز على أركان منهجية أصولية وفق قواعد النظرية السياسية ، بل ترتكز على مواءمات تحكمها الارتباطات القبلية .
الواقع الاقتصادي المتخلف الذي يكرس هو الآخر السمات السابقة للدولة ، بل ويرسخ تبعية الدولة للقوى الإقليمية والعالمية التي تقدم لها المعونة الاقتصادية .
تحاط الدولة اليمنية بحلقة جهنمية من القوى الإقليمية ، التي تعمد إلى إفشالها وتمزيقها ، حتى تظل تحت هيمنتها وفي قبضتها ، وهذا وهو واقع علاقات اليمن بالسعودية والإمارات المتحدة وإيران ، ولعل حالة التنافر التاريخية الدائمة بين اليمن ودول الخليج ، ومن ثم عدم قبول اليمن في مجلس التعاون ، هو دليل واضح على سلامة هذا التحليل .
هذه التحديات حتمت على الجيش أن يستسلم لوضعية الفساد ، ويخضع خضوعاً تاماً لقياداته ويأتمر بأمرها أينما وجهته ، ومن ثم أصبح الجيش شريكاً في الفساد ومتستراً على النظام السياسي ومتواطئاً معه.
الفرع الثاني : تأثر الجيش بظروف المجتمع :
لم يتفلت الجيش كذلك من تأثير المجتمع اليمني الذي يعاني من الجهل والتخلف واالفقر ، وعند تحليل هذه العلاقة المركبة والمتداخلة والمعقدة تتجلى التعقيدات على النحو التالي :
البند الأول :الدولة تقود عملية التنمية المفترضة بالمجتمع ، فهي إذن عنصر تفعيل وتحفيز يدفع بالمجتمع اليمني في اتجاه التقدم والرفاه ، إلا أن سماتها الشمولية العسكرية البوليسية تحد كثيراً من إمكانات قيامها بتلك المهام ، وذلك أهم ما يؤخر ويبطّئعملية التنمية .
البند الثاني :القبيلة بجذورها وإفرازاتها المتغلغلة في نسيج المجتمع تمثل عنصر تفعيل أو تثبيط لعملية التنمية التي تقودها الدولة ذات السمات المعوقة ، وحتى الآن والقبيلة تمثل عنصر تثبيط لدور وفعالية الدولة في الإنماء .
البند الثالث :الجيش جزء من المجتمع ويتأثر بما يطرأ عليه من تفاعلات سواء أكانت متغيرات أو مستجدات ، ويرتبط بكل من الدولة والفبيلة ، فهو إذن متماس مع كافة الفواعل المجتمع والدولة والقبيلة ، وبالتالي فهو صدى لأفعال وتفاعلات هذه الفواعل منفردة ومجتمعة .
الفرع الثالث : الجيش اليمني وصراعات القوى الإقليمية والعالمية في المنطقة :
من الصعب الجزم بما إذا كانت الحروب والصراعات التي انزلق إليها أو أقحم فيها الجيش اليمني ، قد زادته تدريباً من خلال معارك حية معقدة ، واستحضرت جاهزيته للحرب في كل وقت ، أو أدت إلى إنهاكه ويأسه من هذه الحروب التي تستهلك طاقات عناصره .
ولكن ما يمكن التيقن منه والتأكيد عليه هو أن الجيش اليمني منذ فترة طويلة وهو يخوض حروب وصراعات بالوكالة عن قوى إقليمية وعالمية ، وقد استغل النظام السياسي هذه الوضعية في شغل الجيش بعيداً عن الشأن الداخلي .








