الرئيسية » تحرر الكلام » تجارب سابقة للاعتصام في مواجهة الصهاينة

تجارب سابقة للاعتصام في مواجهة الصهاينة

(1) برفقة الدكتور أسامة الفرا رئيس بلدية خان يونس السابق والمستشار القانوني للبلدية، تقدمنا بسيارتي الخاصة حتى الموقع العسكري الإسرائيلي الذي كان قائماً على شاطئ بحر خان يونس، وكان يسير من خلفنا كباش البلدية، ودون سابق إنذار، وقفنا على الساتر الترابي الذي أقامه الجيش حول الموقع، وطلبنا من سائق الكباش أن يبدأ العمل على إزالته، وتسويته بالأرض.

صرخ علينا الجنود في الموقع، وأطلقوا النار في الهواء، وتقدموا باتجاهنا، وكان الحوار الغاضب باللغة العبرية، بأن هذا الشاطئ لنا، ومن حق سكان المدينة الذين نمثلهم، ولن نسمح لكم بالتوسع، ولن نتراجع، وواصلنا العمل على مرأى ومسمع من الجنود الذين وقفوا ينتظرون المساعدة من قيادتهم.

دقائق معدودة ووصل إلى المكان عدة جيبات عسكرية، أطلقوا النار على عجلات الكباش، وأبطلوا قدرته على العمل، وأطلقوا علينا زخات من الغاز، بعد أن ازداد عددنا، وانضم إلينا عدد من سكان المواصي، ومن المواطنين الذين شدهم منظر المواجهة مع الجيش.

لم ننهزم، ولم نتراجع، وقررنا أن نجلس في المكان، وأن نعتصم سلمياً، وقد بدأت أعدادنا بالتزايد، حتى جاء المساء، فأمدنا سكان المواصي بالطعام والفراش والغطاء، ونمنا في المكان أربعة أيام بليالها، ازداد خلالها عددنا حتى صار بالآلاف إن لم يكن عشرات آلاف المواطنين الذين انضموا إلينا في النهار سنة 1996، فترة اعتصام تخللها اشتباكات بالأيدي ورش غاز، وصمود، وإصرار على عدم السماح للإسرائيليين بتوسيع الموقع العسكري على حساب سكان المدينة.

لم ينته الاعتصام الجماهيري إلا بعد أن اجتمع معنا اللواء عبد الرازق المجايدة، القائد العام لقوات الأمن الوطني، مع مجموعة من قادة الأجهزة الأمنية، وعدد من مسؤولي التنظيمات الفلسطينية، اجتمعنا في إحدى الأبنية القريبة من مكان الاعتصام، وتم اطلاعنا على تفاصيل اتفاقية أوسلو، والتي تنص على تقاسم شاطئ بحر خان يونس بين اليهود والعرب، بحيث يكون نصيب العرب الفلسطينيين 5 كيلو متر من شاطئ البحر، لا يحق لليهود الدخول إليها، ثم يليها 5 كيلو متر هي من نصيب اليهود والجيش، لا يحق للفلسطينيين دخولها، وهكذا، بدءاً من شاطئ بحر بيت لاهيا في الشمال، وحتى شاطئ بحر رفح في الجنوب.

لقد خانتنا اتفاقية أوسلو، واكتشفنا أن المكان الذي نعتصم فيه هو ملك لليهود، ولا حق لنا بالاعتراض، فالجيش الإسرائيلي يتوسع وفق الاتفاقية، بل اكتشفنا أن الجيش يتساهل مع المواطنين مؤقتاً، ويسمح لسكان خان يونس بدخول المنطقة المخصصة للجيش وفق اتفاقية أوسلو، وقتها طلب الحضور مني أن ألقى كلمة في الجماهير المعتصمة، وأطلب منهم إخلاء المكان، على أمل أن يستجيب الجيش إلى مطلبنا لاحقاً.

رفضت إلقاء الكلمة، واعتذرت، فلن أتحدث للناس إلا بما أنا مقتنع فيه، وتركت الكلمة لمسؤول التوجيه السياسي والمعنوي في ذلك الوقت العميد مازن عز الدين.

(2) سنة 2008، تحركنا بمسيرة تضم عدداً من سيارات البلديات إلى معبر كرم أبو سالم، في خطوة إعلامية، تطالب بفك الحصار عن قطاع غزة، وتزويد البلديات بكميات الوقود الضرورية لتسيير عمل المرافق الحيوية. فما الذي حدث؟

لمجرد تحرك السيارات، اتصل بي ضابط الارتباط الإسرائيلي، وحذرني باللغة العبرية من الاقتراب من الحدود، طلبت من الضابط الإسرائيلي بأن يبلغ قيادة الجيش بأننا ذاهبون في مسيرة سلمية، ولا نحمل سلاحًا، وهدف مسيرتنا إيصال رسالة بمطالبنا الإنسانية إلى المجتمع الدولي، وإلى المسئولين الإسرائيليين الذين يحاصرون قطاع غزة، وأنني أشرف على تنظيم المسيرة بمشاركة كل من رئيس بلدية رفح المهندس عيسى النشار، والنائب في المجلس التشريعي المهندس جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، ولا نطالب بأكثر من فك الحصار، وإدخال الوقود اللازم لخدمات البلديات.

لقد جاءني الاتصال الثاني من مدير عام وزارة الحكم المحلي في رام الله، والذي حذرني من المطالبة بفك الحصار، ومن سلبيات الزج بموظفي البلدية ومعداتها في الخلافات السياسية، ومن أي عمل سيؤثر على القرار الإسرائيلي، ويخفف الحصار عن حركة حماس الانقلابية.

أكدت للمسئول في الحكم المحلي بأن البلدية تقف على الحياد من كل التنظيمات، ولا يحق لرئيس البلدية أن يعبر عن رأيه السياسي بالأحداث سلبًا أو إيجابًا؛ طالما كان على رأس عمله.

ولكن مدير عام الوزارة لم يبدِ تفهمًا، وحاول أن يصدر لي أمرًا بالتراجع، فما كان مني إلا أن أقسو عليه بالرد القاطع، لقد رفعت صوتي، وأنهيت معه المكالمة بكل تحدٍ وعنف.

وكانت المفاجأة أن جاءني الاتصال الثالث من وزير الحكم المحلي في ذلك الوقت السيد زياد البندك، الذي اعترض على المسيرة لأنها تتعارض مع السياسة العامة التي تهدف إلى تضييق الحصار على حكومة حماس في قطاع غزة، حتى تنفجر الثورة الشعبية في وجه الانقلابين.

لم يستجب الوزير لحوار المنطق، ولم يعجبه ردي، فهدد وتوعد، وأغلظ في التحذير، ولكن قبل أن يغلق الهاتف، قلت له: أنا أنتمي لكل فلسطين، وأقوم بواجبي الوطني.

واصلنا المسيرة، ولكن قبل الوصول إلى معبر كرم أبو سالم، اغلق سائقو الشاحنات طريقنا بشاحناتهم، أوقفوها في عرض الشارع، وغادروا المكان، ولا نعرف حتى اليوم من هي الجهة التي أصدرت أوامرها لسائقي الشاحنات كي يغلقوا طريق مسيرتنا، لنجبر على التوقف، وعدم التقدم أكثر، ونكتفي بالاعتصام في ذلك المكان، ونوصل رسالتنا السلمية من بعيد.

الخلاصة:

شعبنا الفلسطيني معطاء، ولا خوف على الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات من العدو الإسرائيلي، لإرهاب عدونا حدود، الخوف على مسيرة العودة من الطابور الخامس، من أولئك الذين يعيشون بيننا على حوافي الاختناق، ويأكلون خبزنا المغمس بالوجع، ويشربون ماءنا الملوث بالاحتلال، ويتنفسون هواءنا المحاصر بالعقوبات، ثم، ثم ينطقون بلسان أعدائنا.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.