الرئيسية » تحرر الكلام » خطاب الجماعة وأزمة الاستمرارية

خطاب الجماعة وأزمة الاستمرارية

كان الآلاف من أبناء الأمة منذ سنوات يشتاقون إلى محاضرة لقيادة من قيادات الإخوان، واستمر الأمر لعقود، وكانوا لأجلها ينتقلون عشرات الكيلومترات، ومؤخرًا صارت الأمور لا تقر عين الحبيب وترضي العدو، فصار حديث أبرز قيادة للإخوان بمحاضرة في إسطنبول يسبقه تكتم شديد للأمر حتى لا يعرف به المشاركون في “كتيبة إخوانية” بحضوره.

   في أحلك ملابسات التضييق الأمني في عهد المخلوع “مبارك” كان صاحب هذه الكلمات شاهدًا على ندوات لقيادات للجماعة معروفة المكان والزمان مسبقًا، بل يُسمح فيها بالتسجيل الصوتي لكلمات المُحاضر لِمَنْ شاء من الحضور، وكانت هذه المفردات (تحديد المكان، الزمان، السماح بالتسجيل)، بل مراجعة الضيف ونقاشه بعد المحاضرة أمام الجمع، كانت المفردات دليلًا على سلامة التوجه، ونقاء الفكرة الإخوانية، وتحديها للطغاة والظلمة .. بوضوح الطرح الذي يطعن السيف بوردة، بحسب الراحل الشاعر العراقي “احمد مطر”.. وكم من محاضرة ألغاها الأمن على رؤوس الأشهاد فأبكت شبابًا متحرقًا لخدمة دينه فصاح غير واحد منهم في وجه المانعين وسلاحهم:

ـ نحب نهجهم لا كلماتهم فقط .. وسنظل على دربهم ما حيينا وحييتم!

اللهم أسق هذه الأيام وما ساقته إلينا من أحلام وامور نسأل الله أن يتقبلها.

   صارت أزمة الجماعة الحالية أنها تراوح مكانها في قسميها، بلا قدرة على إدراك الواقع، أو التفكير في تعديله واستشراف الغد، فماذا حينما تريد القيادات التحدث؟ .. أي تُريد الكلام مجددًا لا تحديث الموقف بعد أن ملها الصف .. وملَّ ثباتها على موقفها المُحير وتأكيدها على أنها لم تخطئ وأن الملابسات والأحداث السياسية هي التي ساقتها إلى هذا الحال، وأنها منصورة بفضل الله تعالى، شاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى، وأن الباب مفتوح على مصرعيه للمُغادرين إن شاؤوا .. كانت الكلمات هي الأولى لأبرز لقيادة في إسطنبول منذ ثلاثة سنوات ونصف السنة، وهو عضو في مكتب الإرشاد متمسك بمنصبه القيادي في الجماعة وإن انتهت فترة انتخابه .. وهاهي تُعاد منذ أيام لكن الأيام تدور .. والشمس والقمر يتعاوران .. فلا بد من جديد .. وإن لم يواكبه فعل أو مجرد تغيير في الرؤى قبل المواقف.

   منذ أيام كان من المُفترض أن يذهب جزء من السيدات الفضليات التابعات للجماعة إلى كتيبة إخوانية خاصة بتجديد الأمور الإيمانية بخاصة في مثل هذه الأجواء الحالكة الظلمة، وهناك وجدوا القيادي يفاجئهم بالحضور .. ومن ثم تم الإعلان عن محاضرة له ثم فتح باب الحوار من جانبهن.

  أما جديد القيادي الأبرز فإن الدكتور “محمد مرسي” لو كان قُدِرَ له الاستمرار في قيادة مصر وحكمها لمدة 4 سنوات كما كان مقدرًا له لخرج من بين الإخوان ألف (لص) بحسب قوله، وقد حدثتْ صاحب الكلمات ناقلة له ما جرى مَنْ لا يشك في صدقها، والكلمة التي أطلقها المحاضر تتشعب مدلولاتها لكنها تحاول تفسير أن الانقلاب يصب في مصلحة الدعوة، عوضًا عن أنه يُلقي بظلال غير محببة على المُخالفين للرجل، وينسف جسورًا من آمال يمدها آخرون لمحاولة لم شمل القسمين أملًا في خروج من الموقف الحالي الذي تواجهه الجماعة منقسمة، وهي أحوج ما تكون فيه إلى التئام شملها.

   فلما سألتْ إحدى الحاضرات المُحاضر عن رؤيته للخروج من الأزمة الراهنة قال: قولي لي أنت حلًا .. نحن نزلنا بمرشح في الرئاسة لئلا يلتهم “أحمد شفيق” الإخوان فيميت منهم 80 ألفًا بدلًا من 5 آلاف (على افتراض أن الأخير عدد الشهداء الذين نسأل الله قبولهم في عهد الانقلاب).

أما وإن ما فات لم يكن جديرًا بتوقف المحاضر متأكدًا من عدم وجود تسجيل صوتي لما يقول فإنه رأى أن “المعلومة” القادمة تتطلب منه أن يتأكد من عدم وجود ذلك، فقد قال إن المعلومات التي ترد إليه ولقيادات الخارج تؤكد أنصار “السيسي” المؤيدين له في الجيش المصري لا يتجاوزون 10% الآن فقط، وهو ما يُبشر بقرب زوال الانقلاب.

     ولكن لماذا تم الاعتصام في رابعة العدوية من الأساس؟

أجاب المُحاضر أن القيادات الخاصة بالجماعة في الجيش هي التي أخبرتهم بوجوب الحراك، وكم كان عدد هؤلاء؟ قال المحاضر كان المناصرين لـ”السيسي” آنذاك 97% من عدد الجيش فصاروا 10% الآن!

   لن نناقش هنا مقاييس الإحصاء المئوية ولا حتى مدى مطابقة كلام القيادي الأبرز في تركيا للواقع .. لكننا سنتسأل: إلى متى تستمر مثل هذه الأحكام والأماني والكلمات متحكمة في واقع الجماعة وربما مستقبلها؟ .. بعدما تسببت في مأسٍ لم تكن تخطر على بال للصف!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.