الرئيسية » تحرر الكلام » نهاية المعارضات الراديكالية….؟

نهاية المعارضات الراديكالية….؟

ان الحديث اليوم كله يصب حول: قدرة الانظمة على التكيف مع الواقع والوقائع, خاصة بعد موجة التحولات العربية, التي باتت مرجعا مهما في الدراسات الاجتماعية و المجالية, لكونها غيرت من خارطة العالم العربي, وأعطت ملامح جديدة لأنظمة قادرة على الاستمرار مهما كان الثمن

الاحداث ابرزت بالملموس, ان الشعوب العربية عاجزة تماما على صناعة الحدث من خلال منهج مدروس و قادر على التحكم في النهايات ,

الوطن العربي حالة استثنائية في كل شيء, في مرجعيته المرتبكة ,التي لم تستقر على اصول فكرية, ولم تنخرط ايضا في فكر حداثي يمكن ان يعطيها الحق في الاندماج الكوني, ويعفيها من المساءلة الاخلاقية ,امام العالم.

العالم العربي حالة تحول حارت فيها الاقلام المفكرة, خاصة انها لم تفهم مرجع الحراك الجماهيري, ولم تلامس بمشرط دقيق أسباب خروج الشعوب الى الشارع كي تعبر عن بعض مطالبها التي كان في كثير من الاحيان مطالب معقولة,…

صحيح تباينت مرجعيات الحراك, اقتصادية حقوقية ,فكرية أخلاقية…..

لكن سرعان ما تبين ان الحراك العربي لم يكن له مرجع موحد ,ولا خلفية نظرية قادرة على ان تكون بناء نظريا لتصور الانظمة القادمة ,بل الحراك لم يكن يتوقع مآلات ما بعد الخرجة القوية للشعوب, ولم تقدر ايضا ان قوة الخرجات يمكن ان تعصف بأنظمة كانت تمسك زمام الدولة بـيد من حديد…..

الحراك العربي ,كشف عن حالتين متناقضتين :

الحالة الأولى:  كون التيارات الاخلاقية التي حاولت ان تركب على الأحداث, وتحسمه لمصالحها,…وهذا الامر يمكن قراءته من وجهتين:

: ان هاته التيارات لم يكن لها يد في الحراك الشعبي بل جاءت من منطق براغماتي كي تحور مطالب الشعوب الى مطلب نظري, وهذا ما فشلت فيه,

لان كل التيارات الاخلاقية وجدت نفسها امام المطالب الملحة للشعوب, الاقتصاد الامن الحقوق…يعني امام مطالب تنموية, وان تغيير الانظمة كان حالة اندفاع غير محسوب, او لنقل كان شعارا دفع به من ركب على الاحداث.

: ان الوضع المتأجج الذي كان يوحي ان هناك انفلات ,يمكنه ان يكون فرصة واعدة للمعارضات الراديكالية, التي توحدت كي تحسم الامر دون ان تتفق على حصص ما نهاية الحراك, وهذا ما اعطى فرصة للأنظمة كي تناور بعمق, كي تسترجع وضعها الطبيعي,

الحالة الثانية :هو كشف اوجه المعارضات وطبيعتها داخل البلدان الاكثر استقرارا, وهذا ما تم بالفعل, كون المعارضات في كل مستوياتها بقيت, متحفظة على مواقفها ولم تغامر.

ان الوضع العربي وما وصل اليه, كشف عن حالة من الارتياب, التي ستعطي للأنظمة الحق في التعامل الشرس مع الشعوب, خاصة التيارات المعارضة, التي كانت تترقب أي فرصة كي تبين انها قد وصلت الى اهدافها,

نعم من حق الانظمة ان تتعامل مع المعارضات بكل قوة, ومن حقها ايضا ان تحمل التيارات الراديكالية المسؤولية المعنوية في أي حالة توتر… .

كان من الضرورة ان نبسط بعض الاشكالات من خلال التحولات العربية, لان انظمة ما بعد الربيع العربي ,ليست كأنظمة ما قبله, لان حالة الاستقرار التي دامت نصف قرن وما تخلله من تجاذبات حول الاستمرار وبناء المؤسسات رغم شراسة المعارضات التي كانت تنهل من مشارب فكرية عالمية وكان المناخ كله يساعد على الحديث عن السلوك الثوري للمعارضات, الأنظمة تمكنت من الخروج قوية من كل هذا التدافع الشرس,

نصف قرن من ذلك ,وبعد ان اعتقدت انظمة الوطن العربي انها حسمت الصراع حول هوية الدولة وقيادتها, ظهرت التحولات كي تعلن ان الشعوب لا يمكن ان تكون مصدر أمان للأنظمة, وان المعارضة الراديكالية , قد تجد في أي لحظة مناخا ملائما لتوسيع قاعدتها ,

وهذا الامر سيكون حاسما في سلوك الدولة, والحديث عن المناخ الديمقراطي, كسلوك انساني ومتحضر للدولة,

البعد الديمقراطي في سلوك الانظمة لم  تستوعبه كثير من النخب المطالبة بالديمقراطية كمناخ عام, النخب بعيدة جدا عن القراءة الجيدة للوضع المحلي و الدولي والمخاطر الممكن ان تعصف باستقرار الانظمة, فأصبحت  ثنائية الاستقرار والديموقراطية, لغز بين مقاربة الدولة ورهان النخب.

اننا ولحد الآن لم نستوعب مسارات التحول عبر تاريخ الانظمة, وما يؤكد الامر هو تبني آليات الضغط والجدل لانتزاع ما يعتقد البعض حقوقا, فيكون تبني المنهج حالة من الاصطفاف غير محسوب العواقب في غالب الاحيان, لان المعارضة الآلية هو منهج غير سليم  لبناء مسارات سليمة

الانظمة في الوطن العربي لم تصل بعد الى حالة الاستقرار المفضي الى الاشتغال على العناصر التنموية بشكل مريح, خاصة ان الوطن العربي برمته لا زال تحت تأثير موجات التوتر , سواء تعلق الامر بالتهديد الخارجي, او التوترات المتعلقة بتغيير الانظمة,

مع هاتين اللازمتين لم تتمكن الانظمة في الوطن العربي من التعامل معهما بالشكل المطلوب,وهو ما سيؤثر بشكل قوي على العلاقة بين النخب المسيرة للدولة والشعوب,

برأينا, لنا الحق ان نقول: ان مرحلة الانتقال الغامض التي يمكنها ان تسم حالة الوطن العربي, الانتقال من حالة الدولة المتدخلة بشكل قوي في كل شيء ,الى الدولة المتحكمة في العناصر التنموية وفي الاستقرار.

صحيح التحول صعب جدا, لكون  النخب التي تحن الى وضعها الحالي والتي بنت عليه كل مصالحها, وان التحول بالنسبة لها له ثمن , صعب ان تتنازل عليه الا في حالة ما اعتبرت انه ثمن طبيعي في اطار تحول واعد واكثر امانا لمشاريعها واستثماراتها.

غالبا ما تكون المعارضات الراديكالية ,حالة فعل على واقع يمكن استغلاله لأجل تأليب الشعوب على الانظمة,

لكن المرونة التي يمكن ان تتسم بها الدولة لتحسين وضعية شعوبها ,واستيعابها لكل حالة توتر يمكن ان يكون مصدرها, هشاشة المعاملات التنموية, يوفر على الدولة كثير من المتاعب,

صحيح التوتر المبني, على انسداد الافق و فقد الآمال في الفرص الواعدة ,يمكنه ان يكون ارضية خصبة للتيارات التي تعارض من خارج تحسين المؤشرات, وهي معارضات تم تحجيمها وتجفيف منابعها ,لكن تم اغفالها. او تم التهوين من قدرتها على الانبعاث.

الفقر عقيدة بكل ما تعني العقيدة من معنى, في ظله يمكن ان تتشكل كل التيارات والنظريات الممكن ان تحمل عناصر العداء والثورة للأنظمة القائمة,..

ان التصورات النظرية :

    سواء التي تعتبر العنصر البشري محور الاستقرار, وتعتبر اشراكه في الوضع ,مسألة ملحة ولازمة كي تتجنب الدولة الازمات الاجتماعية, خاصة مع النمو الديمغرافي الذي اصبح اكراها حقيقيا لجغرافية الدولة و لقدرتها التنظيمية ايضا.

    او التصورات التي تعتبر ان العنصر الاقتصادي المنزف للموارد الطبيعية والبشرية, وما يدره من موارد خيالية كافية لفرض الاستقرار قصرا, مع اهمالها الى امكانية التطور المعرفي للعنصر البشري مع ما يتوفر له من مشارب فكرية تنهل من كثير من الافكار العالمية .

المعارضات الراديكالية في ظل انظمة قوية ومستوعبة وقادرة على رصد حاجيات شعوبها ,صعب جدا ان تجد مجالا للتكاثر او لتأليب الشعوب على انظمتها,

اننا في الوطن العربي ,نعتبر ان مسارات التحول الى انظمة كل هاجسها الاشتغال على العناصر التنموية ,لم يحن وقته بعد. مادام هناك حالة شك بين النخب و شعوبها,  لن يزول الا عبر تبني نمط تدبيري تشاركي وتكاملي واضح .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.