الرئيسية » تحرر الكلام » السارترية وداعش واخواتها

السارترية وداعش واخواتها

يعتبر الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر من المفكرين والفلاسفة الذي لديهم بعد رؤية كبيرة واستطاعوا تحليل الظواهر والوقائع والتحولات في تاريخ ومستقبل الشعوب بشكل دقيق وعميق ، وكان اعجاب وتثأر جان بول سارتر بالفلاسفة الثلاثة جورج هيجل و كير كجارد و عمانويل كانط اثر كبير في كتاباته وتحليلاته للظواهر وقرائة العميقة للتحولات الانسانية، وتحدث سارتر في كتابه الضخم “الوجود والعدم ” الذي تحدث فيه عن فلسفته الوجودية والذي يصف الوجود بانه صراع عبثي بين الحريات ، فكل حرية تحاول افناء الاخرى وان تحل محلها .

وفي كتابه” الوجودية مذهب انساني” نادى سارتر بالحرية ، واعتبر سارتر ان صديقه صديق الحرية وعدوه عدو الحرية ، والإنسان عند سارتر لا تكتمل إنسانيته إلاَّ إذا اكتملت حريته، وبمقدار ما هو حر يمكن تسميته إنسانًا، فواجب الإنسان الأول هو البحث عن الحرية، الحرية من كل نوع الحرية في السياسية والحرية في المجتمع والحرية في الاخلاق ، واكد سارتر على مسئولية الإنسان عن نفسه، فالإنسان الفقير هو مسئول عن فقره، والجبان عن جبنه، لأن الإنسان لا يولد بطلًا ولا جبانًا ولكنه هو الذي يصنع نفسه.

فالانسانية تكتمل عند اكتمال الحرية لدى الانسان ، والانسانية هنا بكل تجلياتها من اخلاق وقيم عليا وضمير و وجدان وعقل وعاطفة وتصرفات وممارسات مادية ، وهذا يدفعنا للتساؤل اليوم ؟؟

لماذا نرى ممارسات لاانسانية تمارسها جماعات وافراد في عالمنا اليوم ؟؟ لن اتحدث عن اشخاص او جماعات فقط ، ولكن عن افكار وممارسات سائدة في الشرق وفي الدول النامية والتي تحكمها انظمة ديكتاتورية ، فنتيجة هذا الكبت والظلم والديكتاتوري لم تكتمل الانسانية لدى الافراد والجماعات بكل صورها وتجلياتها مما يدفعها الى ارتكاب ممارسات مادية لا انسانية ، ولعل ظهور المليشيات المتطرفة في وسوريا والعراق من سنية وشيعية خير دليل على ذلك ، وتكون داعش واخواتها هي المخرج الوحيد والمنتج الحصري لتلك السياسات والانظمة والمجتمعات في المشرق ، ولم يقتصر ذلك على المشرق العربي فقط بل هو موجود في الدول الافريقية وفي الدول الاسيوية و في الشرق الادنى ، والبيئة الحاضنة لتلك الجماعات موجودة ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة والظروف الملائمة لتعبر عن تصرفاتها اللانسانية كغيرها من المجموعات والمليشيات المنتشرة في العالم العربي.

فالقضية اليوم ليست قضية افراد او جماعات ، وانما تربية فكرية وروحية وممارسة حياتية تعززت من تطور حياة الافراد في الدول التي تحكمها الانظمة التالوتارية بنمو وتطور غير طبيعي للمواطنين، فالانسان الذي يعيش في ظل الحكم الديكتاتوري التوليتاري لا ينمو بشكل طبيعي لانه يفتقد الحرية بشكل عام، ويخضع لظروف حياتية غير طبيعة ، هذه الظروف تتفاعل مع الكثير من العوامل منها الدين والطافئة والعائلة والقبيلة والعرق والجنس واللون لتكون مجتمعة مع بعضها البعض كائنا جديدا يفتقد الى الخصائص والسمات الانسانية الحقيقية ، مما يجعل هذا الفرد او هذه المجموعات تقوم بممارسة اية اعمال او ممارسات غير انسانية امر طبيعي بالنسبة لها ، وهذا ما يعبر عنه الواقع في المجتمع الشرقي ، وسوريا والعراق وليبيا نموذج لذلك.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.