الرئيسية » تحرر الكلام » القضية الفلسطينية ورئيس الوزراء الراحل إسماعيل حمداني

القضية الفلسطينية ورئيس الوزراء الراحل إسماعيل حمداني

وري الثرى، بعد ظهر الأربعاء، بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة جثمان رئيس الحكومة الأسبق إسماعيل حمداني الذي وافته المنية ليلة الاثنين إلى الثلاثاء عن عمر ناهز 86 سنة .

وقد حضر مراسم تشييع جنازة الفقيد، مسؤولون سامون في الدولة يتقدمهم رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، الوزير الأول، عبد المالك سلال، رئيس المجلس الدستوري، مراد مدلسي، وكذا وزير الدولة، مدير الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، بالإضافة الى أعضاء الطاقم الحكومي ورؤساء حكومة سابقون. وبهذه المناسبة الأليمة يشرفني أن أقدم هذا الحوار الأول والأخير الى القارئ الكريم  باللغة العربية . الراحل كان يفضّل العمل في الظل والابتعاد عن الاضواء ويترك عمله يتحدث عنه . وكان يفضل العزلة وكثرة حضور المناسبات العامة. في احدى الندوات الفكرية  التقيت به ، وبعد دقائق علمنا أن الندوة الفكرية ستتأخر بعض الوقت ، فاغتنمت الفرصة وأجريت معه الحوار التالي .

قد يشعر المرء بلحظات الفراغ والملل والخوف من التغيير ببطء الحياة وطول الوقت . وسؤالي هنا هو : كيف كان شعورك حين اصبحت خارج السلطة؟ :  شعوري ليس سلبيا بل ايجابيا و حياتي عامرة و نشطة و الحمد لله.

ويعود هذا الى عدة أسباب و عوامل، و قبل كل شيء الى طبعي و مزاجي ؛ و السبب الأخر هو أني أعتبر أن المنصب الحكومي ليس مهنة دائمة بل يكتسي طابع المهمة المحدودة في مدتها من أجل بلوغ أهداف معينة لصالح البلاد و المواطنين؛ و على أساس هذا التقييم الذي أوليه الى المهمة الحكومية فإنني طلبت اعفائي من رئاسة الحكومة عندما شعرت بانتهاء واجبي فحظيت برضا رئيس الدولة الذي قبل استقالتي بصدر رحب.

وكيف اصبحت حياتك اليومي  ؟

ج : في سياق ما ذكرته فاني كنت من الجانب النفسي مرتاحا و راضيا كل الرضا بوضعيتي خارج السلطة، علما بأن مهمة السلطة و المسؤولية مرهقة جدا، نفسيا و معنويا، بحكم واجب اتخاذ القرارات اليومية الصعبة أحيانا والتي ينبغي أن تكون صائبة أو على الأقل قريبة من الصواب .

علما كذلك بأن بلادنا عرفت تخلفا كبيرا بحكم طبيعة الاستعمار الاستيطاني و الاستغلالي مع طول مدته، كما عرفت مشاكل أخرى أفرزتها التنمية نفسها، و العولمة المفروضة علينا بالإضافة الى الانعكاسات الخطيرة التي خلفتها المأساة الوطنية التي عانت منها البلاد.

و هذا يؤدي بي الى القول بأننا مع الأسف لازلنا، أحيانا ننظر الى المسؤولية كتشريف، وعند نهايتها تقوم الأحزان  في حين ينبغي اعتبارها تكليفا يؤدي بالمسؤول الى بذل قصارى جهده لتطبيق برنامجه على أكمل وجه؛ و بعبارة أخرى، لا ينبغي أن يتشبث الانسان بالمنصب السياسي الذي أتى اليه لأنه لم يدم لغيره، و هكذا دواليك.

لقد عدت الى حياتي العادية كمواطن دون أي اشكال، أو عقدة، بل بت مرتاح البال و منحت لنفسي مجالا من الراحة و الاطمئنان، و لعائلتي و أصدقائي مزيدا من الوقت و المتعة.

هل يعني هذا أنكم ابتعدتم عن الأحداث ؟

ج:  لا، أبدا؛ لم ابتعد عن الاهتمام بالقضايا الوطنية، ، بل بقيت أتابع الأحداث، لا كمسؤول حكومي ولكن كمواطن، وذلك من خلال مطالعة الجرائد الوطنية و الدولية كعادتي، لأن هوايتي منذ الصغر هي المطالعة. و أنا أقرأ كل ما تيسر لي من الكتب التي تعنى بموضوعات العولمة و التاريخ و الاجتماع.. كما أساهم في لقاءات و ندوات في ميدان العلاقات الدولية داخل الوطن، وفي الخارج، و أنشر بعض المقالات في الجرائد و المجالات الموجهة للقارئ الجزائري و منها الموجهة للقارئ في الخارج.

هل من مثال عن نوعية النقاشات التي تشاركون فيها ؟

فأجاب: الأمثلة كثيرة و عديدة تتطلب مقالات و محاضرات، و لكن على سبيل المثال فقد أذكر قضية فلسطين و الوضع في المشرق العربي و هي من المواضيع التي كثيرا ما نتكلم عنها و نتناقش حولها في هذه المحافل و التي هي لب الاختلاف بيننا و بين دول الغرب؛ نحن نقول أن للفلسطينيين حق الدفاع عن أنفسهم ووطنهم لأن أرضهم محتلة و الأخرون يقولون كلاما مخالفا؛ قال لي مرة مسؤول سامي غربي: ” و لكن اليهود عاشوا المحرقة Shoah  “. فقلت له و هل في نظرك أن الفلسطيني هو السبب في ذلك؟ قال: لا، ليس الفلسطيني هو المسؤول عن ذلك فقلت: اذن هو الضحية و دفاعه عن نفسه أمر مشروع أليس كذلك؟ فسكت ثم قال ولكن أين أمن اسرائيل؟ فقلت له: تهتم بأمن الأقوى على الضعيف؟ و أين أمن الضعيف و هو الضحية؟ فقال لي هذا الكلام صحيح. اذن قد اعترف بأحقية القضية وبات ينظر اليها بنظرة مخالفة لأنني كنت المحق بحكم الأخذ و العطاء الفكري.

وما هي نظرتك للعولمة و تناقضاتها ؟

ان العولمة فرضت نفسها على الجميع، و يبقى على كل بلد أن يبذل جهده ليتبوأ مكانته على أحسن وجه بدءا بتقوية الجبهة الداخلية سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و اجتماعيا؛ ثم يربط شراكات مع البلدان الأخرى، منطلقا من ضرورة رفض المجابهة و رفض الاستسلام و اختيار التعاون المصلحي المتوازن عبر شراكات متنوعة.

المهم أن نتبوأ مكانتنا في العالم بالفكر و العمل: ان المجتمع المدني الدولي يفتح مجالا للاحتكاك بالأخرين ذوي الثقافات المتطورة و المصالح المختلفة و سماع رأينا في مواضيع الساعة.

وعن الحياة الاجتماعية؟

قال: طبعا ثمة حياة اجتماعية اعتبرها ثرية، ان التراث الجزائري متنوع، و النشاطات في العاصمة التي أعيش متعددة، فيها أمسيات موسيقية تبرز التراث الغنائي الأندلسي، و الشعبي الجزائري و كذا الشرقي و الغربي، كما أتابع المعارض الفنية و الأفلام الوثائقية و المحاضرات ذات الطابع الثقافي. في الحقيقة أشعر أحيانا بأن الوقت غير كاف لمتابعة كل ما يجري على الساحة الثقافية من نشاطات مفيدة و مسلية في نفس الوقت؛ و في هذا الصدد أستشهد بما قيل ” أن سعادة الانسان و شقاءه في يده “. عندما يحب، يجد الحب، و عندما يكره، يجد الكراهية، و عندما يفرح يجد الفرح، و عندما يحزن، يجد الحزن، أي أن مفتاح سعادة الانسان بيده.

هل شعرتم يوما بالإهانة بعد الاستقالة؟

أبدا، و الحمد لله، لم أشعر بذلك بل عكس ذلك؛ حظيت مرات عديدة بالتقدير و الاحترام من طرف مواطنين في مناسبات مختلفة.

هل يمكننا معرفة كيف أصبحت علاقتك مع الطاقم الحكومي الذي كنت ترأسه؟

لا زالت علاقتي مع زملائي في الطاقم الحكومي حسنة، و لكنها طبعا ليست علاقات يومية، لأن كل مهامه و انشغالاته الحالي؟

لدي علاقات جيدة مع كل الزملاء الذين سبقوني في الحكم، و الذين خلفوني، نلتقي في مناسبات، و نتزاور و نتبادل أطراف الحديث حول مواضيع شتى، بصدر رحب، و صداقة متبادلة بما فيهم رئيس الحكومة الحالي رغم انشغالاته الكثيفة.

.  لا بد أنكم كنتم تنصحون طلبتكم عندما كنتم تلقون محاضرات، لطلبة المدرسة الوطنية للإدارة و هم مدعوون لتقلد مناصب في جهاز الدولة ؟ في هذا الصدد نريد معرفة البعض منها : ج

هذا صحيح، كنت أدعوهم لتغليب الواجب على الحق و اللجوء دائما الى القانون و ليسأل كل واحد نفسه عما قدمه الجزائر التي أعطته الكثير، و ينبغي أن يعطيها أكثر مما يأخذ منها، و هذا في نظري خادم الدولة.

كما أدعوهم الى النظر الى الأمر بجميع الجوانب الايجابية منها، و السلبية، و لا يركزون على السلبي وحده وينسوا ما يوازيه، كما ينبغي، تفادي التعميم المتسرع، و كذا الأمر بالنسبة الى تقييم الأشخاص، فمدير فاسد لا يعني أن كل المدراء فاسدون.

كلمة أخيرة توجهونها نحو الشباب سيادة الرئيس ؟

أتوجه الى الشباب، أي الى الجيل الصاعد أو جيل المستقبل، أقول لهم: تسلحوا بعد ايمانكم و وطنتيكم، بالعلم، و تثقفوا و اعلموا، أينما كنتم، بجد و اتقان لتقوية المجتمع الجزائري، لأن عالم اليوم لا يرحم الضعيف، و لا مكان لمن لا يبدع ولا ينتج و يكتفي باستهلاك ما جادت به الطبيعة.

كما أنصح بالتشبث بالقانون الذي من شأنه أن ينشر الطمأنينة في المجتمع و يرفع المظالم و يحد من مساوئ الآفات الاجتماعية التي تتفاقم جراء اللجوء الى القوة و العنف دون القانون.

لاحظت، حسب تجربتي، أنه في كثير من المناسبات، أن العلاقات بين الناس تتسم بالعنف و تجر الى استعمال القوة.

وتخلق الكراهية و البغضاء بين الناس، لذا ينبغي تحويلها الى علاقات تستند الى الأخلاق، و الأخوة، و القانون، و احترام الأخر، فما لي حق فيه يعطى لي و أخذه و ما ليس لي حق فيه لا يعطى لي و لا أخذه، بل أرفض أخذه اذا ما أعطي لي.

وهكذا نبني دولة قوية و مجتمعا منسجما، يتسم فيه كل شخص بإيمان صحيح ترافقه مواطنة حقة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.