الرئيسية » تحرر الكلام » الأتهامات تلاحق التانجو الرئاسى الأرجنتينى

الأتهامات تلاحق التانجو الرئاسى الأرجنتينى

شهد عام 2016 ثلاثة أحداث سلبية تتعلق بالمرأة على قمة المسرح السياسى، وهى أقالة رئيس البرازيل ديلما روسيف (2011 – 2016) وتجميد منصب رئيس كوريا الجنوبية بارك جوين هاى (2013 – 2016) واتهامات تطال رئيس الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (2007 – 2015) ، ويجمع بين ثلاثتهن حصولهن على لقب “أول أمرأة منتخبة فى بلدهن” ومؤخراً أصبح يجمع بينهن “اتهامات” تتعلق بالفساد والتلاعب المالى والسياسى.

كما يصادف أن ثلاثتهن قد تلقين دعماً وتأييداً ذكورى سياسى أو عائلى فقد كان يدعم روسيف الرئيس البرازيلى الأسبق لولا دى سيلفا (2003 – 2011) أما بارك فقد كانت تمتلك رصيد تاريخى وسياسى عن والدها الرئيس الأسبق بارك تشونج هى (1962 – 1979) بينما كريستينا فقد كانت زوجة الرئيس الأسبق نيستور كيرشنر(2003 – 2007) وينظر فى الأرجنتين الى نيستور وكريستينا بأعتبارهما زوجان على غرار الرئيس الأرجنتينى الأسبق بيرون و زوجته إيفا والرئيس الأمريكى الأسبق كلينتون و زوجته هيلارى، وهذه النماذج تطرح ما يعرف عن رقصة ” التانجو” الأرجنتينية الشهيرة التى لايمكن ان تجرى بنجاح دون شريك “”It takes two to dance tango

كريستينا هى أول سيدة تنتخب فى منصب الرئيس بالأرجنتين، وأول سيدة يعاد أنتخابها، وثانى سيدة تتولى منصب الرئيس فى الأرجنتين بعد إيزابيل بيرون (1974 – 1976) التى كانت تشغل منصب النائب وبوفاة بيرون تولت الرئاسة لتكمل مدته الدستورية، أيضا كريستينا هى ثالث من تولى أطول مدة رئاسة فى الأرجنتين بعد الرئيسان خوان بيرون وكارلوس منعم.

أما زوجها نيستور فمن مواليد عام 1950 بمدينة ريو جالجيوس بمقاطعة سانت كروز، انتقل ليدرس القانون بجامعة لابلاتا بمقاطعة بيونيس ايرس بينما كريستينا من مواليد عام 1953 بمدينة لابلاتا والتحقت بنفس الجامعة لدراسة علم النفس لكنها اتجهت الى دراسة القانون، والتقت نيستور عام 1973 الذى قدمها الى المحافل السياسية التى كانت تموج آنذاك بافكار البيرونية فى اعقاب عودة الرئيس خوان بيرون بعد 18 عاما مقيما فى اسبانيا.

تزوجت  كريستينا ونيستور عام 1975، ثم أنتقلت ونيستور إلى مسقط رأسه بمدينة ريو جالجيوس وذلك بعد تخرجه، إلا أنها لم تكن قد تخرجت بعد، ولذا تردد أنها لم تحصل على شهادة جامعية أطلاقاً وذلك مانفته احكام قضائية بشأن ادعاءات ضدها ، وقد عملت بالمحاماة بمكتب نيستور الذى افتتحه عام 1979وتمت اجازتها من المحكمة العليا للمقاطعة فى عام 1980 وعملت محامية لحزب العدالتية عام 1983، تخصص مكتب محاماة نيستور فى قضايا قروض الرهن العقارى بالبنوك والمجموعات المالية مما مكن نيستور و كريستينا من الدخول طرفا فى تسويات قانونية والفوز بملكية نحو احدى وعشرين قطعة ارض بأسعار رخيصة تفادياً من الطرح فى مزادات.

أصبح نيستور عمدة مدينة ريو جالجيوس (1987 – 1991) بينما أنتخبت كريستينا فى عام 1989 نائباً تشريعياً لمقاطعة سانت كروز ، وفى عام 1990 اصبحت حاكم مؤقت لمقاطعة سانت كروز وذلك فى أعقاب عودة حزب العدالتية الى الحكم بقيادة الرئيس كارلوس منعم (1989 – 1999) ، وقادت كريستينا حملة انتخاب نيستور حاكماً لمقاطعة سانت كروز(1991 – 2003)، وفى عام 1994 أنتخبت عضواً فى الجمعية التأسيسية لتعديل الدستور، وفى عام 1995 أنتخبت عضوا فى الكونجرس ، وكانت بمثابة معارضة مثيرة للجدل أمام مشاريع القوانين المقترحة من كارلوس منعم، وعندما طرح أستجواب لوزير الدفاع أوسكار كامليون فى عام 1997 حول فضيحة تهريب أسلحة وذخائر بحجم 6500 طن إلى كرواتيا والأكوادور (1991 – 1995)؛ طالبت باستقالة الوزير ومن ثم تم استبعادها من كتلة حزب العدالتية بالكونجرس.

قدمت استقالتها من الكونجرس الا أنها عادت وترشحت عام 2001 وعادت لعضوية الكونجرس، وفى عام 2003 أنتخب نيستور رئيسا للأرجنتين (2003 – 2007) خلفا للرئيس المعين أدواردو دوهالدى (2002 – 2003 ) ولتصبح كريستينا السيدة الاولى فى الأرجنتين أضافة إلى عضويتها بالكونجرس، وفى عام 2005 أدى خلاف سياسى بين الرئيسين نيستور و أدواردو إلى قيام كلاهما بترشيح زوجته فى أنتخابات التجديد النصفى للكونجرس وفازت كريستينا.

وحين قاربت نهاية فترة رئاسة نيستور، أعلن قراره بعدم رغبته فى الترشح مجددا وقدم كريستينا مرشحا رئاسياً بديلاً فى انتخابات عام 2007 والتى فازت بها بما يتجاوز 45 % من الاصوات، وقد تردد أن الزوجين نيستور وكريستينا قد أتفقا على تبادل الأدوار لتجاوز الشرط الدستورى بإلا تتجاوز فترة الرئاسة دورتين متتاليتين، وكان متوقعا أن يتقدم نيستور مابعد فترة كريستينا للترشح مرة أخرى، لكن الاقدار قالت كلمتها حيث توفى نيستور بأزمة قلبية فى عام 2010. وكانت كريستينا قد بدأت فترة رئاستها الأولى بتشكيل وزارى من أثنى عشر وزيرا بينهم سبعة كانوا وزراء فى حكومة نيستور الذى ظل مشرفا على قطاعات الاقتصاد وزعيما لحزب العدالتية مما رسخ ما أطلق عليه المرحلة الكيرشنرية على فترات رئاسة نيستور وكريستينا (2003 – 2015)

ادت وفاة نيستور المباغته إلى ترشح كريستينا دورة رئاسية تالية، لكنها أصبحت دون الزوج والشريك الذى يراقصها التانجو، وارتدت السواد ثلاث سنوات حداداً لكن يبدو أنها فقدت التوازن ولم تستطع الاستمرار كما كانت، إلا أن حيوية التانجو كانت بمثابة قوة دفع للأستمرار فى الرقص بنجاح لكن بمرور الوقت كانت الكوارث تلاحقها حتى خرجت من حلبة الرقص مهيضة الجناحين ومريضة وتلاحقها الأتهامات وسكاكين الأصدقاء والأعداء على السواء.

واكب ترشحها اتهامات فيما يتعلق بتمويل حملتها الانتخابية حيث تردد تلقيها مساعدات اجنبية وأخرى من كارتل لتهريب العقاقير المخدرة، أختارت وزير الاقتصاد أمادو بودو نائبا لها فى اختيار مفاجئ لرجل الروك وعازف الاورج، وأعيد أنتخاب كريستينا بنسبة 54٪ من الأصوات وهى أعلى نسبة ينالها رئيس أرجنتينى منذ نهاية الحكم العسكرى عام 1983. لكن بينما كان أمادو ساعداً هاماً فى حملة الانتخابات التى كللت بالنجاح، وتولى الرئاسة مؤقتا خلال الفترات التى خضعت فيها كريستينا لعمليات جراحية بعدما أصيبت بسرطان الغدة الدرقية بعد وفاة نيستور حيث اعلن عن اصابتها رسميا فى أكتوبر 2011 ، إلا أن أمادو كان أحد السكاكين التى قوضت فترة رئاستها بعدما اتهمته زوجته بضلوعه فى قضية رشوة كبرى من شركة طباعة اوراق البنكنوت “البيزو” وتوالت الأتهامات على النائب.

واجهت كريستينا خلال فترة الرئاسة 2011 – 2015 كثير من الكوارث الطبيعية والسياسية ربما كان من أكثرها اثارة للاحتجاجات هو حادثة قطار بيونيس أيرس الذى وقع فى فبراير عام 2012 وأدى الى وفاة 51 شخصاً وأصابة 703 شخص آخر، وبينما هى تعانى من تدهور الاوضاع وتآكل الشعبية أقترح مؤيدوها فى سبتمبر 2012 تعديل الدستور بما يسمح بأعادة أنتخابها لفترة ثالثة، مما جلب عليها احتجاجات أخرى واسعة بدأت عبر شبكات التواصل الاجتماعى،  وفى نوفمبر 2012 ازاء التضخم وتفشى الفساد أندلعت مظاهرات مناهضة لسياستها ثم جاء ابريل عام 2013 لتتعرض بيونس أيرس لأمطار غزيرة لتؤدى الى وفاة 101 شخصاً مما عرض كرستينا لانتقادات من ماوريسيو ماكرى حاكم بيونيس أيرس الذى أصبح فيما بعد الرئيس اللاحق.

وفى عام 2013 ، تعرضت كريستينا إلى هجوم إعلامى غير مسبوق، حيث تحدث برنامج “صحافة المواطن” على قناة تريسا ” 13″ عن الفساد السياسى والمالى لادارتى نيستور وكريستينا ورفعت القناة شعار “طريق نيستور وكريستينا الى المال” وتركزت الاتهامات حول علاقة الصداقة التى كانت تربط ما بين نيستور ورجل الاعمال لازارو بايز مما ساعده فى الحصول على تعاقدات ومقاولات بانشاء 52 مشروعا فى سانت كروز وبتكلفة تزيد عن 15 % من الأسعار السوقية، أدى ذلك إلى ظهور تيار معارض فى 18 ابريل 2014 اطلق عليه (18A) ضم نحو 2 مليون مواطن الذين نزلوا الى الشارع فى مظاهرات واسعة.

كانت كريستينا زعيما شعبويا اكتسبت شعبية كبيرة بقرارتها التى كانت لصالح لفقراء، وايضا بجاذبية حماسها وطريقة تبريرها وتفسيرها للاخفاقات بالتآمر عليها ، بل أنها يوما أدعت ان الولايات المتحدة تحاول قتلها ! وعندما خرجت من الحكم لم يكن ذلك سهلا عليها بالرغم من تكاثر الاعداء من المنافسين وكذلك من الذين صنعتهم، ومن بينهم السلطة القضائية التى حاولت السيطرة عليها بمشروعات قوانين لم تلق ترحيبا ، وكان أحد أبرز المعارضين لها هو مرشح الرئاسة خلفا لها ماوريسيو ماكرى والذى كان حاكما لمقاطعة بيونيس ايرس، وقد فاز فى الانتخابات الرئاسية أمام المنافس الذى رشحته كريستينا لكنها أبت أن تحضر حفل مراسم تسليم وتسلم السلطة بل أن بعض معاونيها رفضوا الخروج من مكاتبهم، كما أدعى الرئيس ماكرى أن كريستينا قد تعمدت تبديد ميزانية عام 2016 فى نفقات اولى بها قطاعات اخرى وليس كرة القدم !

ويبدو أن العداءات التى صنعتها كانت تترقب لحظة أنتهاء فترة ولايتها فطالتها اتهامات فى قضايا قديمة كات قد اسدل الستار عليها أو كاد ، ومنها قضية تفجير مبنى جمعية التضامن اليهودى الارجنتينى التى عرفت بأسم قضية ” آميا ” التى وقعت فى 18 يوليو 1994 فى عهد الرئيس كارلوس منعم (1989 – 1999) وأسفرت عن مقتل 86 شخصاً وإصابة 300 شخص آخر ، وفى 25 أكتوبر 2006، حيث قام المدعى العام البرتو نيسمان وهو محامى يهودى قام بتكليفه بالقضية الرئيس السابق نيستور بأتهام إيران وحزب الله بأنهما وراء الحادث، بل أضاف أتهاماً لكريستينا وعدد من معاونيها بالتستر على ايران فى مقابل اتمام صفقات تجارية بين البلدين، وقبل أن يتقدم نيسمان رسميا بتلك الاتهامات أكتشفت جثته قتيلاً أو منتحراً فى 18 يناير 2015 وذلك فى ظروف غامضة، وعقب أسبوع واحد من العثور على جثة نيسمان، ظهرت كريستينا على شاشة التلفزيون لتعلن تفكيك وكالة المخابرات الوطنية، كما أعربت عن تعازيها لأسرة نيسمان.

وفى ديسمبر 2016 بعد عام من خروج كريستينا من الحكم؛ قامت الجهات القضائية باعادة فتح قضية “آميا” واتهام كريستينا باخفاء الحقيقة فيما يتعلق بضلوع إيران وحزب الله فى القضية، كما وجهت اتهامات أخرى بأدعاء التلاعب فى نظام البنك المركزى عن طريق الدخول فى مضاربات وتعاقدات لبيع الدولار للبنك بأسعار أقل من السوق، اضافة الى تهمة التواطؤ غير المشروع والاحتيال الادارى فيما يتعلق بتمييز رجل الاعمال لازارو بيز فى الحصول على صفقات اشغال عامة في مقاطعة سانتا كروز، كما وجه اتهام الى وزير التخطيط في عهدها خوليو دا فيدو، والى وزير الاشغال العامة السابق خوسي لوبيز عندما أوقف خلال محاولته تخئبة تسعة ملايين دولار في دير. هذا بينما رجل الاعمال بيز رهن السجن منذ ابريل 2016 ، لكن كرستينا قالت فى تصريحها للقاضى “لست صديقة بيز ولا شريكته”. وأمر القاضى بتجميد أملاكها بقيمة عشرة مليارات بيزة وبما يعادل 600 مليون يورو. ! وليسدل الستار على التانجو الرئاسى الأرجنتينى برحيل الراقص وسقوط الراقصة فى مخالب أتهامات لم ترحم مشاهد العرض المثير !

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.