الرئيسية » تحرر الكلام » بين إسقاط الطائرة ومقتل السفير

بين إسقاط الطائرة ومقتل السفير

استقرت بضع طلقات نارية في جسد السفير الروسي في تركيا، أندريه كارلوف، كانت كفيلة بإشعال مواقع التواصل الإجتماعي بين مؤيد ومستنكر، بل وذهب بعضهم إلى الحديث عن حرب ومواجهات عسكرية وحرب عالمية ثالثة، غير أنّ اللافت أنّ معظم آراء الرافضين للعملية أبدوا مخاوفهم من صراع روسي تركي، وربطوا بين هذه الحادثة وحادثة إسقاط الطائرة الروسية العام الماضي، بعد اختراقها المجال الجوي التركي.

مولود ألتن تاش، شرطي تركي في العشرينيات من عمره عبّر عن غضبه من العدوان الروسي على حلب بطريقته الخاصة به، وأكد في أثناء إفراغ رصاص مسدسه في صدر السفير الروسي أنّ ما قام به هو لأجل حلب، والعملية تبدو حتى اللحظة عمل فردي لا صلة له بارتباطات خارجية، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما قام به الشاب، فذلك لن يغيّر شيئاً من مستقبل العلاقة بين تركيا وروسيا، وهو ما أكد عليه الجانبان عقب الحادثة.

المقارنة بين حادثتي إسقاط الطائرة الروسية ومقتل السفير يبدو غير واقعي إلى حد كبير، لعدّة أسباب، أهمها أنّ فعل إسقاط الطائرة الروسية قام به الجيش التركي بموافقة رسمية من السلطات التركية التي اعتبرت ما حدث تمّ وفقاً لقواعد الإشتباك بعد إختراق مجالها الجوي، وبالتالي، كان من المتوّقع أن تكون ردة فعل موسكو قوية تمثلت في قطع العلاقات التجارية والتهديد بالتصعيد العسكري، كون الحادثة تقف وراءها دولة وليس جهة مجهولة، ومن غير المعقول أن تحجم دولة بحجم روسيا عن الرد عن حادث رأت فيه إهانة لها ولقواتها المسلحة، وهو ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد تركيا، والتي أثرت بالطبع على اقتصادي البلدين.

وبالعودة إلى حادثة مقتل السفير الروسي في تركيا، نجد الأمر يختلف عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية، فمن قتل السفير الروسي شرطي تركي يعمل في قسم مكافحة الشغب، ونفذ العملية بشكل إنفرادي، بحسب المعلومات الأولية، وقد قتلته الشرطة التركية عقب الحادثة، بينما دانت السلطات التركية العملية ووصفتها بالإرهابية، ووعدت بالتحقيق في الحادث بالتعاون مع الجانب الروسي، وبالتالي، تعامل الروس مع الحادثة على أنّها عمل فردي لا علاقة للدولة التركية به، فضلاً عن أنّهم لا يريدون توتير العلاقات مع تركيا، ولو لأدنى سبب، إذا وضعنا، في الإعتبار، التقارب الروسي التركي بشأن الملف السوري الذي يجري ترجمته إلى مؤتمر ثلاثي يضم موسكو وأنقرة وطهران في كازاخستان، في محاولة لإيجاد حل سياسي بعيداً عن الغرب ودول أوروبية فاعلة.

تتجه العلاقات التركية الروسية نحو التقارب أكثر بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، والتي أعلنت تركيا لاحقاً أنّ من أسقطها يتبع جماعة غولن المصنّفة إرهابياً من أنقرة، وما يعزّز هذا التقارب هو التعاطي الغربي ومواقفه حيال قضايا عدة بينها سورية، فتركيا ترى أنّ الغرب لم يعد يكترث لمشكلاتها المتفاقمة، بسبب الحرب في سورية، وتتهمه بالتورط في محاولة الإنقلاب الأخيرة، وبدأت تبحث عن شريك جديد يساعدها في معالجة جملة من الملفات العالقة، وهذه المتغيرات استغلتها روسيا لتعزيز شراكتها مع تركيا أكثر من السابق، كما أنّ روسيا تحاول أيضاً تمرير عدد من مصالحها وأهدافها عبر العلاقات مع تركيا، مستغلة في ذلك الدور الريادي لأنقرة في المنطقة، والذي يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الشعوب العربية والإسلامية.

خلاصة القول إنّ الجانبين الروسي والتركي سيعملان على إغلاق ملف القضية بأسرع ما يمكن، ومواصلة التقارب في الملفات المشتركة، وسيركزان على قضايا مصيرية للتباحث بشأنها في طليعتها الملف السوري الذي يشارف على دخول عامه السابع من دون وجود حل سياسي أو عسكري.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.