الرئيسية » تحرر الكلام » كوردستان والوجه الاخر للحرب الطائفية

كوردستان والوجه الاخر للحرب الطائفية

لاكثر من مرة اكد السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كوردستان ان الاقليم لا يمكن ان ينجر الى الحرب المذهبية التي تعم المنطقة ولن يكون ساحة لها , وقد نجح الاقليم بان بناى بنفسه عن تلك الحرب لسبب بسيط وهو ان المجتمع الكوردستاني شعبا واحزاب هو اقرب للعلمانية منه الى التطرف الديني علماني وحتى احزابه الاسلامية تمتلك رؤى معتدلة قياسا باقرانها في المنطقة , ولكن يبقى السؤال هل استطعنا في الاقليم ان نناى بنفسنا عن تبعات تلك الحرب؟

لا نريد هنا ان نجلد انفسنا ونبالغ في التشاوؤم , الا ان ما يواجه الاقليم من تحديات خارجية وداخلية تجعلنا نرى الموضوع من زاوية الحرص على هذا الكيان الواعد , بعد ان وضعتنا الظروف السياسية الميحطة بنا امام خيارات احلاهما صعب … فاما الذهاب الى تقسيم الاقليم الى اقاليم وهذا ما يخطط له الاخرون ويرفضه جميع الشعب الكوردي بالمطلق , او ان تكون الاحزاب الكوردية على قدر المسئولية وتحاول تصفير مشاكلها بشكل جذري , بعد ان اثبتت الاحداث عدم جدوى الحلول الترقيعية وفي نفس الوقت عدم قدرة اي طرف سياسي على تحييد الاطراف الاخرى والسيطرة على الوضع الكوردي بمفرده .

ان خطورة الوضع في كوردستان لا تقتصر على المشاكل الظاهرة على السطح , بل تتعداها الى العامل الخارجي الاقليمي الذي يزيد من خطورتها , فالدول المحيطة باقليم كوردستان قد تختلف في الكثير من الملفات , الا انها متفقة فيما بينها تماما في رؤيتها للملف الكوردي وكيفية التصدي للطموح الكوردي المتنامي في اجزاء كوردستان الاربعة , وتنسق الادوار فيما بينها مستغلة الخلافات السياسية بين احزاب كوردستان بغية جرها لمواقف تزيد من هوة الخلاف بينها .

الدور الايراني : –

لقد نجحت ايران في نقل تجربتها مع الوضع العراقي واستنساخها في كوردستان .. ففي العراق تتمتع ايران بعلاقات جيدة مع جميع الاحزاب الشيعية الا انها ارست علاقات متميزة مع جناح المالكي في حزب الدعوة الذي تبنته ودفعت لصدراته بعض الساسة الذين لا يفقهون في السياسة شيئا سوى تصعيد المواقف مع جميع الاطراف عراقية كانت ام اقليمية بما يخدم التوجهات الايرانية , وبعد نجاح تجربتها هذه في العراق حاولت استنساخها نصا في كوردستان . فعلاقاتها جيدة مع جميع الاطراف الكوردستانية الا انها تتمتع بعلاقات متميزة مع حركة التغيير التي انشقت من الاتحاد الوطني , ووضعت في واجهتها البعض ممن لا يعرفون في السياسة شيئا سوى تصعيد المواقف السياسية واثارة المشاكل . وقد دفعت هذه العلاقة المتميزة بين الطرفين حزب الاتحاد الوطني للعمل على الحفاظ على علاقاتها التاريخية مع ايران ومنافسة حركة التغيير في ذلك , وبذلك اصبح  الحزبان اسيرا الاجندات الايرانية , تجلى ذلك مؤخرا في تنافس الحزبين على تحصيل الرضى الايراني من خلال مواقفهما ازاء بعض المشاكل العالقة بين اربيل وبغداد متخذين مواقف لصالح بغداد على حساب الاقليم  . وهكذا فان خطورة مواقف الحزبين  تكمن في انهما يحاولان الرهان على قضايا مصيرية للشعب الكوردي لمصالح حزبية ضيقة وان كان من خلال اثارة المشاكل دون تقديم شيء للشارع الكوردستاني .

تركيا : –

اما تركيا فانها تتعامل مع اقليم كوردستان على ضوء تبعات الوضع الكوردي في تركيا , ففي الوقت الذي تحارب فيه حزب العمال الكوردستاني , تحاول تركيا مد جسور التفاهم مع حزب الاغلبية في حكومة اقليم كوردستان المتمثل بالحزب الديمقراطي الكوردستاني , وقد وعى الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ البداية للتوجه التركي هذا وسمح بمد جسور التفاهم والثقة مع تركيا على اساس المصالح المشتركة , لكن دون تمكين تركيا من استغلال تلك العلاقات لتؤثر سلبا على وضع الكورد هناك . الا ان ما يؤسف له هو وقوع حزب العمال الكوردستاني في فخ السياسة التركية تلك , فاصبح يتعامل بعدائية مع اقليم كوردستان وحزب الاغلبية فيه , ترجمها على الساحة الكوردية في العراق وسوريا , في منع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري ( الجناح السوري لحزب العمال ) اي حزب كوردي سوري يتمتع بعلاقات جيدة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني من العمل السياسي على ارض كوردستان سوريا , وايضا في اقامة علاقات مشبوهة مع حكومة بغداد بشكل يؤثر سلبا على حكومة اقليم كوردستان , تمثل ذلك بموقف حزب العمال من وجوده في مدينة شنكال ( سنجار) واصراره على البقاء فيها وتشكيله لمجاميع مسلحة ترتبط مباشرة بحكومة بغداد .

لقد تنبهت تركيا الى وقوع حزب العمال الكوردستاني في فخها السياسي واصبحت تتحرك وفق هذه الثغرة لتوسيع الفجوة في العلاقات الكوردية الكوردية , ففي الوقت الذي مارست فيها تركيا ضغوطا كبيرة على امريكا لانسحاب عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي من غرب الفرات في سوريا , لم تبد اي اهتمام حول وجود عناصر نفس الحزب في مدينة سنجار في كوردستان العراق , لادراكها بان استمرار وجود عناصر حزب العمال هناك سيعمق الخلافات الكوردية الكوردية , وسيعطي مبررا لتركيا للتوغل في اراضي كوردستان العراق في اي وقت تشاء بحجة الحفاظ على امنها الوطني , وللاسف فان حزب العمال الكوردستاني بقي اسير هذا الموقف بقصد او بدون قصد .

اما الموقف الامريكي فهو لا يختلف كثيرا عن مواقف ايران وتركيا وان كان باجندات اخرى بعيدة عن الخوف من استقلال اجزاء كوردستان , فمن المعروف ان السياسة الامريكية تعتمد على ارساء تحالفاتها مع اطراف متعددة في المناطق التي تحوز على اهتمامها , وتدير هذه الخلافات بالشكل الذي يتوافق مع مصالحها واجنداتها بحيث تبقى جميع تلك الاطراف بحاجة مرغمة على طلب الود الامريكي . وهذا ما تفعله تماما في تحركاتها في منطقتنا خاصة في الملف الكوردي فيه . فلا يبدو ان امريكا مهتمة بحل المشاكل بين الاحزاب الكوردية , كما فعلت في بداية القرن الحالي عندما ضغطت على الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني لانهاء خلافاتهما استعدادا لمرحلة ما بعد صدام حسين . كذلك لا تبدو انها مهتمة بتنقية الاجواء بين حكومة اقليم كوردستان والادارة الذاتية في كوردستان سوريا , مع ان امريكا تتمتع بعلاقات متميزة مع جميع الاطراف الكوردستانية سواء في سوريا او في العراق .

نلاحظ مما سبق ان الكورد وان لم يكونوا قد دخلوا الحرب الطائفية التي تشتعل اوارها في المنطقة فانهم قد تاثروا بشكل واضح بتبعاتها مخيرين لا مجبرين . وان كانت الاطراف الاقليمية والدولية تشجع على ديمومة تلك المشاكل فانها ليست المتسبب الرئيسي لها , فالمسئولية الكاملة تقع على اعتاق الاحزاب الكوردستانية نفسها في اعطائها المصلحة الحزبية اولوية على حساب المصالح العليا للشعب الكوردي متناسين بان المياة الراكدة حاليا في كوردستان ان لم تتحرك فسياتي عليها شتاء قارس لن يذيب صقيعها الا دفيء ربيع كوردي لا اتمنى ان يكون كدفيء الربيع العربي الذي لم يبق ولم يذر .

                                                   

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.