الرئيسية » تحرر الكلام » موسوعة الدرر الزاهرة في الأصالة المعاصِرة

موسوعة الدرر الزاهرة في الأصالة المعاصِرة

منهج الترقي بكلية الوجود الإنساني

تأليف الأستاذ الدكتور بسيوني الخولي

الطبعة الرابعة منقّحة وموسّعة 

المجلد الثاني

حضارة الإسلام

(الذات الحضارية للإسلام)

الجزء الأول

دين الله الخالص براء من الجاهلين والغلواء

6

حضارة الإسلام

(الذات الحضارية للإسلام)

دين الله الخالص براء من الجاهلين والغلواء

لقد شئنا أن نبتدر الجزء الأول من هذا المجلد المهم بالبحث والتأمل في مسألة لعلها الأخطر والأهم في عالمنا المعاصر ، والتي تشكل علامة فارقة ومنعطفاً مهماً من منعطفات البشرية والتي تسير وفق قضاء الله إلى نهايتها الحتمية ، وهي مسألة ما حاق بشِرَع الله وما لحق بها من تغيير وتبديل وإساءة من قبل أتباعها ومن قبل غير أتباعها ، ما جعل هذه الشِرع المتبدلة والمتغيرة تنحرف عن دين الله الخالص الذي ارتضاه للناس أجمعين .

إن دين الله ثابت لم ولن يتغير حتى يفنى الكون الفاني ، وذلك لأنه مؤسس ومبني على أساس الكون وسر الوجود وهو “لا إله إلا الله” ، وقد شاءت إرادة الخالق العظيم وقضت بتشكل الكون وتشكل مكوناته ومحتوياته ، ومن ضمن تلك المكونات والمحتويات المجتمعات البشرية التي تمثل عبر علاقة جدلية متعددة الأطراف ومعقدة التفاعلات انعكاساً وإفرازاً للحضارات والمدنيات الإنسانية ، وفي تلك المجتمعات نزلت رسالات الخالق العظيم بأساس الوجود وسر الكون “لا إله إلا الله” ، ومع المعتقد الأزلي الأبدي نزلت الشعائر كوسائل للتواصل مع الإله الخالق العظيم دون وسائط ، ومع المعتقد كذلك نزل التشريع الإلهي بمنهج الله الذي ينظم ويقعّد حركة الناس في مجتمعاتهم التي صنعوها وشكّلوها بغريزة استودعها الإله إياهم مع الكون ومحتوياته .

وعندما نزلت الرسالات من عند الإله الواحد الأحد أسلم وآمن من أسلم وآمن ، وظل على كفره من جعل إلهه هواه ، وكان القليل هم الذين ظلوا وداوموا على دين الله الخالص ، أما الكثير فقد كفروا بالله وبرسالاته ورسله ، ولم ينته الأمر عند هذا الحد ، بل طال الإلحاد والشرك بالله من هم على الإسلام والإيمان ، ومع الزمن تسرب من المسلمين والمؤمنين من ألحد بالله ومن أشرك به ، وأُهدرت الرسالات وتبددت بين مشرك بالله وبرسله وبرسالاته وبين ملحد جاحد .    

وفي دار الإسلام والإيمان في كل شِرعة من الشِرَع تصادمت دعاوى وسلوكات الجاهلين والغلواء ، ولم يقل خطر هؤلاء على تلك الشِرَع عن خطر الكافرين بها والمشركين والملحدين ، فالأخيرون معلومون ويحاربون دين الله الخالص علانية ، أما الأولون فيحاربون دين الله من داخله بجهلهم وغلوائهم وينخرون في عظامه ويدمرون أسسه وقواعده وأعصابه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً فتباً لجهلهم وسحقاُ لغلوائهم .

ولعل أول ما يدمر دين الله الخالص من داخله هو أن يأتي أتباع الشِرَع الإلهية بأفكار وسلوكات تتنافى مع مراد الله صاحب الدين ومع ما أنزله في رسالاته ، وأول وأخطر تلك الأفكار والسلوكات هو إكراه الناس على أن يكونوا مؤمنين ، ولن يستطيع أهل كل شِرعة فعل ذلك مهما أوتوا وبذلوا من قوة وجهد ، ولو شاء الخالق العظيم إله الدين الخالص لفعل ذلك ، ولكن ذلك يتنافى مع قضاء الله الذي قضاه في الناس وهو حرية اختيار التكليف ، فقد خلق الله الناس ومنحهم حرية اختيار تكليفاته بعقل مفكر وإرادة منفردة واختيار حر ، حتى يقيم الله الحجة على كل كافر بدينه ، ومن ثم فلم يكلّف الله أصحاب كل شِرعة إلا بالدعوة إلى شرعتهم دون إكراه أو إجبار ويبقى أمر الإسلام والإيمان إلى اختيار الناس وهدى الله .

بالإضافة إلى ما سبق يسيئ أصحاب الشِرع بدين الله الخالص ويُلحقون به أضراراً جسيمة عندما يبررون تصرفاتهم وسلوكاتهم بنسبها إلى الدين ، بل ويأتون من الأفعال والسلوكات والتصرفات الخاطئة السيئة والمسيئة باسم الدين !

ولا يتورع الكثير من أتباع الشِرع الإلهية عن الإعتقاد والإعلان للناس وإفهامهم بهتاناً وزوراً بأنهم هم وحدهم دون غيرهم الذين انفردوا بالهداية من الله ، واختصهم الله بحبه ورضوانه ، وغفر لهم ، وتاب عليهم ، ووعدهم بجنته ، وهذا ظلم بيّن فقد اجترأوا على الله وكذبوا عليه ، وطعنوا في عدله حاشى له ، فهو العدل يحاسب كل نفس بما تسعى وبما تكسب وتكتسب !!

أخيراً ومن دعاوى الجهل والغلواء لدى الكثير من أتباع كل شرعة إدعاء الأمثلية والتفضّل والتعالي والأثرة على أتباع الشِرع الأخرى ، بل والطعن في تلك الشِرع بما يصورها وكأنها ليست من عند الله ، فشِرع الله معلومة بالضرورة وقد أخبر عنها الناس صراحة حتى يؤمنوا بها ، ولكن ما لحق بها من أتباعها ومن غير أتباعها من تشويه وتحريف لا ينبغي أن ينتهي بها إلى فرية أنها ليست من شرائع الإله الواحد الأحد ، فالتوراة شريعة الله حرّفها وشوهها أتباعها ، والإنجيل شريعة من الله حرّفها وشوهها أتباعها ، والقرآن شريعة من الله أساء إليها أتباعها !!

ولم تقتصر الحرب على شرائع الله من خارجها ، بل جاءت كذلك من داخلها ، فما من شرعة من شِرع الله إلا وقد تفتتت وتناثرت إلى فرق وطوائف وجماعات متناحرة ومتصارعة ومتقاتلة فكرياً وعضوياً ، وكان لذلك الصراع المدمر أسبابه التي تراكمت مع الزمن ، وكان له كذلك نتائجه التي استثمرها أعداء دين الله الخالص ، ليجدوا ضالتهم المنشودة في إنكار وجود الله ، وإنكار دينه وشرائعه بالتالي ، وهذا ما يمنّي به الكافرون والمشركون والملحدون أنفسهم .

لقد كان تركيز أبناء كل شِرعة من شِرائع الله على الصراع العضوي وآلياته وأسانيده ملفتاً وجديراً بالتأمل والاعتبار ، لقد ضل أؤلئك الذين اتخذوا آيات القتال في كل كتاب إلهي وشِرعة سنداً وحجة يحتجون بها ويبررون قتال الناس وقتلهم ، فلا قتال ولا قتل أحلّه الله إلا لرد عدوان ، أو نصرة مظلوم معتدً عليه مؤمن أو غير مؤمن ، فلا عدوان إذاً إلا على ظالم ، ولا اعتداء إلا بالمثل ، ولا عقاب إلا بالمثل ، كذلك فإن إعداد القوة للردع والحماية والتمكين وليس للاعتداء .           

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.