الرئيسية » تحرر الكلام » اضرُبْهُ بالموت تا يرضى بالعمى (مثل شعبي فلسطيني)

اضرُبْهُ بالموت تا يرضى بالعمى (مثل شعبي فلسطيني)

اضرُبْهُ بالموت تا يرضى بالعمى

(مثل شعبي فلسطيني)

***

جلُّ وقتي أقضيه في متابعة نشرات الأخبار وقراءة عناوين الصحف  العربية  وما تيسر من الصحافة الدولية، وملاحقة الأحداث في الوطن العربي والعالم، أنتقل من فضائية إلى أخرى ومن جريدة إلى  جريدة.

وغالبًا ما كنت أصل إلى آخر الليل دون أن أتعثر بخبرٍ يبعث على الأمل والتفاؤل، ولا أنكر أنّ كل السوداوية التي أطلع عليها  في متابعاتي قد تركت أثرًا سيّئًا على سلوكي وحياتي. أسوأ هذه الآثار على الإطلاق انفعالي السريع غير المبرر في كثيرٍ من الأحيان عند أقل احتكاك برأيٍ مخالف لرأيي  بسوداوية واقعنا الفلسطيني والعربي والإسلامي ومكانتنا كبشر نعيش في عالم من الغيلان. حاولت جاهدا أن أتخلى عن هذا الأثر السيء وكثيرا ما أعاتب نفسي بعد كل واقعة، وأعد نفسي بأن لا يتكرر الأمر مرة أخرى، ولكني عند الامتحان لا أذكر الوعد ولا يخطر لي على بال.

اتعجّب من المتفائلين وحساباتهم ومعاييرهم، الرئيس الفلاني والحكومة الفلانية واللقاء الفلاني والمؤتمر الفلاني، بينما المطحنة تدور عجلتها في غير اتجاهٍ تطحن تحت أضراسها أخضرنا ويابسنا والبغال التي تدير المطحنة تدوس بحوافرها صغيرنا وكبيرنا حتى نَخرُج من ساقيتها زيتًا  يباع ويشترى، يُحقق فينا أصحاب المطحنة أرباحًا خيالية في صفقاتٍ تدبّرُ تدبيرا وعقودٍ بين الكبار لا تحترم آدميّتنا وأعراضنا ولا كياناتنا التي أصبحت كلّها أتونًا نُشوى فيه ونُحْرَق.

المؤلم المدمي حقًّا أن غالبيتنا محدودي الفهم والتحليل والتقدير، نُفسّر الحدث على غير ما يجب ونقرأه مقللين من آثاره علينا لحسن نوايانا وطيبة قلوبنا، وبقينا على ذلك الصعيد من التفكير والتقدير حتى أصبحنا مع الوقت عديمي القدرة على التدبير والخروج من المآزق التي تترنح فيها المصائب والويلات والنكسات، حتى غدونا في حالة من الانتظار البغيض دون أن نعلم ماذا ننتظر حتى نخلص من ما نحن فيه، وكأنّ السماء ستمطر علينا قوارب النجاة.

نحن نعلم جميعًا، ولسنا بحاجة لفهم كبير، أنّ بلادنا العربية تتعرض لهجمة شرسة مقيتة وقاتلة وحروبٍ لا تُبقي ولا تذر، أفنت البشر ودمرت الحجر، ونحن فيها من أوّلها إلى آخرها الوقود والحطب، وساحها ديارنا وأديمُ أرضنا وثرواتها ومقدّراتنا.

كان يكفي بلادنا شرارة لتشتعل، فأوجدوها، فانتشرت الفتن كالنار في الهشيم وانقسمت البلاد وتفرّق العباد، كمؤشر مبكر على أننا سنرقص بعدُ طويلا، وما نحن فيه الآن، أوّل الرقص، وكما يقال، أوّلُ الرّقصِ حنجلة.

وإن تحدّثنا عن الفاعل، جميعنا يعلمه وإن أنكر البعض،أو كان البعض أداةً يُؤمر فيُطيع. وأنا هنا  الآن لن أتكلم عن الفاعل، ولكن عن النتائج التي سيخلفها واقعنا الأسود عندما ينجلي غبار الحروب، وتنقشع الغمامة عن العيون.

لن أدّعي أن الاستهداف كما يقول البعض لتدمير الجيوش وإسقاط الحكومات، لأني أعتقد جازما أنّ الحكومات مكلّفَةَ، والجيوش مأمورة، وكلاهما لا حول له ولا قوة ولا يملك إرادته وقراره، ودليلي على ما أقول، الآتي:

لو كانت هذه الحكومات وهذه الجيوش بما يُصرف عليها من أموال وبما تُكدّس من سلاح وبما تدّعيه من قوة وأنّها مؤهلة، لما وصلنا إلى هذا الزلزال الحاصل في بلادنا، ولكانوا تداركوا  الأمر من بداياته، إنّما هؤلاء ما كانوا يوما أصحاب إرادة وقرار، وحروبهم التي يخوضون  ويحاولون الانتصار فيها كانت دائما وما زالت حروب الكرسي والصولجان. لذلك سأقول أن كل الحكومات العربية متفرقة أو مجتمعة، وكل جيوش العرب متفرقة أو مجتمعة لا قيمة لها ولا تسمن أو تغني من جوع، ووجودها كعدمها، وعلى من لا يصدق ما أقول، مراجعة طبيب العيون.

مأمولٌ منّا – ونحن نُنفّذ – أن لا نعملَ أبدا بجدّية على وقف شلال الدم الجاري في بلادنا، كي تأخذ الحروب مداها ومجراها المدبّر لها حتى يزيد القتل والتنكيل والتدمير والتهجير  إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه فعلهم الإجرامي حتى لا يبقى حجرٌ على حجر ٍ، وإن سقط على قارعة هذه الحروب عشرات الملايين من البشر . ومن بقي منّا على قيد الحياة عليه أن يبقى راضيًا بقسمتهم خاضعًا لإرادتهم  مسلّما لهم قُبله ودُبره يفعلون به ما يشاء، فخياره البديل  إن رفض،  الموت، فقط الموت  واللحاق بمن سلف.

وعليه، يجب أن نقبل دون أُفٍّ موت الخرافِ والنّعاج، لكي تُكتب لنا حياة الذّل، حياة العبيد كرما منهم ولطفا. فهل يوجد بربكم أقذى من هذا ظلمًا وعنجهية وجبروت يجعل الواحد منّا يدخل بألف حائطٍ وحائط.

نشتري سلاحهم بأموالنا لنتقاتل فيه ونشتري دواءهم ، وبعد أن يستفذوا كل ما بأيدينا ويستنزفونا إلى آخر قطرة ويُهدم آخر حجر في ديارنا، ستقوم شركاتهم بإعادة بناء هياكل ما تبقى من دولنا لما تبقى منّا على قيد الحياة وبما بقي بحوزتنا من مال.

خلاصة القول، إننا عرضة لانتهاك بشع استباحنا بداية واستباح أراضينا واستباح ثرواتنا ومقدّرات شعوبنا وبقينا على قارعة الحياة لا شيء بأيدينا نفعله أكثر من الندب واللطم على ما كان ونترحم على زمانه بعد أن أفقدونا كل ركيزة كان يمكن أن نتّكئ عليها، فكانت الطائفية التي فرقت أصحاب الكتاب الواحد والإثنية التي قسمت بين أبناء الوطن الواحد ومن قبل كانت القطرية البلهاء التي جعلت من الفلسطيني مجرد فلسطيني لا ظهر له ولا سند والسوري مجرد سوري والليبي مجرد ليبي والعراقي مجرد عراقي والمصري مجرد مصري إلى آخر حبات مسبحة العرب.

الغد لا يُبشر بخير، والحروب مستمرة ولن تتوقف حتى تقطع شوطها عن آخره، وقد قال كيري وزير الخارجية الأمريكي  قبل عام، نحتاج إلى ربع قرنٍ حتى نستطيع القضاء على داعش.  فكيف يكون الأمر وقد أصبح في منطقتنا ألف داعش، ناهيك عن حكامٍ ظلمة جديدهم كقديمهم، ما بدّل صاحب الكرسي ولا تغيّر، يفصله عن شعبه ومصالح بلده ما يفصل السماء عن الأرض.

دعونا نربي أولادنا ونعرفهم على حقيقة  ما نعيش من واقع دون تجميل أو تزييف، مع تعليمهم  حقيقة حياة الأحرار،  لعلّهم وعساهم، استطاعوا أن ينفدوا من هذا الخضم، وأصبحوا أوعى منّا وأقدر وأدرى. فهل نفعل؟

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.