الرئيسية » تحرر الكلام » تهيئة البيئة الإقليمية لتفعيل رؤية المملكة 2030م (7)

تهيئة البيئة الإقليمية لتفعيل رؤية المملكة 2030م (7)

باقتضاب شديد تناولنا في المقال السابق تهيئة البيئة الداخلية من أجل شروع المملكة في تطبيق رؤية 2030م ، واتضح من التناول أن الرؤية قبل أن توضع على أرض الواقع وتتحول إلى سياسات وخطط وبرامج ستكون البيئة الداخلية في استقبالها بنظام سياسي متفاعل ومتناغم بشكل بديع مع المكونات المجتمعية للشعب السعودي ، حيث يتحول الجميع إلى فاعل كفء يحقق النتائج المحسوبة وفق المقدمات والمعطيات الواقعية الدقيقة .

ومن ثم تكون البيئة الداخلية هي التي بادرت بالتغيير استعداداً للنقلة النوعية التي ستنتج عن الرؤية التاريخية ، ولنا أن نتخيل مردودات الرؤية مرة أخرى على البيئة الداخلية ، تلك المردودات التي ستطور التغيير الذي لحق بالبيئة الداخلية بداءة إلى نضج وانسجام وتناغم مجتمعي .

وكما تهيأت وتأهلت البيئة الداخلية في المملكة لرؤية 2030م ، ينبغي على البيئة الإقليمية هي الأخرى أن تتغير من أجل تفعيل رؤية المملكة ، وبداءة ينبغي أن نقرر أن تهيئة وإعداد البيئة الإقليمية هو أصعب بكثير من تهيئة البيئة الداخلية ، وذلك لأن المملكة بنظامها السياسي ومجتمعها هم المتحكمون في البيئة الداخلية ، ومن ثم فنحن أمام إرادة واحدة للتغيير .

أما في حالة البيئة الإقليمية ، فنحن أمام إرادات متعددة كلها تشارك في تهيئة تلك البيئة ومن هذه الإرادات ما يرفض التغيير ،  ومنها ما يقاومه ، ومنها ما يساوم ، ومنها ما يبتز ! وبالرغم من ذلك يبقى على المملكة أن تبذل أقصى جهودها من أجل تهيئة البيئة الإقليمية وتطويع إرادات الشركاء الإقليميين لكي تحقق أهدافها وتشرع في تفعيل رؤية 2030م .   

أولاً : إنهاء حرب اليمن :

لعل الأوضاع في اليمن والحرب التي تخوضها المملكة من أجل إقرار الشرعية ضد الإنقلابيين ومن خلفهم إيران هي أهم الأوضاع الإقليمية التي تحتاج إلى تسوية حتى تشرع المملكة في تفعيل رؤية 2030م وهي خالية الوفاض من المنغصات الإقليمية المؤرقة وبالذات في اليمن .

ولكن مسألة اليمن لها ظروفها المعقدة التي تحتاج إلى جهود جبارة من المملكة دبلوماسية وأمنية واستراتيجية ، وما لا شك فيه أن المملكة قد حددت لنفسها استراتيجية واضحة وهي ترسيخ الشرعية في اليمن وأن ينخرط الانقلابيون في الحياة السياسية في اليمن ، فكيف سيتم ذلك ؟! هل بإنزال هزيمة ساحقة بالحوثي وصالح وإيران ؟! وهل هذا ممكن ؟! هل بالتسوية السياسية ؟! وهل تحقق التسوية السياسية هدف المملكة الذي ذكرناه أعلاه ؟! إن حصيلة الأمر أن مسألة اليمن لا بد أن تنتهي قبل أن تبدأ المملكة تفعيل رؤية 2030م ولكن كيف ؟! أنا أزعم أن الدبلوماسية السعودية لديها خيارات متعددة ، ويمكن لأحد هذه الخيارات أن يحقق هدف المملكة بالمواءمة مع المعطيات على الأرض والأهداف والتفاعلات وما تخبئه من متغيرات ومستجدات .     

ثانياً : تسوية المسألة السورية :

قد تكون المسألة السورية أقل تأثيراً وتعقيداً بالنسبة للمملكة من المسألة اليمنية لتماس الأخيرة بشكل مباشر وخطير بالأمن الوطني للمملكة ، وبالرغم من ذلك لا بد للمملكة لكي تبدأ في رؤية 2030م أن تخرج من المسألة السورية إما بتسويتها وإما بأية وسائل أخرى ممكنة ، حتى توقف الاستنزاف المادي من موارد الشعب السعودي وتوجهها لخطة الإنماء الطموحة .   

ثالثاً : تسوية المسألة العراقية :

المسألة العراقية هي أخف حدة بالنسبة للمملكة من المسألتين اليمنية والسورية ، ولكنها أكثر تماساً مع الأمن الوطني للمملكة من المسألة السورية ، ولكن إنغماس المملكة في المسألة العراقية أقل من المسألة السورية ، ويمكن للمملكة أن تنفض يديها من المسألة العراقية بسهولة ، ولو أن ذلك سيمكن لإيران في بغداد ؟!    

رابعاً : تسكين الحرب الباردة مع إيران :

هذه مسألة مؤرقة على المستوى الإقليمي فإيران تمثل أخطبوطاً يريد أن يلف أذرعه المميتة على دول المنطقة العربية والإسلامية ، ويطوق المملكة من كل الاتجاهات ، ومن ثم يحاصر ويحسر المذهب السني ، وهذه النوايا الخبيثة اللعينة تعد لها إيران العدة منذ زمن طويل ، وقد واتتها الفرصة وحققت طموحاتها بولوج النادي الذري وتصنيع السلاح النووي ، وهذا يمثل أكبر خطر على أمن المملكة وكافة دول الخليج العربي وكل الدول العربية ، ولن تتمكن المملكة من تسوية هذه المسألة بسهولة ، فهذه تمثل معضلاً مزمناً يستوجب إنشاء مركز أبحاث على أعلى مستوى متخصص في الدراسات الإيرانية ، يدرس ويحلل كافة السياسات والتحركات الإيرانية على كافة الصعد والمستويات لمتابعة هذا الخطر الداهم عن كثب !!      

خامساً : الحفاظ على موارد الدولة وعدم استنزافها على نظم سياسية غير مجدية مثل النظام المصري ولبنان :

أيضاً من المسائل التي تحتاج إلى تسوية هي مسألة أن تنفض المملكة يدها من تقديم الدعم والعون المادي لنظم سياسية مهترئة مثل النظام المصري ولبنان وغيرها من النظم التي تستهلك وتبدد موارد المملكة دون طائل أو جدوى .

إن النظام السياسي السعودي عليه أن يدرس هذه المسائل بهذه التراتبية ويتخذ قرارات حاسمة إزاءها حتى يفرغ منها أو من معظمها ، وعندئذ يكون قد خفف كاهله من عبء هذه المسائل ويتفرغ للمسألة الأهم وهي رؤية المملكة 2030م .

ولكن ثمة البيئة العالمية أيضاً التي تحتاج هي الأخرى إلى استعراض وتحليل معضلاتها وتسوية أكبر قدر منها قبل الشروع في رؤية المملكة 2030م .     

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.