الرئيسية » تحرر الكلام » تهيئة البيئة الداخلية لتفعيل رؤية المملكة 2030م (6)

تهيئة البيئة الداخلية لتفعيل رؤية المملكة 2030م (6)

ربما تكون هذه السلسلة من المقالات والتي تبدأ من هذه المقالة ذات طبيعة نقدية تحليلية لجملة الظروف التي تحيط بالمملكة ، وهي بصدد الاستعداد لتطبيق رؤية المملكة 2030م ، ويقيني أن فريق المستشارين الذين يحيطون بالشاب محمد بن سلمان سيميلون إلى مجاملته من باب التشجيع والبعد عن الخوض في المشاكل ، في الوقت الذي يتسم الشاب بالحماس والإعجاب بالنفس وبالفكرة وبتصفيق وتشجيع المحيطين ، ويتسم كذلك بحداثة السن وانعدام الخبرة ، ومن ثم فهو قد أسلم نفسه لمستشاريه الذين يجب عليهم لذلك التحلي بالموضوعية والنزاهة والصدقية والمكاشفة والإخلاص في إسداء النصيحة مهما كانت قاسية ، وإطلاع الشاب على الحقائق مهما كانت قاسية ومهما خالفت رغباته وتوجهاته .

لقد قدمت بذلك لأن ما يفكر فيه بن سلمان وما يزمع القيام به ليس فكرة خاصة أو مشروعاً خاصاً إن أخفق فسيتحمل هو غرمه ، ولكن هذه خطة عملاقة للدفع بدولة عملاقة تمثل قوة إقليمية لها وزنها الحضاري والتاريخي وثقلها الرمزي للإسلام والمسلمين والعرب ، فلا ينبغي التعامل مع خطة نهوضها إلا بكل حزم وحذر ومضاء ودقة وشفافية لأن الغنم والغرم لكل منهما تبعاته التي يصعب تخيلها .

إن مثل هذه الخطط شهدتها دول عديدة معاصرة ، وهي تمثل تحولات مفصلية تاريخية في تاريخ تلك الدول ، شهدتها ألمانيا بعد توحدها ، شهدتها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، شهدتها البرازيل بعد أن كانت على شفا الإفلاس ، شهدنها جنوب إفريقيا بعد أن تعافت سياسياً من التفرقة العنصرية ، ومعنى ذلك أن رؤية المملكة 2030م ليست تجربة قابلة لأن تصيب وأن تخطئ ، هي خطة علمية منهجية مدروسة بدقة شديدة تطبق وفق برامج زمنية صارمة لا مجال فيها للاجتهاد أو التوقع ، هي حقائق تقود إلى نتائج من جنس الحقائق .

لكل ما تقدم لا بد من أن نقول أن المملكة في حاجة إلى الاستعداد للانطلاق في مسيرة شاقة وليست نزهة ، لمدة تزيد على عقد من الزمان ، تصل في نهايتها إلى وضعية جديدة ، تتغير فيها مكونات الدولة والنظام السياسي والمجتمع ، ومن يقود هذه المسيرة هو الاقتصاد والإدارة

ولكن ماذا عن طبيعة ذلك الاستعداد ، إته استعداد غاية في الأهمية والخصوصية ، يُخطئ من يظن أن المملكة يمكن أن تنطلق في مسيرتها بدونه ، ولعل أهمية وخطورة وحساسية هذا الاستعداد هو ما دعانا إلى كتابة هذه المقالات ، ونتطرق إلى تهيئة البيئة الداخلية لتفعيل رؤية المملكة من خلال التصدي الجاد والفعال للمشاكل المطروحة والمثارة والمتوقع أن تكون مؤثرة في حركة المملكة وهي بصدد التفاعل مع الرؤية من خلال استعراض المشاكل التالية :           

أولاً : فض مسألة الصراع بين ولي العهد ووليه :

لعل أول المشاكل المطروحة هي مشكلة معقدة وحساسة ، وهي العلاقة بين ولي العهد ووليه ، وهي مسألة يتحدث فيها الجميع داخل وخارج المملكة ، ولا ينبغي التبسيط من شأن هذه المسألة أو إنكارها ، لأنها حقيقة ، ولأن ثمة من يؤكد على أن الأمير الشاب يطمح في عرش المملكة من خلال سيناريوهات دراماتيكية يرى معِدّوها قابليتها للتطبيق ؟!

إن المساس بالتركيبة الحالية والتي تم الاتفاق عليها بين كبار الأسرة ستكون عواقبه وخيمة على النظام السياسي والمملكة والرؤية المزعومة ، كما أن النظام السياسي السعودي يكتسب صدقيته وصلابته مع الزمن من القواعد الثابتة والمحترمة التي صاغها الأسلاف ولم يحد عنها أو يخرج عليها من خلفهم .

إن وجود إثنين من جيل الشباب في ولاية العهد وولاية ولاية العهد يتواءم تماماً مع رؤية المملكة 2030م ، فلأول مرة ستكون قمة النظام السياسي في ريعان الشباب ، فولي العهد يجمع بين الهدوء والتوازن والرزانة والخبرة والشباب والتجربة وسعة الأفق ، ووليه يجمع بين الحماس والشباب والرغبة في التغيير ، وهذه التركيبة نادرة في تاريخ النظام السياسي السعودي وملائمة للظروف التي تقدم عليها البلاد .

من أجل ذلك على الشاب محمد بن سلمان أن يوطد علاقته بولي العهد ويستثمر وجوده إلى جواره ويكتسب منه خبرة التمرس على ممارسة صناعة القرار عندما يكون هو صانع القرار في المملكة ، وهذا التكاتف إلى درجة التوحد في غاية الأهمية للرؤية .   

ثانياً : الإصلاحات السياسية :

ما من شك في أن النظام السياسي السعودي يحتاج مثل غيره من الأنظمة السياسية إلى إصلاحات مهمة ، ولعل احتياج النظام السياسي السعودي أكثر أهمية لما هو مقدم عليه من تطور تاريخي ، ولا يحتاج النظام السياسي السعودي إلى إصلاحات هيكلية بنيوية ولكنه يحتاج إلى إصلاحات فكرية تتعلق بصميم المبادئ والقيم التي يرتكز عليها النظلم ولعل أهمها

(1)مسألة حرية التعبير ، وهي مسألة مهمة للغاية ، وينبغي على النظام السياسي السعودي قبل أن تشرع المملكة في رؤيتها أن يكفل لأصحاب الرأي التعبير عن آرائهم لأنه مناصحة ، على ألا يحمل إيذاءً أو إساءة . 

(2)إيجاد صيغة للتفاهم الفعال بين تيار علماء الدين وتيار أصحاب الرأي ممن يُسمون بالليبراليين حتى لا يتم إرباك المشهد السياسي في البلاد ، بسبب خلافاتهم التي تنعكس سلباً على فعالية النظام السياسي وأدائه .

(3)تسوية مشكلة المرأة السعودية بشكل نهائي وطرح المشكلة على الملأ واختيار أصوب الحلول التي يراها أفراد المجتمع أنفسهم .   

ثالثاً : الاستقرار والتوازن والسلام الاجتماعي :

على النظام السياسي أن يبث حالة من الأمن والأمان لدى المواطنين ويشعرهم بالثقة ، ولا يداوم على إزعاجهم بالقرارات التي تشيع جواً من الخوف والقلق ، بل يشعرهم من وقت لآخر بأنه يعمل لمصلحتهم عبر إطلاعهم على خططه الإنمائية وما أنجزه منها حتى يلتف الشعب حول قيادته ويدعمها ولا يصاب بالسلبية والامبالاة .

رابعاً : إلغاء نظام الكفالة وحل معضل العمالة الوافدة :

نظام الكفالة التي تطبقه المملكة منذ زمن طويل لتنظيم العلافة بين صاحب العمل والعامل نظام عفى عليه الزمن ، ويحتاج إلى أن يُستبدل بنظام حضاري متطور يتواءم مع التفاعلات الاقتصادية والإدارية التي ستصاحب تفعيل رؤية المملكة .

كما أن القرار الغريب الذي وافق عليه مجلس الشوري والذي يمنع من هو أكثر من 40 سنة من دخول المملكة والعمل بها قرار جاء معكوساً ، إذ يُفترض أن يتم التحكم في نسبة العمالة التي يقل عمرها عن الأربعين حتى تتاح فرصة للوطنيين ممن هم في هذا السن ، أما من يتجاوزن الأربعين فهم الخبرة التي تدعم الشباب السعودي حتي يكتسب الخبرة والدربة والتمرس ، فهو قرار يحتاج إعادة نظر كما أن مسألة العمالة الوافدة برمتها تحتاج إلى دراسة واسعة النطاق وذلك استعداداً لتفعيل رؤية المملكة 2030م .       

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.