الرئيسية » الهدهد » ميلشيات الحشد “الطائفية” غارقة في الفساد والعبادي فشل في مواجهة “كبار المُفسدين”

ميلشيات الحشد “الطائفية” غارقة في الفساد والعبادي فشل في مواجهة “كبار المُفسدين”

قال الكاتب والباحث العراقي رائد الحامد إن هناك علاقة جدلية بين استماتة السياسيين على التمسك بمواقعهم الوظيفية والفساد المالي والإداري الذي بات ينخر مؤسسات الدولة العراقية منذ تأسيس منظومة العمل السياسي التي أفرزها غزو العراق واحتلاله، بعد أن هدم بنى الدولة القديمة وقوض أركانها التي لم يكن صدام حسين من وضع أسسها بل كانت مرحلته امتدادا طبيعيا لبناء الدولة العراقية الحديثة، منذ تأسيسها في 1923 مرورا بالعهد الملكي والجمهوري وانتهاء بعهد ما بعد الاحتلال الذي يمكن توصيفه بأنه عهد اللا دولة.

 

السياسي في مفهوم الأمم المتحضرة ليس أكثر من مناضل أو مكافح أو رجل شق طريقه بصعوبة للوصول إلى مكان يؤهله تحقيق غايات للآخرين، ليس من بينها غايات شخصية في الغالب، باستثناء ساسة صغار وكبار فاسدين بينهم رؤساء جمهوريات غربية؛ ودائما لسنا بصدد التعميم، لكننا نعني الغالبية منهم إن أردنا الحديث عن ساسة العراق الجديد، فقد لا نجد بينهم من شق طريقه بجهد ذاتي للوصول إلى مواقع القرار كما يفهم من العودة إلى قراءة ماضيهم. وفق مقال الكاتب رائد الحامد

 

كما إن قلة منهم لا يرتبط بجهات خارجية ساعدت في تعويمه أو جهات داخلية كانت بحاجة إلى مجرد رقم تضعه في خانة فارغة مطلوب إشغالها وفقا لمبدأ المحاصصة، الذي لا أصل له في الدستور العراقي، وإنما جاء وفقا لتفاهمات لزعماء سياسيين اقتسموا العراق كما يحلو لهم ورسخوا نسبا لتمثيل المكونات في ضوء نسبتهم من مجموع سكان العراق، لكن هذه النسب أيضا خضعت لمبدأ التفاهمات لا وفقا لإحصائيات رسمية رصينة.

 

في ضوء ما تقدم، فإن ما جرى في رسم خريطة العملية السياسية العراقية من أسس غير سليمة كان من نتائجها وصول سياسيين إلى مواقع القرار، وهم في حقيقة الأمر قضوا أعمارهم يتنقلون من مجموعة مسلحة إلى أخرى، معظمها تأسس في إيران ولا زال قادتها يتلقون الدعم منها ويدينون لها بالولاء وتغليب المصلحة الإيرانية على مصلحة البلد الأم.

 

هذا الفساد في الرؤية والسلوك الذي اصطبغت به العملية السياسية، وجد انعكاسه على أسلوب قيادة فصائل الحشد الشعبي من قبل تلك القيادات المرتبطة بإيران؛ وهي قيادات سياسية عسكرية في آن واحد، وبعضها يدير مجموعته المسلحة من تحت قبة مجلس النواب الذي يرأس أكثر من تسعة من أعضائه مجموعات مسلحة شبه عسكرية، معروفة باسم الميليشيات، وثقت منظمات دولية ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مع الإفلات التام من العقاب في عهدي نوري المالكي وحيدر العبادي أيضا.

 

ما يصح القول به في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي تدور حوله شبهات فساد كثيرة، لكنه كما كثير غيره من المتنفذين الذين يحتمون بمجموعات مسلحة فوق القانون وخارج نطاق المساءلة القانونية؛ أيضا يصح قوله عن عهد رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي أمعن في إسباغ الشرعية على المجموعات المسلحة التي استوعبتها مظلة هيئة الحشد الشعبي بعد فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني في 13 يونيو 2014 المعروفة باسم “الجهاد الكفائي”؛ وأبعد من ذلك عدَ العبادي فصائل الحشد الشعبي التي هي نفسها المجموعات المسلحة أو الميليشيات التي إنشائها إيران ومولتها وسلحتها، بأنها العمود الفقري للمؤسسة الأمنية العراقية، وأنها أصبحت “قوة من الجيش العراقي في موازاة قوة جهاز مكافحة الإرهاب”، بموجب أمر ديواني أصدره في فبراير 2016.

 

من بين أهم عناوين الفساد المالي ما يعرف باسم الفضائيين، وهم جنود منتسبون لوحدات الجيش أو الأجهزة الأمنية بأسماء وهمية تنفق عليهم الدولة العراقية النفقات المعتادة من التجهيز والرواتب الشهرية وغيرها، ويتقاضى ضباط أو قادة الوحدات تلك النفقات.

 

وأشارت وسائل إعلام محلية، نقلت عن مسؤولين عراقيين، إلى أن ما لا يقل عن خمسين ألفا من الجنود الفضائيين كانوا في وحدات الجيش العراقي ساعة سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة في يونيو 2014؛ لكن أي إجراءات قانونية لم تتخذ بحق المستفيدين من ظاهرة الفساد المالي والإداري هذه على الرغم من تشكيل لجان تحقيقية في وزارة الدفاع ولجان برلمانية في مجلس النواب لإحالة المسؤولين عنها إلى القضاء.

 

لم تقف ظاهرة “الفضائيين” عند حدود وحدات الجيش العراقي بل تعدتها إلى فصائل الحشد الشعبي التي كشفت وسائل إعلام عربية عن عجز الفصائل العراقية تلبية حاجات معركة فك الحصار عن حلب عندما طلب قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، من الفصائل التي ينتسب إليها “أكثر من خمسة آلاف مقاتل” مسجل في دوائر الحرس الثوري ويتم صرف رواتب شهرية لهم من الحكومة الإيرانية، إرسال ألف مقاتل لتعزيز جبهة حلب. لكن تلك الفصائل لم تستطع توفير أكثر من ربع العــدد المطلوب، وفقا لوسائل الإعلام نفسها التي ذكـــرت أن سلــيماني قام، إثر ذلك، بتوبيخ القيادات العراقية والاستعانة بتعزيزات من حزب الله اللبناني.

 

وقد أعلن العبادي في مناسبات عدة عن عزمه وإصراره على معالجة ظاهرة الفساد، كما أعلن مطلع مارس الماضي بعد أقل من أسبوع على تظاهرات مؤيدي التيار الصدري التي شهدتها ساحة التحرير وسط العاصمة في الأول من الشهر نفسه، أنه اتخذ سلسلة إجراءات لملاحقة واعتقال “كبار الفاسدين”، كما سماهم؛ وتشكيل “لجنة عليا” لتنسيق الجهود بين المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد؛ لكن “سلسة الإجراءات” التي تحدث عنها العبادي لم تغادر غرف الإعلام وكواليس السياسة إلى الجهات المسؤولة عن مكافحة الفساد، وهي جهات “فاسدة” أيضا.

 

إن إجراء أي إصلاحات جدية يدعو لها العبادي أو يسعى حقا لتنفيذها تصطدم بإرادة “كبار الفاسدين” ونفوذهم وقوتهم طالما هم ذاتهم قادة الكتل السياسية، وهم ذاتهم قادة فصائل في الحشد الشعبي الأكثر نفوذا من مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية التي تخضع قياداتها لأوامرهم بما فيها قيادة المعارك التي اشرف عليها هادي العامري في ديالى وبعدها في الصقلاوية والفلوجة، وأبو مهدي المهندس الذي قاد معارك صلاح الدين وخضعت لأوامره أعلى قيادات الجيش العراقي التي تمثل الدولة العراقية.

 

في مواجهة تغول “كبار الفاسدين” وسطوتهم على مؤسسات الدولة العراقية، و”تسرطن” ظاهرة الفساد المالي والإداري في عموم الأجهزة الحكومية على يد “كبار الفاسدين” من سياسيين وشيوخ عشائر متنفذين وبرلمانيين وقيادات في الجيش والأجهزة الأمنية وأخرى في فصائل الحشد الشعبي، ومع الإقرار بضعف أداء رئيس الوزراء في معالجة هذه الظاهرة واجتثاثها، تبقى بعض القوى الضاغطة باتجاه القضاء على الفساد تحاول أن تفعل شيئا من خلال ممارسات تنوعت بين الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات.

 

لكن يبقى هذا الحراك بلا جدوى في مواجهة “كبار الفاسدين” الذين تقف وراءهم مجموعات مسلحة أو ميليشيات، ويحظى بعضهم الآخر بحماية دول ذات نفوذ على القرار العراقي، مثل الولايات المتحدة التي يدين بالفضل لها كبار ساسة اليوم في الوصول إلى مواقعهم، وإيران ذات الذراع الأطول الذي يصل إلى ما لا يمكن أن يصله أي ذراع عراقي أو إقليمي أو دولي.

 

 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.