هذه أسرار الغموض المتعمّد لـ”الدولة الإسلامية” في اليمن

على الرغم من مرور عامين على ولادته وتنفيذه لعدد من العمليات، إلا أن فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” في اليمن لا يزال غامضاً، إذ لا تكاد تتوفّر أي معلومات عن إمكاناته وقدراته العسكرية، وعن قياداته البارزة، وعن جوانب تتعلّق بهيكله التنظيمي، أو غيره من ترتيباته الداخلية.

 

إلى جانب ذلك، لا يمكن تحديد معاقل معينة أو نطاق تحرّك جغرافي لهذا الفرع، الذي يَعتبِر “الحاضنة الشعبية” صنماً من أصنام تنظيم “القاعدة” وأحد أبواب الإختراق الأمني. والمؤكّد هو أن التنظيم يعمل، ودون توقّف، لمشروعه المتمثّل في السيطرة على الأرض، بغرض توسيع دائرة نفوذ دولته التي تقلّصت، أخيراً، في كلّ من العراق وسوريا، نتيجة لعملية عسكرية دولية منسّقة تقودها الولايات المتّحدة الأمريكية منذ أكثر من عام.

 

غموض متعمّد

يحاول فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” في اليمن تجنّب كلّ الأسباب التي سهَّـلت على أجهزة المخابرات المحلّية والدولية اختراق تنظيم “القاعدة”. في هذا السياق، تشير معلومات، حصل عليها “العربي” من مصدر مطّلع، إلى أن التنظيم وضع شروطاً معقّدة لقبول الملتحقين به، الأمر الذي دفع أكثر القادمين من خارج اليمن إلى الإلتحاق بتنظيم “القاعدة”. ويضيف المصدر أن أحد مسلّحي تنظيم “القاعدة” الذين لقوا مصرعهم بغارة أمريكية في محافظة شبوة، الشهر الماضي، التحق بـ”القاعدة”، بعد أن رفضته “الدولة”. وبحسب المصدر، فإن التنظيم يقدِّم ما يتعلّق بجانب الإحتياط الأمني على كلّ ما سواه.

 

أعين القبائل

في هذا السياق أيضاً، حرص تنظيم “الدولة” على تجنّب الظهور والتحرّك العلني في مناطق القبائل، التي لا تخضع لسيطرة الحكومة، بخلاف تنظيم “القاعدة” الذي يعتبر القبيلة حاضناً شعبياً وخزّاناً بشرياً، إضافة إلى أنه يجد في خروج مناطقها عن سيطرة السلطة المركزية فرصة لكسر العزلة الإجتماعية المفروضة عليه منذ أكثر من عقد، بغضّ النظر عن الثمن المدفوع.

 

تشير سلسلة إصدارات مرئية لتنظيم “القاعدة”، بعنوان “حصاد الجواسيس”، إلى أن أجهزة المخابرات نجحت في تجنيد عدد من أبناء القبائل للعمل ضدّه. ويؤكّد الإصدار الأخير من هذه السلسلة أن طائرات أمريكا بدون طيار تمكّنت من تصفية القائد الميداني لـ”القاعدة”، جلال بلعيدي المرقشي، عبر صديق لحارسه الشخصي. يحاول “الدولة الإسلامية” تجنّب الأسباب التي سهَّـلت اختراق “القاعدة”

 

درونز عمياء

إستطاع تنظيم “الدولة”، من خلال إغلاقه لأهمّ منفذي اختراق، أن يبقى بعيداً عن صواريخ الطائرات الأمريكية دون طيّار، فلم تُسجَّل، حتّى اللحظة، عملية “قتل بالإستهداف” واحدة ضدّ عناصر هذا التنظيم في اليمن، على الرغم من أن الحرب عليه باتت أولوية أمريكية وغربية، منذ سيطرته على مساحات شاسعة في العراق وسوريا.

 

عدد محدود

في ردّه على سؤال عن سبب عدم استهداف الطائرات الأمريكية لعناصر تنظيم “الدولة” في اليمن، قال مصدر مقرّب من التنظيم إن “التنظيم في هذا البلد لا زال تحت التأسيس، وأغلب أفراده كانوا مع القاعدة، والعدد محدود، ولم يبرز إلى الآن قائد مهمّ، يضاف إلى ذلك صرامة الجانب الأمني لديه، ولعلّ شدّته تجعل الجواسيس يخشون الوقوع في الأسر”. وأضاف “كذلك التصريحات الإعلامية والإصدارات بمختلف أشكالها تصدر بأمر مركزي، وهو ما يصعِّب من مهمّة تعقّبهم”.

 

وتابع المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن “أمريكا لم تقتل قادة الدولة الإسلامية في العراق أو الشام بطائرات دون طيار، بل بطيران حربي، ولا تستطيع تحديد هوية القتيل قبل أن يصدر بيان عن وكالة أعماق التابعة للدولة، وأغلب قادة الدولة قتلوا خلال معارك بقصف الطيران المعتاد، وكذلك تصريح سابق لمسؤول أمريكي يؤكّد أن أغلب الطلعات الجوّية تعود دون قصف، بسبب عدم وجود معلومات على الأرض”. بحسب ما نقل موقع “العربي”.

 

وبحسب المصدر، فإن هذا “يدلّ على أن الدولة أغلقت باب الإختراق الأمني الذي كان موجوداً عند القاعدة سابقاً”.

 

غير أن الحديث عن عدد محدود لا ينسجم وطبيعة العمليات التي نفّذها تنظيم “الدولة” في اليمن، إذ تشير الأرقام إلى أن معظمها كانت عمليات انتحارية، كما أن عدم بروز قادة كبار لا يعني عدم وجودهم، قد يتعلّق الأمر بحرص التنظيم على إبقائهم بعيداً عن دائرة الضوء حتّى لا تُقيَّد تحرّكاتهم بسبب المطاردات الأمنية.

 

دوافع أخرى

إلى جانب الدوافع الأمنية، قد تقف دوافع أخرى وراء حرص تنظيم “الدولة” على إحاطة نفسه بسياج من الغموض، ومنها رغبته في عدم إظهار ما قد يساعد خصومه على وضع خطط واستراتيجيات عسكرية وأمنية لمواجهته والحيلولة دون استمرار تقدّمه نحو أهدافه المرسومة، على اعتبار أن خططاً واستراتيجيات كهذه لا توضع إلا بناء على معلومات أكيدة عن إمكانات وقدرات الخصم، وعن نطاق تحرّكه الجغرافي، وعن رقعة نشاطه العملياتي.

 

مستقبل غامض

وفي ظلّ هذا الغموض، يصعب التنبّؤ بما قد يقوم به تنظيم “الدولة” خلال المرحلة المقبلة في اليمن، ومن غير المستبعد أن يتكرّر في هذا البلد ما حدث في العراق وسوريا عام 2013م، حين خرج التنظيم بصورة مفاجئة وغير متوقّعة وسيطر على مساحات واسعة من أراضي الدولتين.